- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تأثير النزاع داخل مجلس التعاون الخليجي على ردود الفعل إزاء قرار الضم الإسرائيلي
مع احتمال قيام إسرائيل بالمضي قدما في تنفيذ قرار الضم الذي بدأ يلوح في الأفق، تزداد أهمية التساؤل عن إمكانية تأثير ذلك على بوادر التطبيع الأخيرة مع دول الخليج. لكن الوضع مبهمٌ حاليًا، في حين أن نطاق أي عملية ضم، وحدّة الاعتراض عليها في العالم العربي، سيرسمان على الأرجح المعالم الرئيسية لآثاره على العلاقات الإسرائيلية الخليجية، علمًا أن ردود فعل الدول الخليجية ستُصاغ وفقًا لطرق تبلور صراعاتها الداخلية على مر السنوات الماضية.
من هذا المنطلق، فإن الجواب المعقول على هذا التساؤل يستوجب معرفة تأثير الخلاف بين قطر وشريكاتها الثلاثة في مجلس التعاون الخليجي – أي السعودية والإمارات والبحرين – على علاقات الخليج الخارجية، بما فيها العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل. للمفارقة، فإن قرار قطر بعدم الاقتداء بالدول الخليجية الأخرى التي تتخذ خطوات ظاهرة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، يقلّل احتمالات توقّفها عن أي تنسيق بينها وبين إسرائيل في حال المضي قدمًا بالضم. في المقابل، من المحتمل أن يتم تعديل الخطوات العلنية التي تتخذها الدول الخليجية الأخرى باتجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل – والتي تطورت خلال الخلاف الحاصل داخل مجلس التعاون الخليجي – ردًّا على قرار الضم.
مسار تطور الخلاف داخل مجلس التعاون الخليجي
يوافق شهر حزيران/يونيو مرور 2020 ثلاث سنوات على المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية لقطر من قبل "الرباعي العربي" المؤلف من السعودية والإمارات والبحرين ومصر. تُعتبر هذه المقاطعة التعبير الأحدث والأشدّ عن الشكوك – إن لم يكن العداوات – الموجودة منذ زمنٍ بعيد بين الطرفين نتيجة مزيجٍ مستمر من المصالح المتضاربة والخصومات الشخصية والخلافات على المناطق.
والجدير بالذكر هو أن بذور هذا التدهور الملحوظ خلال السنوات القليلة الماضية زُرعت منذ عقود مع تولّي حمد بن خليفة الحكم قسريًا من والده عام 1995. وما هو إلا عامٌ حتى أنشئت شبكة "الجزيرة" الإعلامية التي جاهرت بسياسة قطر المستقلة عن سائر الدول الخليجية الكبرى. ولطالما شعرت قطر بالحاجة إلى التوفيق بين خوفها من المواجهة مع إيران ورغبتها في لجم الهيمنة السعودية على مجلس التعاون الخليجي.
من وجهة نظر السعودية والإمارات والبحرين، تتماشى ادعاءاتها ضد قطر – المتمحورة حول شبكة "الجزيرة" القطرية وعلاقات قطر الخارجية الودية مع تركيا وإيران – تماشيًا تامًا مع تحقيق هدف "توحيد السياسات" المنصوص عليه في الميثاق التأسيسي لمجلس التعاون الخليجي والذي يعود إلى عام 1981. أما من وجهة النظر القطرية، فهذه الأعمال لا تعدو كونها إملاءً من دول أخرى تسعى إلى إخضاع سياسة قطر الخارجية لسياساتها الخاصة.
وما يحدث على وجه الخصوص هو أن الشائعات تسري بين الفترة والأخرى عن محاولاتٍ سعودية لتنفيذ انقلاب في قطر، بينما تدعم السعودية علنًا جبهة المعارضة ضد أمير قطر الحالي الشيخ تميم بن حمد. حتى أن وزير الخارجية القطري اتهم "دول الحصار" خلال شهر حزيران/يونيو هذا بمحاولة التخطيط لانقلاب على أمير قطر بسبب حملة معلومات مغلوطة تم نشرها على موقع تويتر في أيار/مايو 2020 وزعمت حصول محاولة انقلاب على رأس السلطة من داخل العائلة الملكية القطرية.
وما زاد حملة المقاطعة تعقيدًا هو الدور الأمريكي المتأرجح. فقد نشبت الأزمة مباشرةً بعد زيارة الرئيس ترامب إلى السعودية عام 2017، حيث بلغ به الحد أن اتّهم قطر بالإرهاب والتطرف بخلاف الرسائل الأمريكية الرسمية التي تتسم باعتدال أكبر. ولكن بالرغم من علاقة التحالف القائمة بين السعودية والإمارات والولايات المتحدة، تمتد العلاقات بين قطر والولايات المتحدة على عقود طويلة، وتربط بين الدولتين اتفاقية تعاون دفاعي تعود إلى عام 1992 وتنص على نشر نحو عشرة آلاف جندي ومتعاقد أمريكي في الإمارة القطرية، كما أطلقت الدولتان "حوارًا استراتيجيًا" عام 2018 فيما كان الخلاف دائرًا داخل مجلس التعاون الخليجي. وسعيًا إلى المحافظة على علاقتها القريبة بالولايات المتحدة، تعمل قطر اليوم على تمويل تحديثات لقاعدة "العديد" العسكرية الأمريكية الضخمة على أراضيها، وأيضًا على تسريع مشترياتها من الأسلحة الأمريكية.
في الواقع، تسببت هذه الأزمة بالضرر للتعاون القائم بين دول مجلس التعاون الخليجي وكذلك للجهود الأمريكية الرامية إلى إقامة تعاون أمني متينٍ في إطار حملة الضغط على إيران. وقد امتدّت التداعيات إلى ما بعد الخليج، حيث أن السجال بين الطرفين يؤثر على عدد من المواجهات ويؤججها إلى حدٍ أكبر – بعضها تحوّل إلى مواجهة عسكرية بسبب انخراط تلك الأطراف، وتجلّى ذلك للمرة الأولى وبالشكل الأكبر في ليبيا. وفيما يسعى الطرفان إلى كسب الولايات المتحدة كحليف، تبيّن أن واشنطن نفسها هي مجالٌ آخر يتم فيها التنازع على النفوذ: فقد عمد كل طرف إلى تمويل جماعات الضغط وفرق البحث في محاولة للتأثير على المشرّعين والرأي العام لصالحهم. وبما أن إسرائيل تُعتبر حليفًا مهمًا للولايات المتحدة ومعارضًا شديدًا لتعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة، تطورت علاقاتها بدول الخليج بسبب الخلاف داخل مجلس التعاون الخليجي.
الموقف الإسرائيلي
رغم أن إسرائيل ليست منخرطة مباشرةً في الخلاف داخل مجلس التعاون الخليجي، فهي تتمتع بروابط لا يُستهان بها مع كل واحد من الأطراف الرئيسية المعنية. من هنا، تكمن مصالح إسرائيل الخاصة في الحفاظ على علاقات متينة بكل الأطراف المعنية، وفي البقاء على مسافة سليمة من الخلاف نفسه.
خلال السنوات الماضية، توسّعت العلاقات الإماراتية والسعودية مع إسرائيل بكل المقاييس لتشمل مجالات جديدة من التعاون، سيما وأن كل الأطراف تتشابه في نظرتها إلى بيئتها الاستراتيجية. في المقابل، اتّصفت السياسة الإسرائيلية تجاه قطر بانقسامٍ ملحوظ. فمن جهة، وجّه بعض كبار المسؤولين الإسرائيليين كلامًا قاسيًا بشأن قطر خلال السنوات القليلة الماضية، وقيل إنهم كانوا يفكرون في كيفية استغلال المقاطعة ضدها لتعميق عزلتها – وذلك على الأرجح في محاولة لكسب النقاط مع السعودية والإمارات. كما أن التوتر بين إسرائيل وقطر وأيضًا تركيا لعب دورًا في توسيع التعاون بين القدس والرياض وأبو ظبي والقاهرة في ضوء الخلاف الجاري.
من جهة أخرى، عمّقت إسرائيل وقطر تعاونهما الثنائي في غزة منذ الانفجار العسكري الأخير عام 2014، بدافع هدف مشترك وهو نقل المزيد من المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين هناك. ومصلحة إسرائيل واضحة في استمرار المساعدات القطرية – التي فاقت قيمتها المليار دولار منذ العام 2012 – بما أنها تعتبر أن تحسين الوضع الإنساني في غزة يساهم في تجنب المواجهة مع "حماس". والواقع أن رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية ("الموساد") يوسي كوهين قام بزيارة إلى الدوحة في شباط/فبراير 2020 لضمان تأمين المساعدات المالية لغزة خلال الأيام الأولى من تفشي الوباء العالمي الناتج عن فيروس كورونا. وحتى الآن، لا تزال إسرائيل تعتبر قطر لاعبًا سلبيًا بالرغم من حاجتها إلى التعاون معها بعض الشيء استنادًا إلى مصلحتهما المشتركة الوحيدة. ويعتقد البعض في إسرائيل أن القدس يمكنها الاستفادة من اهتمام قطر بالوصول إلى غزة من أجل مطالبة الدوحة بالضغط على حماس في الأمور التي تعنى بها إسرائيل.
إذًا ثمة توتر جوهري بين مصلحة إسرائيل في الاعتماد على الأموال القطرية لتحسين الظروف الإنسانية في غزة، وحاجتها إلى الحفاظ على علاقات جيدة بدول مصر والسعودية والإمارات التي لا يروقها النفوذ القطري المتنامي في غزة.
والواقع أنه من مصلحة إسرائيل اليوم أن تنتهي الاضطرابات داخل مجلس التعاون الخليجي. فالتبعات الإقليمية تصب في خدمة إسرائيل، إذ أن المصالحة قد تحدّ من المساعدات الاقتصادية التي تقدمها الدوحة لأنقرة، وتقلل من مكانة تركيا الإقليمية، وتدفع قطر إلى تبنّي موقف ألطف بشكل عام تجاه إسرائيل وذلك تماشيا مع سياسات الرياض وأبو ظبي. كما أن تشكيل جبهة إن جبهة سنية موحدة ضد إيران هو أيضا يصب في مصلحة إسرائيل.
لكن للوقت الراهن، من المرجّح أن تكون الردود القطرية والردود الخليجية الأخرى متباعدة، نظرًا للاختلاف في علاقاتها مع إسرائيل. أما إسرائيل التي تقوم علاقتها بقطر بالدرجة الكبرى على المساعدات الإنسانية القطرية لغزة، فربما تجد الموقف أوضح. ومن وجهة نظر قطر، يعزز نقل المساعدات الاقتصادية إلى غزة من مكانتها الإقليمية ويساهم في تعزيز روابطها بالإدارة الأمريكية – وبالتالي يمنح قطر أوراقًا للمساومة في الخلاف الداخلي لمجلس التعاون الخليجي. كما أن مساعدة قطر لسكان غزة توفر لها نفوذًا مفيدًا تجاه إسرائيل، وهي ورقة ضغط قد تستخدمها للتأثير على خطط الضم الإسرائيلية.
بذلك، وحتى إذ تم المضي قدمًا بالضم، ستبقى على الأرجح العلاقات الضمنية بإسرائيل قائمة بعد التعرّض لضربة وجيزة ومحدودة. وفي المواقف التي تتجلى فيها العلاقات العامة بين قطر وإسرائيل، تستطيع قطر التلطّي خلف مساعداتها للفلسطينيين – التي تستدعي تعاونًا من الجانب الإسرائيلي – لا بل يمكن للدوحة أن تجادل أن لهذه المساعدات أهمية خاصة في الوقت الراهن – أي في خضم تفشي الوباء العالمي وربما أيضًا بسبب الضم نفسه.
في المقابل، يمكن التوقع أن يؤدي الضم إلى تراجع نواحٍ معينة مختلفة من التطبيع بين الدول الخليجية الثلاثة الأخرى وإسرائيل، لا سيما تلك العلنية منها. فقد صرّح ممثلون عن الدولتين السعودية والإماراتية بأمور مماثلة في الصحف العبرية، بصرف النظر عن أن القضية الفلسطينية لا تندرج ضمن أولى أولويات هذه الدول، وبالرغم من ريبتهم وأحيانًا حتى عداوتهم حيال السلطة الفلسطينية وحركة "حماس" ككل.
والأرجح أن التعاون الأمني الهادئ لن يتزعزع بشكل كبير أو دائم. لكن بما أن إسرائيل لطالما أعطت أهمية كبيرة للطبيعة العلنية للعلاقات مع الدول العربية – خصوصًا تلك التي لا تربطها بإسرائيل روابط رسمية بالرغم من المصالح المشتركة بينهما – فإضعاف العلاقات العلنية التي انبثقت عن مساعٍ حثيثة في السنوات الأخيرة الماضية سيلعب دورًا استراتيجيًا سلبيًا بالنسبة لإسرائيل.