- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تأييد نسبي من العراقيين لمصطفى الكاظمي لكن الكفة قد تميل في أي من الاتجاهين
في حين كثرت الأحاديث والمقالات حول ما إذا كانت نظرة إيران والولايات المتحدة إيجابية أو سلبية حيال رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي، إلا أن الرأي الأهم يبقى للعراقيين. فرأي شيعة العراق برئيس وزرائهم الجديد يكتسي أهمية خاصة، بما أنهم يشكّلون المجموعة الأكبر نسبياً في العراق ويتحكمون عمومًا بمسار البلاد.
وفي وقت نجح فيه الكاظمي في الاختبار الصعب الأول وحصل وزراء حكومته على ثقة الكتل النيابية العراقية في 6 حزيران/يونيو، إلا أن التحديات الكثيرة التي تواجهها البلاد تتطلب إقامة توازن – مليء بدوره بالتحديات - بين العمل الفعلي والموارد المحدودة.
وتتمثل الخطوة الرئيسية المقبلة في استمالة قلوب وعقول الشعب العراقي. وبشكل خاص، على الكاظمي مقاربة أولئك الذين كانوا يتظاهرون في المناطق الشيعية منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019 والذين مارسوا الضغوط على سلفه عادل عبد المهدي للاستقالة. وفي حين تسبب وباء "كوفيد-19" بتباطؤ زخم هذه الاحتجاجات غير المسبوقة، لم تفرغ مواقع التظاهر من المحتجين الذين لم يستكن استياؤهم بعد.
ورغم أن المعركة على الفوز بقلوب وعقول الشباب الشيعة مهمة لمستقبل الكاظمي كرئيس للوزراء، إلا أن استمالة هذه الفئة ستكون صعبة للغاية على الأرجح نظرًا إلى الأزمة الاقتصادية الهائلة التي تعصف بالبلاد. فالوضع الاقتصادي السيئ في العراق – الذي أشعل فتيل الاحتجاجات في بادئ الأمر – يزداد سوءًا بسبب عاملين رئيسيين: الإغلاق المستمر نتيجة تفشي وباء "كوفيد-19" العالمي والضربة القاضية التي تلقتها الإيرادات والوظائف بسبب الانحدار الحاد في أسعار النفط. وفي حين تشكّل الإيرادات النفطية بين 90 و95 في المائة من الدخل الوطني العراقي، يُعتبر انهيار أسعار النفط – الناتج عن التباطؤ الاقتصادي العالمي والمنافسة بين السعودية وروسيا على أسعار النفط – كارثة بالنسبة لاقتصاد العراق.
لقد تركت الأزمة حكومة الكاظمي أمام خيارات محدودة للغاية لاسترضاء المحتجين الشيعة الشباب الذين يطالبون بالحصول على وظائف وتحسين الخدمات العامة واجتثاث الفساد. فرئيس الوزراء متورط في أزمة لا مفرّ منها حيث أنه إذا أراد إعادة الاقتصاد العراقي إلى مسار النمو، سيتوجب عليه تطبيق بعض السياسات التي لن تلقى استحسانًا شعبيًا، على غرار تقليص عدد الوظائف والرواتب لتخطي مشكلة القطاع العام غير المنتج والذي يشهد فائضًا.
لكن الأرقام الأحدث الصادرة عن استطلاع أجرته مجموعة "المستقلة للبحوث والدراسات" في العراق عبر الهاتف وشمل كافة أنحاء البلاد تشير إلى أن الكاظمي في موقع جيد يخوّله مواجهة العاصفة الاقتصادية والسياسية إن تمكن من إثبات نفسه أمام الشعب العراقي. وقد أظهر الاستطلاع – الذي جرى خلال أسبوع واحد (بين 6 و11 حزيران/يونيو) وشمل 1036 مستطلعًا – أن العراقيين مستعدون على ما يبدو لتأييده.
فمن جهة، أظهر الاستطلاع أنه رغم أن 49 في المائة من العراقيين راضون عن اختيار الكاظمي كرئيس للوزراء، إلا أن نسبة 40 في المائة فقط من الشيعة وافقت عليه. لكن عدم رضا الشيعة عن اختيار الكاظمي يرتبط أكثر بالعملية الكامنة خلف هذا الاختيار، وهي عادةً نتيجة لصفقات عقدت خلف الأبواب الموصدة بين الكتل السياسية من أجل الاتفاق على مرشح توافقي. وبشكل خاص، طفح كيل الشيعة من القادة السياسيين الشيعة الذين يعملون لمصالحهم الخاصة وليس لمصلحة الشعب، وهو أمر عكسته ربما نتائج هذا الاستطلاع.
وما يساهم في هذا التفسير هو آراء العراقيين حيال الرجل بذاته. فقد أظهرت نتائج الاستطلاع أن 64 في المائة من العراقيين يؤيدون الكاظمي. وتُعتبر هذه النسبة أعلى بكثير من تلك التي حصل عليها سلفه عادل عبد المهدي الذي لم يحصد سوى 36 في المائة من الأصوات المؤيدة بعد نفس الفترة (شهر واحد) على تعيينه في 2018. والأهم بالنسبة للكاظمي هو أن 60 في المائة من الشيعة لديهم نظرة إيجابية حياله.
فضلًا عن ذلك، ذكر نحو 60 في المائة من كافة العراقيين المستطلعين أنهم يوافقون على أداء الكاظمي كرئيس للوزراء. ومرة أخرى، تتخطى هذه الأغلبية نسبة التأييد التي حصل عبد المهدي عندما كان رئيسًا للوزراء عن الفترة نفسها من العام 2018 (46 في المائة). والأهم أن 60 في المائة من الشيعة يؤيدون أداء الكاظمي. وتعتبر قاعدة التأييد هذه أساسية لصموده السياسي.
يُذكر أنه في الأول من أيلول/سبتمبر 1922، شبّه وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل، في رسالة وجهها إلى رئيس حكومته، حكم العراق بالجلوس فوق فوهة بركان. وقد انطبق هذا التشبيه على كل رؤساء الوزراء المتعاقبين في العراق(تقريباً)، والأمر سيان بالنسبة للكاظمي الذي يواجه قاعدة انتخابية حانقة تساهم مطالبها بالإصلاح في إعادة خلط أوراق السياسة العراقية بشكل متزايد. وإن لم يتمّ احتواء الغضب السائد في العراق بشكل مناسب، لن يخلّف هذا الأمر تداعيات سلبية على النظام السياسي في البلاد فحسب، بل على أمن المنطقة ككل. فعراق ينزلق إلى دوامة من الفوضى السياسية يشكّل تهديدًا للدول المجاورة، كما تثبت الأحداث السابقة.
ونظرًا إلى هذه التحديات، تشير بيانات الاستطلاع إلى دعم سياسي شعبي واسع النطاق في الوقت الراهن ولكن لا يخلو بالضرورة من التحديات في المستقبل. ولا بدّ أيضًا من تسليط الضوء على ثلاثة عوامل أساسية لفهم أوضح لمواقف العراقيين هذه تجاه الكاظمي. أولًا، لقد حلّ الكاظمي محل سلف غير محبوب على الإطلاق بعدما أطاحت به الاحتجاجات. وبما أن عبد المهدي كان أحد رؤساء الوزراء المكروهين إلى حدّ كبير في عراق ما بعد 2003، فمن المتوقع أن تصبّ المقارنة بينهما في صالح الكاظمي. ولا بدّ أيضًا من الاعتراف أن الكاظمي يستمتع بشهر عسل سياسي، وهي فترة يستمتع بها معظم القادة خلال الفترة الأولى من ولايتهم حيث لا يزال الناس في مرحلة الأمل في القادم الجديد.
علاوةً على ذلك، يدل تحليل أكثر عمقًا لهذه الاستطلاعات على أن آراء العديد من العراقيين مترددة في دعمهم للكاظمي. فقد جاءت إجابات العديد من المستطلعين حيال مدى تأييدهم أو عدم تأييدهم للكاظمي على مقربة من منتصف نطاق الإجابة، ما يشير إلى أن العديد من العراقيين يتخذون موقفًا مؤيدًا بشكل محدود حيال الكاظمي أو لا يؤيدونه البتة. وبالتالي، لا يلقى الكاظمي دعمًا كبيرًا ولا معارضة قوية في الوقت نفسه، الأمر الذي يدل على أن كفة شعبيته قد تميل إلى أي من الاتجاهين رهنًا بمسار الأحداث. وبالنسبة للكاظمي، من المرجح إلى حدّ كبير أن تكون قدرته في الوفاء بوعوده عامل نجاح أو فشل تام لمسيرته السياسية. أما في الوقت الراهن، فهو لا يتمتع بقاعدة اجتماعية متينة من الدعم الثابت.
وعلى الأرجح، سيستند الشعب العراقي ولا سيما الشيعة منهم إلى طريقة تعامله مع أربع مسائل من أجل الحكم على الكاظمي. أولًا، ستتم مراقبة قدرته على إحداث تحسينات ملموسة في معركته ضد الفساد عن كثب. وسيكون إرسال بعض أبرز رجال السياسة الفاسدين إلى المحاكمة دليلًا على ذلك. ثانيًا، يُعتبر الكشف علنًا عن هوية بعض المتهمين بقتل محتجين شباب ومسالمين مطلبًا رئيسيًا للشيعة. ثالثًا، من المتوقع أن يفرض على مؤسسات الدولة الرسمية بسط سيطرتها على تسيير شؤون دولة العراق الفعلية. ففي الوقت الراهن، فإن الجهات الفاعلة (غير الرسمية) قوية وهي تتحكم بمفاصل العديد من المؤسسات المهمة. وتعدّ هذه الجهات بمثابة أذرع "الدولة العميقة" داخل الدولة العراقية. وتعتبر الميليشيات وشبكات الفساد والماكينات السياسية من أبرز هذه الجهات الفاعلة غير الرسمية التي يشعر العديد من العراقيين بالنقمة تجاهها. أخيرًا، سيحكم عليه الشعب بحسب التقدّم الفعلي الذي يحرزه تجاه إجراء انتخابات مبكرة وعادلة كما وعد في أجندة حكومته.
وكان الشهر الفائت بمثابة اختبار للكاظمي بطرق عدة. فقد قوّض حدثان بشكل خاص قدرة الكاظمي على تحقيق تقدّم على صعيد السيطرة على الميليشيات الشيعية. وفي 26 حزيران/يونيو، أمر الكاظمي "جهاز مكافحة الإرهاب" العراقي بتوقيف مسلحين من "كتائب حزب الله" كانوا يخططون وفق معلومات استخباراتية لضرب القوات الأمريكية. وقد أثنى على هذه الخطوة العديد من العراقيين الذين كانوا قلقين بشأن قدرة هذه الميليشيات على التصرف كدولة داخل الدولة. لكن بعد ثلاثة أيام فقط، جرى إطلاق سراح 13 مسلحًا في حين بقي واحد فقط قيد الاعتقال. ويعود سبب إطلاق سراح المسلحين إلى أن "كتائب حزب الله" وميليشيات أخرى توجهت إلى المنطقة الخضراء في بغداد وهدّدت بتنفيذ أعمال عنف ضد "الجهاز" ما لم يتمّ إطلاق سراح المعتقلين. وكان ذلك بمثابة تذكير صارخ للكاظمي بمحدودية سلطة الدولة العراقية الرسمية مقارنةً بتلك التي تتمتع بها الميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران.
أما التحدي المهم التالي الذي وجد الكاظمي نفسه أمامه، فكان في 6 تموز/يوليو باغتيال هشام الهاشمي، وهو أحد أبرز مستشاري الأمن المدنيين وأكثرهم وقارًا في الحكومة العراقية. فقد كان الهاشمي الذي يعتبر خبيرًا بارزًا في شؤون الجهاديين والميليشيات العراقية، قد أغضب الميليشيات الشيعية التي تميل إلى إيران بسبب أعماله البحثية وتعليقاته إزاء هذه الجماعات. وكان مقتله على الأرجح بمثابة رسالة إلى الكاظمي بضرورة التراجع عن مساعيه للحدّ من سلطة الميليشيات الشيعية. والآن، يخضع الكاظمي لضغوط هائلة لجلب قتلة الهاشمي أمام القضاء غير أن محاولته القيام بذلك قد تؤدي إلى مواجهة محفوفة بالمخاطر.
يُذكر أخيرًا أن الكاظمي يواجه سلسلة كبيرة من التحديات في العراق. والآمال المعلقة عليه لإحداث تغيير إيجابي في العراق كبيرة، لكن قدرته على القيام بذلك تبدو محدودة. فعجزه عن الوفاء بالوعود التي قطعها بكبح جماح الميليشيات ورفع مستويات المعيشة والحدّ من الفساد وإجراء انتخابات وطنية عادلة وحرة، قد يجعله رئيس وزراء عراقيًا آخر يدمره "البركان" العراقي الذي لم يهدأ ابداً.