- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
شهر رمضان قاس على المصريين في هذا العام مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية
مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات في مصر، من المتوقع أن يكون شهر رمضان الحالي الأصعب على المصريين منذ سنوات.
يُعدّ شهر رمضان بالنسبة إلى المصريين والمسلمين حول العالم شهرًا للصيام والصلاة والزكاة والتجمع مع العائلة الأصدقاء. إلا أن مصر تواجه تحديات اقتصادية شديدة من المرجح أن تتفاقم في هذا الشهر. فالطلب المرتفع على المأكولات الرمضانية التقليدية مثل اللحوم والدواجن والخضروات والحلويات يؤدي إلى زيادة الأسعار حتى في الوقت الذي يكافح فيه الناس لتوفير الضروريات الأساسية لأسرهم. فمنذ عام 2020، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 16%. ومن ثم، ستكون الأمور أشد وطأة على الأسر المنخفضة الدخل إذ سيصعب عليها الحصول على المواد الغذائية والمؤن التي تحتاج إليها في خلال شهر رمضان.
يسهم الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية في التضخم الجامح المستمر في البلاد. وفي هذا الإطار، أعلن البنك المركزي المصري في 9 آذار/مارس عن ارتفاع معدل التضخم الأساسي السنوي الذي بلغت نسبته حوالي 40.3 في المئة في نهاية شباط/فبراير بعد أن كانت نسبة المعدل الرسمي 31.2 في المئة في نهاية كانون الثاني/يناير 2022. ويأتي هذا الارتفاع في التضخم بعد انخفاض متسلسل لقيمة الجنيه المصري وسط ندرة العملات الأجنبية والتأخير المستمر في إيصال الواردات الغذائية إلى البلاد. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحكومة المصرية خفّضت قيمة عملتها ثلاث مرات خلال السنوات الست الفائتة، أولًا في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 بنسبة 57 في المئة ثم في شهري آذار/مارس وتشرين الأول/أكتوبر 2022 بنسبة 57 في المئة و75 في المئة على التوالي. كما تقل المساعدات أكثر فأكثر بسبب الانخفاض المحتمل في الأنشطة الخيرية المكثفة التي تقوم بها عادة المنظمات والأفراد خلال شهر رمضان نتيجة تراجع حجم التبرعات مع تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد.
وعلاوة على ذلك، لقد فرض الدين الخارجي غير المسبوق ضغوطًا كبيرة على الاقتصاد المصري. ففي العامين 2022 و2023، تم تخصيص ما تتجاوز نسبته 50 في المئة من الميزانية المصرية لخدمة الدين وسداد القروض، الأمر الذي أدى إلى تحويل الميزانية بعيدًا عن الخدمات الأساسية. ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة أكثر فأكثر لأن القرض المقدّم من صندوق النقد الدولي مقوم بالدولار في حين تستمر قيمة الجنيه المصري بالتراجع. ومن المعلوم أن تخفيض الإعانات الغذائية الأساسية ناتج من الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي للتمويل.
وعلى الرغم من أن الحكومة أدركت الضغوط المتوقعة على أسعار المواد الغذائية، كانت محاولاتها للتخفيف من وطأتها على المصريين خلال شهر رمضان محدودة ولن توفر سوى حل مؤقت لأزمة الغذاء في البلاد. على سبيل المثال، قررت الحكومة المصرية إعادة إحياء مائدة الرحمن، وهي تقليد إسلامي لتوزيع الطعام على المحتاجين خلال شهر رمضان المبارك بعد تعطيلها في السابق جراء تفشى جائحة كوفيد-19، ونتيجة السياسات الأمنية الحكومية. ولكن بخلاف السنوات السابقة، يجب على المواطنين الآن الحصول على إذن من المجالس المحلية في المنطقة والجهات الأمنية لتوفير تلك المساعدات. ولا شكّ في أن هذا المطلب سيحدّ من عدد الذين سيحصلون على الإعانة في هذا العام وسيزيد من معاناة الأشخاص غير القادرين على تأمين هذه المساعدات.
وشملت الجهود الأخرى التي قامت بها الحكومة المصرية في هذا الإطار فتح أسواق "أهلاً رمضان" لتأمين توصيل السلع الغذائية إلى المواطنين بأسعار مخفضة. وقد وصل عدد هذه المعارض التي تنظمها وزارة التموين والتجارة الداخلية إلى 341 معرضًا بحلول 19 شباط/فبراير تباع فيها المنتجات والسلع الغذائية كافة بحسومات تصل نسبتها 30 في المئة.
ومع ذلك، لقد اشتكى الكثير من المواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي من عدم قدرتهم على شراء كل ما يحتاجون إليه من الأسواق إذ يُسمح لكل فرد بالحصول على كمية محددة من المواد الغذائية، على سبيل المثال زجاجتان من الزيت وكيلوغرامين من السكر والأرز للفرد الواحد. كما احتج الكثير من المواطنين على الأسعار في هذه الأسواق باعتبار أنها لا تنافس الأسعار في محلات البقالة والسوبر ماركت العادية، ما دفع المذيع التلفزيوني الموالي للنظام أحمد موسى إلى حث وزير التموين على تطبيق المزيد من التخفيض على أسعار الكثير من المواد الغذائية.
من الممكن أن تتأثر مواد غذائية معينة أكثر من غيرها نتيجة ذلك. ففي حين تعدّ اللحوم عنصرًا مهمًا على مائدة الإفطار، اضطرت الحكومة المصرية نتيجة لارتفاع أسعار الدواجن غير المسبوق إلى استيراد كمية كبيرة من الدواجن المجمدة من البرازيل بلغ قدرها حوالي 50 ألف طن شكلت "مخزونًا استراتيجيًا" استعدادًا لشهر رمضان.
كانت صناعة الدواجن مستقرة في مصر قبل حدوث أزمة الدولار، لكن الارتفاع الحاد في قيمة الدولار مقابل الجنية المصري أدى إلى ارتفاع أسعار أعلاف الدواجن بشكل كبير، مما جعل من الصعب للغاية على الحكومة استيرادها، وبالتالي الحق ذلك الضرر بصناعة الدواجن. واشتكى بعض المواطنين من الدواجن البرازيلية لأنها غير آمنة للاستهلاك البشري، وتساءل الكثيرون عن سبب رخص سعر الدجاج الذي تتم تربيته في البرازيل وشحنه إلى مصر مقارنة بالدجاج المصري، ما دفع المقدم التلفزيوني عمرو أديب إلى الظهور على شاشة التلفزيون وهو يأكل دجاجًا برازيليًا للرد على من يشككون في جودته. ومع ذلك، يرى الكثيرون أن خطوة الحكومة غير حكيمة إذ أن استيراد الدواجن المجمدة ومعه النقص الكبير في علف الدواجن سيؤديان إلى تدمير قطاع الدواجن في مصر.
كما أدى الضغط على قطاع اللحوم إلى مزيد من الانخراط السياسي في هذا القطاع. فقد قررت وزارة الداخلية الاستمرار في مبادرتها "كلنا واحد" التي أطلقتها في العام 2018، كما قدمت بالتنسيق مع عدد من السلاسل التجارية الكبرى سلعًا غذائية عالية الجودة بأسعار أدنى من أسعار السوق بنسب تتراوح بين 20 و30 في المئة. ومن جهة أخرى، سعى البعض إلى الاستفادة من ارتفاع الأسعار. فعلى الرغم من أن المادة 11 من القانون رقم 40/1977 بشأن نظام الأحزاب السياسية في مصر تحظر على الأحزاب السياسية ممارسة الأنشطة التجارية التي تهدف إلى الربح، استورد حزب "حماة الوطن" الوسطي الموالي للنظام 55 طنًا من اللحوم من تشاد في صفقة مباشرة بين الحزب ووزارة الدولة للإنتاج الزراعي والإصلاح في تشاد.
ومع عجز التدابير الحكومية عن إنهاء استياء الشعب، حاولت وسائل الإعلام الموالية للنظام نشر جو إيجابي بين المواطنين وتشجيع الأثرياء على مضاعفة تبرعاتهم في هذا العام. وفي هذا السياق، أكد المقدم التلفزيوني البارز عمرو أديب على قناة "إم بي سي" أن رجال الأعمال حققوا الكثير من الأرباح من الشعب المصري والآن حان دورهم للسداد. وأكد مذيعون إعلاميون آخرون مثل أحمد موسى ونشأت الديهي على الجهود الحالية التي تبذلها الجمعيات الخيرية بالتنسيق مع الحكومة للتخفيف من أثر الأسعار خلال شهر رمضان.
واتخذ آخرون نهجًا مختلفًا، إذ طالب مذيعون مثل لميس الحديدي وسيد على المصريين بالتوقف عن التذمر لأن الأزمة الاقتصادية عالمية بطبيعتها ولا تقتصر على مصر فحسب، في حين قدم الإعلامي تامر أمين في قناة النهار اقتراحًا غير تقليدي نصح فيه المصريين بتناول لحوم الخيول والحمير لمواجهة ارتفاع أسعار اللحوم، معلّلًا بأن لحم الحصان من الأطعمة الشهية في باريس وبأن الشريعة تحرّم لحم الخنزير ولا تذكر لحم الحمير أو الخيل.
على الرغم من الجهود الحكومية والرسائل الإعلامية المبذولة في هذا الصدد، إلا أنه من المحتمل أن تتسارع عجلة التضخم، ما من شأنه أن يدفع بأسعار الغذاء والوقود إلى الارتفاع. كما أن المبادرات المؤقتة التي تحاول مواجهة هذا التضخم خلال شهر رمضان لن تحل جذور المأزق الاقتصادي في مصر. وفي المقابل، لا بدّ من معالجة اعتماد مصر الكبير على الأغذية المستوردة بدلاً من الزراعة المحلية لإطعام سكانها البالغ عددهم 100 مليون نسمة. وبالتالي على الحكومة أن تعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي، لا سيّما في مجال الزراعة، لتأمين إمدادات من السلع الغذائية الأساسية الأقل عرضة لتقلبات الأسعار من ضعف الجنيه المصري، وبذلك قد تؤدي زيادة الإنتاج المحلي للسلع الغذائية إلى توفير بدائل ميسورة الكلفة عن المنتجات الأساسية للشعب المصري. قد تؤدى تلك السياسات بدورها إلى تقليل اعتماد الحكومة على الدولار الذي تستخدمه لاستيراد هذه السلع من الخارج.
ويتعين أيضًا على الحكومة المصرية ترشيد نفقاتها الحالية وإعادة تقييم المبالغ الكبيرة المخصصة للمشاريع الضخمة غير المنتجة في مواجهة معاناة المصريين والتدهور الكبير في قيمة الجنيه. على الحكومة، في مثل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، أن تتسم بالمزيد من الشفافية بشأن الطريقة التي تنفق بها أموالها وذلك لاستعادة ثقة المواطنين المحبطين الذي يتحملون عواقب سوء التخطيط والإدارة، وإلا سيستمر الوضع في التدهور وستلوح ثورة الجوع في الأفق.