- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
صراع الإرادات والرهانات بين الأردن وإسرائيل
على الرغم من الإشادة الدولية بإجراءات المملكة الأردنية الهاشمية في مواجهة جائحة فيروس كورونا، إلا أن صناع القرار لايزالون قلقين للغاية بشأن التداعيات الاقتصادية الوخيمة المحتملة جراء انتشار هذا الوباء. وفى هذا الإطار، أدى إعلان إسرائيل اعتزامها المضي قدمًا في ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية وغور الأردن من جانب واحد، إلى إثارة قلق الأردن حيث جاء الإعلان في توقيت شديد الحساسية.
لم تكن تصريحات العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني لمجلة "ديرشبيغل" الألمانية مستغربة حيث تضمنت تحذيرات محسوبة بدقة وشديدة اللهجة للولايات المتحدة وإسرائيل والمجتمع الدولي من مغبة تنفيذ إسرائيل لقرارها.
وعلى الرغم من تصريحات العاهل الأردني التي أكدت على حل الدولتين والتشكيك بالدولة الواحدة والتحذير من أن أول نتيجة لمخططات ضم الضفة الغربية وغور الأردن ستكون حل السلطة الوطنية الفلسطينية وما يترتب على ذلك من فوضى وتعزيز أسباب التطرف والإرهاب، ،إلا أن ما يستدعي التوقف عنده التحذير الذي أطلقه الملك عن وقوع صدام كبير مع إسرائيل "لا أريد إطلاق تهديدات ولا إشاعة مناخات من المشاحنات لكن اذا ما ضمت إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية في تموز/يوليو ،فان ذلك سيؤدي صدام كبير مع المملكة الأردنية الهاشمية، ولدينا خيارات".
يبدو أن تقديرات القيادة الأردنية تشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية ماضية في تنفيذ قرار الضم، خاصة مع سقوط الرهانات على تغييرات في النخبة الحاكمة بإسرائيل بعد انضمام "غانتس" لحكومة ائتلافية بقيادة نتنياهو الذي أصبح معها مستقبله السياسي مرتبط بشكل مباشر بقرار الضم. كما أن الرهانات على موقف إسرائيلي معارض لهذا الضم من قبل نخب إسرائيلية لم يعد مؤثرا للدرجة التي ستحول دون إنفاذ القرار، بما في ذلك التبدل في مواقف "غانتس"، رغم قناعات واسعة لدى هذه النخبة بان الضم سيرتب تبعات على إسرائيل ربما لا تستطيع تحملها في المستقبل.
إن رفع منسوب التحذيرات الأردنية وتوقيتها يأتي في سياقات مرتبط بالآليات التي يراها الأردن قادرة على منع قرار الضم من المضي قدمًا. فالقيادة الأردنية تدرك أن مقاربة الضم الإسرائيلية بالطريقة التي يطرحها نتنياهو لا تحظى بقبول كامل في أوساط الإدارة الأمريكية، التي تدرك أن الدول العربية لا تستطيع تأييد القرار الإسرائيلي أو حتى السكوت عنه. وعلى الرغم من أن قرار الضم قد تم تحريكه بموجب بعض بنود "صفقة القرن" التي اقترحها ترامب، إلا انه من الواضح أن المقاربة الأمريكية تستند إلى مبدأ أن كل ما يتم التخطيط له يجب أن يكون نتيجة لاتفاق يعقب مفاوضات مع الجانب الفلسطيني وبقية الأطراف المعنية.
وقد يبدو هذا المبدأ صحيحًا بشكل خاص نظرًا لما قدمته الإدارة الأمريكية من سخاء وانحياز لإسرائيل عبر صفقة القرن من خلال استبعاد ملفي القدس واللاجئين من على طاولة أية مفاوضات إسرائيلية – فلسطينية قادمة، وهو ما أكدت علية زيارة وزير الخارجية الأمريكي لإسرائيل "بومبيو" مؤخرا- وهي زيارته الخارجية الأولى منذ جائحة كوفيد-19 العالمية- الذي طالب نتنياهو بتأجيل قرار الضم إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية المقرر عقدها تشرين الثاني / نوفمبر القادم.
الموقف الأمريكي تجاه الضم الإسرائيلي يخفي مستويات عميقة من الخلافات بين واشنطن وتل أبيب، على خلفية ذهاب نتنياهو بعيدا في التعاون مع الصين بمشاريع اقتصادية ضخمة، وإبرام بعض العقود الخاصة بتحلية مياه البحر مع شركات صينية مؤخرا. وقد يعتبرها الرئيس ترامب الذي يخوض حروبا "اقتصادية" مع الصين حتى ما قبل كورونا، طعنة من قبل نتنياهو الذي يبدو انه خارج التحالف الأمريكي الذي يتشكل ضد الصين، وذلك في الوقت الذي كان فيه ترامب الأكثر سخاءا مع نتنياهو عبر صفقة القرن، والاعتراف بضم الجولان السوري لإسرائيل.
يستند الأردن في موقفه من قرار الضم إلى قرار “عربي" رسمي في إطار الجامعة العربية وقممها، يعلن حتى تاريخه على الأقل رفضه لقرار الضم وأية إجراءات أحادية الجانب، يتم اتخاذها بدون موافقة الجانب الفلسطيني، وقد سارعت القيادة الفلسطينية بشقيها السلطة في رام الله وحماس في قطاع غزة لإعلان تأييدها للتصريحات التي أطلقها العاهل الأردني. ومع ذلك، تدرك القيادة الأردنية أن العواصم المؤثرة في صناعة القرار العربي” تتساوق" مع بعض مقاربات صفقة القرن، وما تردد من تعاطي بصورة أو بأخرى مع بعض مخرجاتها بما في ذلك المليارات المخصصة للتنمية في الضفة الغربية وقطاع غزة وبعض دول المنطقة.
كما يراهن الأردن على مواقف دولية لروسيا والصين والاتحاد الأوروبي التي تؤكد التزامها بحل الدولتين، وترفض المساس بالاتفاقات الدولية، وقد عبر الأوربيون عن موقف رافض لقرار الضم الإسرائيلي تضمن تهديدات بفرض عقوبات على تل أبيب.
رغم اللهجة الشديدة التي استخدمها العاهل أردني بما في ذلك مفهوم" الصدام" والحديث عن خيارات لم يفصح عنها الملك في مقابلته مع مجلة "ديرشبيغل" إلا أن المؤكد أن تلك الخيارات لن تصل إلى مستوى المواجهة العسكرية بين الجانبين، ويبدو أن رسالة الملك تصل لمستوى التهديد بإعادة النظر بمعاهدة السلام الموقعة مع إسرائيل منذ عام 1994. ومنذ ذلك الحين، لجاء الأردن إلى استخدم عدة تكتيكات للضغط على إسرائيل، منها وقف التعاون الأمني معها وتجميد تنفيذ ما تبعها من اتفاقيات بما فيها اتفاقية شراء الغاز من إسرائيل والتي تم البت بعدم جواز إلغائها من قبل المحكمة الدستورية بعد تنسيب من مجلس النواب الأردني بإلغاء تلك الاتفاقية.
ومع ذلك، تعتمد الرهانات الأساسية للقيادة الأردنية على قدرتها على كسب المزيد من الوقت قبل أن تقرر إسرائيل اتخاذ أي إجراء لتنفيذ قرار الضم في تموز/ يوليو القادم. كما أن هناك الكثير من المسؤولين الأمريكيين الذين أصبحوا على قناعة بان تنفيذ إسرائيل لقرار الضم سيطلق العنان مجددا للفوضى والإرهاب، وستكون إسرائيل أول المتضررين منها وعلى أكثر من صعيد. كما ستشهد حكومة نتنياهو التحولات الديموغرافية التي تخشاها وستكون مسؤولة مسؤولية كاملة أمام للقانون الدولي حيث أن الأمر يتعلق باحتلال إقليمي.
لم تعلن القيادة الأردنية صراحة عن الخطوات التي قد تتخذها حال تنفيذ قرار الصم ، لكن المعطيات واستنادا لثوابت السياسة الأردنية ومرونتها التاريخية واعتمادها الخيارات الدبلوماسية فمن المرجح أن تذهب إلى ثلاثة مستويات، الاول: عربي من خلال الجامعة العربية وعبر اتصالات ثنائية مع السلطة الفلسطينية ومصر، والاستفادة من الموقف الخليجي المعلن الرافض للضم، والثاني إقليمي، إذ أن دولا مثل تركيا وايران وبقية الدول الإسلامية ما زالت عند موقفها بالالتزام بمقاربة حل الدولتين وعلى حدود الرابع من حزيران، فيما المستوى الثالث يستند إلى جهود دولية باتجاه أوساط أمريكية رافضة للضم ليس في اطار إدارة الرئيس ترامب فقط بل ولدى الأغلبية الديمقراطية في الكونغرس، إضافة لمواقف أوروبا وروسيا والصين مع الأخذ بعين الاعتبار تفاوت الأوزان النسبية للمستويات الثلاثة في قدرتها التأثيرية على النوايا الإسرائيلية.
وبالاستناد للإشارات الجديدة الواردة من الإدارة الأمريكية تجاه “التحفظ" على قرار حكومة نتنياهو فان من المناسب أن تمضي الإدارة الأمريكية بمزيد من الضغط على الحكومة الإسرائيلية وإقناعها أن أية خطوات أحادية من جانب إسرائيل لن يكتب لها النجاح، وستزيد أعضاء نادي الرافضين للسلام في المنطقة، وتقوى من خطاب القوى الراديكالية. إن تأكيدات واشنطن على العلاقة الاستراتيجية مع الأردن، بما فها الدعم المالي الأمريكي للأردن، لا تكفي لتهدئة الهواجس الأردنية المترتبة ليس على ضم الضفة الغربية والأغوار، وليس لدى الأردن رغبة ولا قدرة على قبول مثل هكذا السيناريو، خاصة بالنظر إلى تأثيره المحتمل على الأردن وفي مقدمتها تهجير المزيد من سكان الضفة الغربية إلى الأردن بالإضافة للمساس بقضايا مرتبطة بالأمن الوطني الأردني المرتبطة بالحا النهائي.