- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
عصر جديد من العلاقات المصريه الاسرئيليه؟
عهد قائم على تثمين هذه العلاقات بكيفية علانية واضحة المعالم، لا يحتاج فيها المتتبع للشأن السياسي بين الطرفين؛ إلى الاطلاع على التصريحات الإعلامية القادمة من "تل أبيب"؛ إذا ما أراد التعرف على طبيعة التعاون المصري الإسرائيلي.
منذ اليوم الأول لتنصيب عبد الفتاح السيسي رئيسا للجمهورية؛ وهو دائم الحديث عن دعمه لخيار إنشاء دولة فلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية. لقد أعلن السيسي ومنذ شهور، بمدينة أسيوط المصرية؛ عن مبادرته لحل الصراع العربي الإسرائيلي، تلك المبادرة التي لقيت ترحيبًا شديدًا في إسرائيل، وأعقبتها زيارة تاريخية لوزير الخارجية المصري سامح شكري، إلى مقر الحكومة الإسرائيلية في القدس، حيث التقى برئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، وهي خطوة مؤثره في مسار علانية وقوة العلاقات التي تجمع بين مصر وإسرائيل أمام الرأي العام المصري والعربي.
وفي سابقة هي الأولى من نوعها في العلاقات الثنائية بين الطرفين، اتخذت القاهرة قرارا بتوجه وزير الخارجية سامح شكري إلى القدس؛ للمشاركة في جنازة الرئيس الإسرائيلي الأسبق "شيمون بيريز". فحضور مثل هذه الشخصية المصرية الرفيعة المستوى ـ وزير الخارجية ـ والتقاؤها برئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" بقلب القدس؛ يعد تنازلا ضمنيا عن حق الفلسطينيين في القدس الشرقية، واعترافا عمليا بإسرائيلية القدس.
وعلى الجانب الإسرائيلي، توقعت الدولة العبرية أن يكون السيسي مثل الرئيس الأسبق السادات، وأن يكون قادرا ولديه الرغبة على اتخاذ خطوات جدية في اتجاه حل الصراع العربي الإسرائيلي. غير أنه يمكن القول أن السادات كان قادرا على صنع أجندته الإقليمية الخاصة به؛ بفضل مشروعية حرب السادس من أكتوبر؛ التي مكنته من الشروع في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بعيدا عن الدول العربية، فتوج ذلك بزيارته التاريخية للقدس. في حين أن الزيارة الوحيدة التي قام بها خليفته الرئيس الأسبق ـ حسني مبارك، كانت لحضور جنازة رئيس الوزراء الإسرائيلي "إسحاق رابين"
يعتبر سفير مصر في "تل أبيب" حازم خيرت، مثالا آخر عن العلاقات المصرية الإسرائيلية الجديدة، حيث استقبل خيرت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الإسرائيلي روفين ريفلين خلال احتفال السفارة المصرية في تل أبيب بالذكرى الرابعة والستين لثورة 23 يوليو. فهو أول سفير مصري في إسرائيل منذ سحب الرئيس الأسبق محمد مرسي للسفير عاطف سالم عام 2012؛ في إطار احتجاج مصر واعتراضها على العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (عامود السحاب). وهكذا، فإن مشاركة القيادة السياسية الإسرائيلية للسفارة المصرية في هذا الاحتفال؛ تمثل تصالحا مع ماضي الصراع المصري- الإسرائيلي، والانتقال لمسار تحالف سياسي بين الدولتين.
كما أن السفير حازم خيرت أدلى بِدَلْوِهِ في تلك العلاقات الثنائية بينهما؛ وذلك من خلال ظهوره أمام المؤتمر الدبلوماسي السنوي بصحيفة "جورسلم بوست"، حيث أوضح التوجه المصري تجاه إسرائيل وعملية السلام، مشيرا إلى أن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي هو السبب الأول الذي يجعل السلام بين مصر وإسرائيل لا يحظى بشعبية، مؤكدا على أنه بالإمكان تجاوز تلك الحالة من الفتور في العلاقة بين الشعبين، شريطة التوصل إلى حل الدولتين، بإقامة دولة فلسطينية، وبالتالي إنهاء الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
أخذت العلاقة المصرية الإسرائيلية مؤخرا، منحى آخر يتسم بالعلانية عندما قبلت إسرائيل عرضا مصريا بإرسال مروحيتي للمساعدة في جهود إخماد الحرائق التي اجتاحت حيفا مؤخرا. وهكذا، فإن تلك الواقعة مثلت تغير واضح في العلاقات المصرية الإسرائيلية بعد كانت مقتصرة في الماضي بشكل كامل على تداول المعلومات الاستخباراتية حول نشاط العناصر الإرهابية في سيناء وقطاع غزة. والملاحظ أن الكثيرين من مؤيدي نظام السيسي؛ قد قاموا بالترويج لمدى استفادة النظام المصري من مشاركته في مساعدة إسرائيل خلال أزمتها، وإثبات جدية مصر وحسن نيتها في التعامل معها، الشيء الذي يفتح لها المجال لتطوير دورها كفاعل في عملية السلام المرتقبة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
لقد ظلت العلاقات المصرية الإسرائيلية خارج نطاق العلانية طوال العقود الأربعة التي تلت اتفاقية "كامب ديفيد"، ولكن منذ صعود عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية، وهناك توجه واضح لتنشيط العلاقات مع إسرائيل. وخلاصة القول، تمثل تصريحات السيسي الخاصة بالسلام وإنشاء دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، تمثل تنازلاً عن أسس الدبلوماسية المصرية التقليدية التي لا تعترف بتقسيم القدس، كما تعكس النهج الجديد الذي اتخذته الإدارة المصرية في علاقتها مع إسرائيل.
إن زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري للقدس ولقاءه برئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" داخل مقر رئاسة الحكومة الإسرائيلية؛ هو حدث نقل مصر من خانة التنازل الخطابي عن قدس فلسطينية موحدة؛ إلى خانة الاعتراف الضمني بالوضع الحالي. خاصة في ظل قيام الإعلام المؤيد للنظام المصري؛ بتغطية إعلامية واكبت تلك الزيارة، علاوة على مواكبته أيضا، لزيارة نتنياهو وريفلين للسفارة المصرية في "تل أبيب" إبان الاحتفال بذكري 23 يوليو.
لقد غيرت تلك الأنشطة الرسمية والعلانية الروح للعلاقات الثنائية بين الطرفين؛ وما صاحبها من متابعة شديدة الاهتمام من طرف الإعلام المصري الرسمي، لأكبر مؤشر على أن مصر تتجه إلى تأسيس عهد جديد في علاقتها بإسرائيل، عهد قائم على تثمين هذه العلاقات بكيفية علانية واضحة المعالم، لا يحتاج فيها المتتبع للشأن السياسي بين الطرفين؛ إلى الاطلاع على التصريحات الإعلامية القادمة من "تل أبيب"؛ إذا ما أراد التعرف على طبيعة التعاون المصري الإسرائيلي.