بعد سنوات من التمثيل المنقوص والقمع على يد النظام، أصبح السكان السنة في إيران يلعبون دورًا مهمًا في الاحتجاجات الحالية.
نظرًا إلى غياب الإحصاءات الرسمية وموثوقة في إيران، من المقدَّر أن الأقلية السنية في الجمهورية الإسلامية تشكل ما بين عشرة وخمسة عشر في المائة من سكان إيران الحاليين المقدَّر عددهم بـ 86 مليون نسمة. وقد عانت هذه الأقلية كثيرًا من انعدام التكافؤ في التمثيل والتعبير السياسي خلال العقود الماضية. ولعل افتقارها طيلة هذا الوقت إلى التمثيل السياسي يفسر الدعم الذي أبدته مؤخرًا شخصيات دينية سنية بارزة للاحتجاجات المستمرة في إيران، على الرغم من الخطر والقمع المستمر الذي استهدف الأقليات على وجه التحديد – بما فيها السُّنة.
تهميش السُّنة السياسي
يتجلى تهميش الإيرانيين السنة بوضوح عند أعلى مستويات الحكومة. إذ يجب أن يكون الإيرانيون من الطائفة الشيعية ليشغلوا العديد من المناصب الحكومية رفيعة المستوى – بما في ذلك مجلس الخبراء ومجلس تشخيص مصلحة النظام ومجلس صيانة الدستور. ومع أن السُنة لم يُحرموا من جميع المناصب الحكومية، إلا أنهم يتعرضون للتمييز بشكل أقل وضوحًا، بحيث اقتصر عدد الأعضاء السُنة المنتخبين في مجلس الخبراء الدينيين على 12 عضوًا من أصل 277 عضوًا. وقد جاء هؤلاء الأعضاء من المحافظتين الإيرانيتين ذات الأكثرية السنية الساحقة: سيستان وبلوشستان وكردستان.
ومنذ تشكيل أول برلمان إيراني (مجلس الشورى الإسلامي) بعد الثورة الإسلامية في عام 1980، لم تتعدَّ نسبة النواب السُّنة المنتخَبين 6 في المائة من إجمالي النواب الذي مروا على المجلس (121 من أصل 1996 نائبًا). والجدير بالذكر أن هؤلاء النواب قد انتُخبوا جميعًا من 22 دائرة انتخابية فقط من أصل 206 دوائر انتخابية في إيران، وتمثل هذه الدوائر الـ 22 مجتمعةً حوالي سبعة في المئة من إجمالي سكان البلاد وتنتشر في سبع محافظات، هي: غلستان وهرمزغان وكرمانشاه وكردستان وخراسان رضوى وسيستان وبلوشستان وأذربيجان الغربية. ولم يصل أي نائب سني إلى المجلس حتى عام 2016 حين أصبح النائب عن منطقة بوكان، محمد قاسم عثماني، أول عضو سني فيه. واستغرق الأمر أربع سنوات أخرى لانتخاب أول امرأة سنية، هي شيفا قاسمى بور من مريوان.
تسلّط انتخابات مجلس الشورى الضوء على انقسام سياسي حاد بين الطوائف - فالمرشحون السُنة لم يحققوا على مر السنين سوى نجاحات انتخابية في الدوائر التي تكون فيها التركيبة الطائفية ذات أغلبية سنية، في حين فشل المرشحون السنة، في المناطق ذات الأقلية السنية، في كسب حضور سياسي. وفي مقاطعة هرمزغان، تم انتخاب النواب السنة من منطقة بندر لنجة ذات الكثافة السكانية المنخفضة، ولكن ليس من مناطق بندر عباس أو ميناب الأكثر كثافة. ومن بين الدوائر الانتخابية الست في كرمانشاه، لم تنتخب منطقة بافيه، المتاخمة لإقليم كردستان ذي الأغلبية السنية، سوى نائبًا سنيًا في المجلس.
ويتكرر هذا المنوال في المحافظات الأخرى. ففي محافظة كردستان، انتخبت الدوائر الأربع في مريوان وقروه وسنندج وسقز جميعها نوابًا سنّة، لكن هذا ما لم يحدث قط في دوائر مثل بيجار. فضلًا عن ذلك، ومن بين الدوائر الانتخابية الإحدى عشرة في محافظة خراسان رضوى، لم يُنتخب النواب السُنة سوى في دائرتَي خواف وتربة جام. وفي سيستان وبلوشستان، مثّل النواب السنة منطقتَي زاهدان وإيرانشهر في ست وسبع من دورات المجلس الإحدى عشرة على التوالي. وفي ما عدا هاتين الحالتين البارزتين، وحدها مناطق تشابهار وخاش وسراوان حصلت على تمثيل سني في المجلس. وأخيرًا، في أذربيجان الغربية، لم يُنتخب الممثلون السنة إلا من بوكان ذات الأغلبية السنية، ومهاباد ونقدة وبيرانشهر وأورمي، ولكن ليس من مدن خوي أو ماكو أو مياندوآب أو سلماس.
تقاطع الدين والعرق
في حين أن السياسيين السنة لا يتنافسون إلا في المناطق ذات الغالبية السنية، إلا أن المحافظات التي تضم نسبًا عالية من السكان السُنة، بما فيها محافظات سيستان وبلوشستان وكردستان وغلستان وحتى خراسان رضوى، تتعرض لاستهداف محدد من النظام. وهنا، تتداخل الانقسامات الدينية مع الانقسامات العرقية الحادة، ما دفع الدولة إلى تبنّي استراتيجية قاسية في هذه المحافظات المضطربة باسم "الأمن القومي". فالتاريخ الطويل من عنف النظام ضد المعارضين من الأقليات العرقية والدينية محفور في ذاكرة السكان: في آذار/مارس 1979 على سبيل المثال، تمرّد الأكراد المطالبين بالحكم الذاتي ضد الجمهورية الإسلامية الحديثة في مدينة سنندج، ما أسفر عن مقتل عشرات الأشخاص في اشتباكات بين الأكراد وقوات الأمن. وبحلول أيلول/سبتمبر، كانت مدينتا مهاباد وسردشت ذات السكان السنة في أذربيجان الغربية قد سقطتا أيضًا في أيدي القوات الحكومية. وكذلك، شهد عام 1979 اندلاع أعمال العنف في المناطق السنية، ومنها غونباد كافوس في محافظة غلستان في آذار/مارس، ونقدة في أذربيجان الغربية من نيسان/أبريل إلى أيلول/سبتمبر، وفي مناطق من محافظة خوزستان في نيسان/أبريل.
ومع الوقت، ازدادت عداوة النظام تجاه الأقليات العرقية والدينية مع استمرار هذه الأقليات بمقاومة أوامر النظام. على سبيل المثال، في الفترة من آب/أغسطس إلى تشرين الثاني/نوفمبر 1979، وخلال مداولات مجلس الخبراء لاعتماد الدستور الجديد، اعترض رجل دين سني بلوشي يدعى مولانا عبد العزيز ملازاده (1916-1987) بشدة على اعتبار المذهب الشيعي الدين الرسمي للدولة. وفي المجلس نفسه، اعترض المحامي البلوشي ابن الثلاثين عامًا حميد الله مير مراد زاهي (مواليد 1949) على تكريس مبدأ ولاية الفقيه في الدستور. وفي عام 1981، قام أحمد مفتي زادة (1933-1992) – وهو زعيم سني كردي محترم أشاد به آية الله الخميني علنًا في السابق – بتشكيل "مجلس شورى مركزي للسُنة" مع زملاء له أمثال مولازاده والنائب مولوي نظر محمد ديدغاه (1932-2021) الذي انتُخب نائبًا عن إيرانشهر في أول مجلس شورى. وقد ألقي لاحقًا القبض على مفتي زادة عام 1982 وأمضى السنوات العشر التالية في السجن.
نتيجةً للتوترات المذكورة وغيرها من شكاوى الأقليات غير المعالجَة ضد الدولة، كانت معدلات المشاركة في الانتخابات النيابية من عام 1980 حتى عام 2016 في المحافظات التابعة للسُّنة أقل بشكل واضح من معدلاتها على صعيد البلاد ككل. ففي محافظتَي سيستان وبلوشستان وكردستان مثلًا، بلغ معدل المشاركة 58 في المائة للأولى و54 في المائة للثانية مقارنةً بالمتوسط الوطني البالغ 65 في المائة.
في نهاية المطاف، أدرك المرشد الأعلى ضرورة التواصل مع السكان السنة، فعيّن "ممثلًا ورئيسًا لشؤون الإخوان السُّنة" في محافظتَي بلوشستان وبوشهر. كما شكل النظام الإيراني "مجلس تخطيط مدارس العلوم الدينية لأهل السنة" في عام 2007 للسيطرة بشكل أفضل على ما يتم تدريسه في المدارس السنية.
بطبيعة الحال، لم تلقَ هذه الخطوة استحسان كبار رجال الدين السنة، خصوصًا وأنها تحد من علاقاتهم مع الطلاب الدينيين المتحدرين من الدول المجاورة لإيران، مثل طاجيكستان وأوزبكستان وباكستان. فقد طُلب من هؤلاء الطلاب الالتحاق بجامعة المصطفى العالمية التي يسيطر عليها النظام، والتي وضعتها الحكومة الأمريكية على قائمة عقوباتها في عام 2020 بسبب أنشطتها الشائنة.
وفي عام 2013، عيّن الرئيس حسن روحاني وزير الاستخبارات السابق حجة الإسلام علي يونسي مستشارًا له لشؤون الأقليات العرقية والدينية، وشغل يونسي هذا المنصب لمدة خمس سنوات. وحين منح الرئيس إبراهيم رئيسي المنصب لماموستا عبد السلام كريمي في تشرين الأول/أكتوبر 2021، كانت هي المرة الأولى التي يتولى فيها سنيٌّ هذا الدور الاستشاري المعني بالأقليات.
الاستياء السني والاحتجاجات الحالية
مع ذلك، لم تنجح برامج التواصل وتعيين المسؤولين السُّنة في التصدي لتراكمات عقود من التهميش السياسي والحرمان الاجتماعي والاقتصادي وقلة الاحترام التاريخية تجاه المناطق السنية في إيران، خاصةً وأن عدم احترام الرموز والأماكن الدينية السنية مستمرٌ حتى اليوم. ولذلك، أطلقت وفاة الفتاة الكردية، مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عامًا في 16 أيلول/سبتمبر موجةً شرسة من الاحتجاجات التي عمّت البلاد – وتوسعت لتشمل مظالم قديمة تتجاوز قوانين الأخلاق. وبالنسبة للأقليات السنية في إيران، تشمل هذه المظالم التمييز المنهجي الذي تعرضت له على مدى السنوات الأربعين الماضية، والافتقار إلى الخيارات السياسية للتصدي له.
ومرةً أخرى، رد النظام على هذه المظالم بالعنف. ووفقًا للبيانات التي جمعتها "منظمة حقوق الإنسان الإيرانية" عن الضحايا، استهدفت حملة القمع الوحشية التي يشنّها النظام مرةً أخرى السنة والأقليات الأخرى بشكل غير متناسب. وبالفعل، وفي التاسع من تشرين الثاني / نوفمبر 2022، سقط 163 من أصل 378 قتيلًا على أيدي قوات الأمن هم من محافظتَي بلوشستان وكردستان. وقد تحملت مدينة زاهدان ذات الغالبية السنية، والتي تعدّ أيضًا من أفقر مناطق البلاد، الوطأة الكبرى من عنف الدولة، حيث أفادت منظمة العفو الدولية أن ما لا يقل عن 66 فردًا من سكان المدينة قُتلوا في يوم 30 أيلول/سبتمبر وحده. علاوة على ذلك، كانت مدينة مهاباد الكردية أيضًا مسرحًا للعنف الوحشي من قبل الدولة، وعدد الضحايا ما زال غير معروف حتى اللحظة.
في محاولة للسيطرة على الأضرار، لجأت الحكومة إلى خطوات مثل إقالة قائد شرطة ورئيس مركز شرطة وإرسال أحد المقربين من آية الله خامنئي إلى منطقة بلوشستان للقاء رجال الدين السنة. في الوقت نفسه، ومع أن الحركة الاحتجاجية وُصفت بأنها من دون قائد، يبدو أن سُنة بلوشستان وجدوا زعيمًا في شيخ الإسلام المحترم في زاهدان، مولانا عبد الحميد. فقد ازدادت نبرة عبد الحميد حدةً في خطبته يوم الجمعة – وهو الذي كان قد أيّد ترشيح إبراهيم رئيسي المحافظ للرئاسة عام 2021. وبعد الوفيات التي وقعت في زاهدان، ألقى بمسؤولية المذبحة على عاتق المرشد الأعلى ومساعديه. وحتى الآن، أعلنت أربعون قبيلة بلوشية وعشرات الزعماء السنة الآخرين من جميع أنحاء البلاد دعمهم لعبد الحميد.
لم يُكتب بعد الفصل الأخير من موجة الاحتجاجات الراهنة في إيران، لكن أحداث الشهرين الماضيين – وديناميكيات العقود القليلة الماضية – ستترك حتمًا بصمة لا تمحى على السياسة الإيرانية بشكل عام. ولا يزال أمام طهران فرصة لتغيير أطر علاقتها مع أكبر أقلية دينية في البلاد. ويؤمل أن تكون الأعراف الجنسانية التقدمية أحد الإنجازات المترتبة عن حركة الشعب الإيراني، عسى أن ينتج عنها أيضًا خطاب أقل طائفيةً وتمييز أقل على المستوى الرسمي في الدولة.