- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
سياسة السعودية نحو الشباب: انفجارات ومدن ترفيهية
بعد طوفان العنف الذي اندلع خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان هذا العام، أصبح تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») محل اهتمام وسائل الإعلام الدولية والأحاديث اليومية على حد سواء. وقد أدت الهجمات الأخيرة التي شنها تنظيم «داعش» على كلاً من السفارة الأمريكية في جدة والمدينة المنورة - ثاني أقدس مكان للمسلمين في جميع أنحاء العالم وحيث يوجد قبر الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام) - إلى إدانات جماعية واسعة من قبل الدول ذات الأغلبية المسلمة. ومع ذلك، لم تكن تلك الهجمات العنيفة متوقعة من تنظيم «القاعدة» وجاءت في وقت حساس تقوم فيه السعودية ونائب ولي عهدها، محمد بن سلمان باتخاذ بعض القرارات الخاصة بالشباب والمثيرة للجدل.
وعلى الرغم من التبسيط، يبدو أن تنظيم «الدولة الإسلامية» تحوّل بعيداً عن أسلوب "الرعب بالجملة" الذي انتهجه في عام ٢٠١٥ حين كان يقوم بنشر فيديوهات مخيفة على شبكة الانترنت، أُنتجت بشكل احترافي، لتظهر عمليات الإعدامات. وبدلاً من ذلك، انتهج أسلوب "الرعب بالتجزئة" حيث ارتكب التنظيم أعمال العنف في الفضاء الحقيقي عوضاً عن الفضاء الافتراضي. وفي الواقع، عكست تلك الهجمات التي حدثت مؤخراً، نفس الاستراتيجية التي اتبعتها بعض التنظيمات الإرهابية المخضرمة مثل تنظيم «القاعدة»، الأمر الذي ترك لوسائل الإعلام الدولية وللمشاهد المجال للتكهن حول ماهية الرسالة التي يرعب التنظيم في بثها.
ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام والحكومة التركية قام ثلاثة مسلحين أعضاء في تنظيم «داعش»، بشن هجوم في مطار أتاتورك الدولي في الثامن والعشرين من حزيران/يونيو وقتلوا 45 مسافراً. وعلى الرغم من عدم إعلان تنظيم «الدولة الإسلامية» مسؤوليته عن الهجوم، إلا أن التنظيم استمر على مدار الأسبوع في شن موجات من القتل. فبعد ثلاثة أيام من الهجمات التي حدثت في المملكة العربية السعودية، قام ثلاثة شبان متعلمين ينتمون إلى الطبقة العليا والمتوسطة باقتحام مخبز في بنجلاديش وقتلوا 23 شخصاً. ومع ذلك، ما زال هناك تضارب في الآراء حول انتماءات منفذي العملية، حيث أدعى تنظيم «الدولة الإسلامية» مسؤوليته عن الهجوم، إلا أن البعض يرى انهم أعضاء في جماعة المجاهدين - وهي منظمة إسلامية إرهابية ومتطرفة في بنجلاديش. وقبل يومين من نهاية شهر رمضان، قام تنظيم «داعش» بتفجير سيارة نقل معبأة بمواد ناسفة في أحد الأسواق في بغداد حيث استهدف عمداً المدنيين من الشيعة الذين خرجوا للتسوق بمناسبة عيد الفطر. لقد كانت لتلك المذبحة المروعة العديد من التداعيات على النظام في بغداد والذي بدا غير قادر على توفير الحماية الأمنية اللازمة التي وعد بها مواطنيه من الشيعة. وقد تجلّى هذا الإحباط في صورة احتجاجات محلية واستقالة وزير الداخلية العراقي.
إن تحول تنظيم «الدولة الإسلامية» من الأسلوب الافتراضي إلى الأسلوب المادي يمثل خطوة غريبة لمنظمة إرهابية حققت "نجاحاً" نسبياً في حملاتها الإعلامية السابقة والمميزة. ومن المعروف أن العديد من المجندين الذين انخرطوا تحت لواء التنظيم، هم من الشباب المهمش نسبياً والمتعلم والذي نجح التنظيم في تجنيد الآلاف منهم من كافة أرجاء العالم. وفى الواقع فإن مشكلة تلك الجماعات التي أصبحت تمثل خطراً على الدول في منطقة الشرق الأوسط، تكمن في العديد من القرارات الاقتصادية والعسكرية التي اتخذتها الأنظمة المتسلطة منذ اندلاع ثورات "الربيع العربي" في عام 2011. وقد أظهرت الثورات في تونس ومصر وسوريا والبحرين أن جيل الشباب المتعلم والبارع في استخدام التكنولوجيا كان له تأثير لا يصدق على الأنظمة الاستبدادية في المنطقة. ومع ذلك، عملت المملكة العربية السعودية، على وجه التحديد على تقليص المعارضة الداخلية من قبل المواطنين من خلال إصدار العديد من القرارات الاقتصادية والاجتماعية التي تستهدف بشكل مباشر- الشباب والمواطنين من المهمشين. ومن ثم يبدو أن القرارات التي اتخذتها المملكة، والتي يمثل الشباب تحت سن 35 عام ثلثي سكانها، قد نجحت في كبت جماح المعارضة السياسية، إلا في حالة قيام الآلاف من الشباب السعودي بمغادرة البلاد والانضمام لتنظيم «داعش».
وبالرغم من عدم معرفتنا بالطريقة التي قام بها تنظيم «الدولة الإسلامية» باجتذاب مجموعة كبيرة ومتنوعة من الشباب والمجتمعات المسلمة المحبطة، سيكون من المعقول أن نفترض أن الحكومات التي تعاني من الاضطرابات من شأنها أن تسارع في وضع المزيد من الجهد لتعزيز الولاء الوطني لتلك المجتمعات، خاصة الشباب الأكثر عرضة للتطرف. وفى الوقت الذي قام فيه تنظيم «داعش» بابتكار أساليب جديدة للتجنيد استهدف بها الشباب والمهمشين، يمكن للمملكة العربية السعودية أن تهزم التنظيم بطريقته وذلك من خلال ابتكار استراتيجية متطورة لمكافحة الإرهاب قام التنظيم سابقاً بتوظيفها، ألا وهي التأثير على فكرة الهوية الذاتية.
إن خطة الاستثمار الأخيرة الخاصة بشركتي "سيكس فلاكز" و"أوبر" التي وضعها نائب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والتي أطلق عليها "رؤية 2030"، تبدو محدودة الأثر، فالمملكة ما زالت في حاجة إلى تعزيز الاقتصاد من خلال "توجيه اقتصاد المملكة بعيداً عن الاعتماد المفرط على احتياطيات النفط ". ومن الناحية النظرية، إن بناء مثل هذا النوع من المبادرات الاقتصادية التي تناشد الشباب المهمش والمغترب، قد يثبت مدى وعي الأمير محمد بن سلمان والنظام السعودي بتلك الفئة من الشباب. ومن ثم يبدو أن الاهتمام بالشباب أصبح من الأولويات غير المعلنة في السياسة السعودية والتي تهدف إلى الإبقاء على ثقة مجتمعات الشباب من خلال إظهار أن النظام يشارك هؤلاء الشباب قيمهم، والأهم، هويتهم.
ومن خلال وجهة النظر هذه، يبدو أن الخيارات الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية للأمير محمد بن سلمان، تتناسب مع تلك الأجندة غير المعلنة للنظام السعودي، فالخطاب الذي يتبناه الأمير بأن "نقص الإصلاح الاقتصادي هو من المحرمات" يمكنه أن يجذب الكثير من الشباب العاملين في الدولة، وذلك تواكباً مع فتح أسواق جديدة وخيارات جديدة للعمل في كلا القطاعين العام والخاص. بالإضافة إلى ذلك، فلغة "الدفاع الحماسية" ضد تعديات وانتهاكات "الإمبراطورية الفارسية" تمثل تجسيداً للهوية السنية-السعودية مقابل الهوية الفارسية-الشيعية-الإيرانية، والتي على وجه الخصوص، يمكن أن تعمل على تفكيك جاذبية الفكر الجهادي المناهض للمؤسسية. وفى واقع الأمر، يقوم الإعلام السعودي بالخلط بين إيران وتنظيم «الدولة الإسلامية» حيث يرى أن تنظيم «داعش» ما هو إلا أداة للنظام الإيراني. بينما يرى البعض أن "وقوف المملكة العربية السعودية بقوة للدفاع عن السنة ضد إيران يمثل الدواء المضاد للفكر الجهادي المسمم".
ومع ذلك، فتلك الأساليب التي ذكرت سالفاً لا تلق إجماعاً من جانب المجتمعات المتعددة والمتباينة في المملكة العربية السعودية، حيث أن هناك بعض المخاوف الاقتصادية والاجتماعية الملحة من جانب النخبة، ورجال الأعمال، والناشطين، واليساريين، وبعض المواطنين. فعلى سبيل المثال، أثار توقيع عقد شركة "أوبر" غضب العديد من النساء السعوديات الذين ينظرون إلى تلك الصفقة على أنها وسيلة لاستمرار الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة في المملكة. كما أن إنشاء مدينة ترفيهية أمريكية أثار استياء المحافظين الذين ارتؤوا فيه تدهور للقيم التقليدية "الإسلامية". وبالتالي، فموجة التفجيرات التي حدثت في المدينة المنورة وفي السفارة الأمريكية في جدة، تدل على فقدان المملكة القدرة على توفير الأمن الكامل الذي أعلنت عنه ووعدت به. لكن يبقى السؤال، هل حقاً تشير الاستراتيجية الإرهابية الجديدة لتنظيم «الدولة الإسلامية» إلى أن المملكة العربية السعودية نجحت بالفعل في الحد من برامج التجنيد الإرهابية التي يتبناها التنظيم؟ وهل نجحت بالفعل سياسة الهوية التي اتبعها الأمير محمد بن سلمان في تنفير الشباب بعيداً عن التطرف؟ في حقيقة الأمر، يصعب الإجابة على تلك الأسئلة حالياً.
ومع ذلك، يبدو أن كلاً من تنظيم «داعش» والمملكة العربية السعودية قد دخل في معركة على الشباب في المنطقة. لكن، هل ستنجح محاولات محمد بن سلمان في كبح جماح التطرف والتجنيد من خلال توحيد رعاياه تحت هوية مشتركة وفى إبرام إصلاح اقتصادي واستخدام لغة حرب تتسم بالبلاغة، أم أن خطاب تنظيم «الدولة الإسلامية» المعادي لأنظمة الدول القومية الحالية والذي يدعو للعنف سينجح في كسب قلوب وعقول المهمشين في جميع أنحاء العالم؟ فقط الوقت سيخبرنا إذا كانت تلك "السياسة الشبابية" المتعلقة بالقيم المتأصلة للشباب، ستلعب دوراً مهماً في المستقبل القريب والبعيد.
وفي نهاية المطاف، فبينما تحاول المملكة العربية السعودية تشكيل وتعزيز هوية مشتركة ومتماسكة لهؤلاء الشباب الأكثر عرضة للتطرف، فإنها تقوم في الوقت نفسه بإقصاء بعض المجتمعات الأخرى المختلفة من تلك الهوية. ومن الواضح، أن تنظيم «داعش» كان وسيظل مشكلة رئيسية أخرى للعائلة المالكة، حيث أظهرت تلك التفجيرات حاجة المملكة العربية السعودية الآن أكثر من أي وقت مضى، إلى اتباع أفضل السبل لإعادة شبابها مرة أخرى إلى حظيرة المجتمع.
عمر الحشاني هو مساعد أبحاث في "منتدى فكرة". ويركز على برنامج الخليج ومكافحة الإرهاب، ويعمل أيضاً كمحرر في "مجلة الدراسات العربية" ومساعد لقاعدة بيانات "مشروع إنتاج المعرفة". وقد تم نشر هذه المقالة في الأصل من على موقع "منتدى فكرة".
"منتدى فكرة"