- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تداعيات انسحاب التيار الصدري على الإطار التنسيقي الشيعي وإيران
يؤشر الصراع بين الصدريين والإطار التنسيقي الشيعي إلى احتمال قيام نظام سياسي جديد في العراق وتحول في النفوذ الإيراني في البلاد.
في منتصف شهر يونيو / حزيران، انسحب نواب التيار الصدري من العملية السياسية العراقية، وذلك على الرغم من فوزهم بأغلبية عدد مقاعد مجلس النواب العراقي في الانتخابات المبكرة التي جرت في 10 أكتوبر / تشرين الأول 2021. وخلال الفترة الانتقالية التي تمر بها البلاد، فشلت مساعي زعيم التيار مقتدى الصدر في تشكيل الكتلة الأكبر، والمضي قدما لتشكيل الحكومة. والآن، فإن قرار التيار بالانسحاب من العملية السياسة برمتها، يمكن أن يساعد في تسليط الضوءعلى طبيعة الأزمة السياسية التي يمر بها العراق.
وعلاوة على مشكلة تشكيل الحكومة، يواجه العراق مشكلات أخرى؛ تتعلق بالوضع الأمني الذي يزداد سوءاً. ومع الأخذ في الاعتبار النفود السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذى يتمتع به التيار الصدري، قد يحاول اصدر استخدام إمكانيات الحسم لديه في أية لحظة،وذلك في حال ما إذا حاولت قوى الإطار التنسيقي الشيعي - وهي الآن تعتبر الكتلة الأكبر في البرلمان بعد أن سيطرت على العديد من مقاعد الصدريين، استفزازه أو احتواء نفوذه. وفي ذات السياق، يحاول الصدر عبر الخطوة الأخيرة، أن يرسل رسالة لقوى الإطار التنسيقي الشيعي - بقيادة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي- مفادها أنه أصبح اليوم محور السياسة الشيعية في العراق، وإن على قوى الإطار التنسيقي الشيعي الإقرار بالواقع الجديد.
في هذه المرحلة ، تبدو مآلات المشهد السياسي في العراق غامضة ومعقدة، فالخطوة الصدرية الأخيرة توحي بما لا يقبل الشك، أن العراق مقبل على توازنات جديدة ستقوم عليها العملية السياسية، محورها الصراع بين القوة الشيعية الصاعدة (الصدر) والقوى الشيعية التقليدية (الإطار التنسيقي)، وقد تكون الانتخابات المبكرة الأخيرة التي عقدت في 10 أكتوبر / تشرين الأول 2021، هي آخر انتخابات تجري في ظل النظام السياسي الحالي، خصوصاً وأن هذا النظام لم يعد قادراً على إنتاج حلول سياسية تعيد ترميمه من الداخل، كما إن القوى السياسية التي شكلته لم تعد قادرة على الانسجام معه، وهو ما يعطي انطباعا لدرجة عالية من عدم اليقين التي تنتظر النظام السياسي الحالي في المرحلة المقبلة.
خيارات الإطار التنسيقي الشيعي
يبدو أن خطوة الصدر الإنسحاب من العملية السياسية العراقية، كان الهدف منها هو وضع قوى الإطار التنسيقي الشيعي في موقف سياسي محرج، وجعلهم في مواجهة حاسمة مع الشارع، ورغم خطوة الصدر الغامضة، إلا إن قوى الإطار تبدو حذرة في التعامل معها، وفي الآونة الأخيرة بدأ هناك خيارات يؤطران تحركات قوى الإطار، التي دخلت في تفاهمات وحوارت مع الكتلة الكردية والسنية والمستقلين لتشكيل حكومة توافق وطني تنهي حالة الانسداد السياسي الحالي.
الخيار الأول يمثله المالكي، والذي يرى ضرورة تشكيل حكومة إطارية قوية تستفيد من الوفرة المالية الكبيرة التي وفرها الصعود الكبير لأسعار النفط، عبر وضع برامج حكومية تخدم المواطن العراقي وتكسب دعمه، وتسحب ورقة الشارع التي يهدد بها الصدر. أما الخيار الثاني فتمثله قيادات أخرى في الإطار التنسيقي الشيعي، أبرزهم هادي العامري وعمار الحكيم وحيدر العبادي وقيس الخزعلي، والذي يرى ضرورة الشروع بمرحلة إنتقالية تقوم على أساس التمديد لحكومة مصطفى الكاظمي، تتمكن من خلالها قوى الإطار من تعديل قانون الإنتخابات ومفوضية الإنتخابات بشكل يخدم قوى الإطار، ومن ثم ،حل البرلمان وتحديد موعد جديد للإنتخابات المبكرة، وبهذا الشكل تستطيع قوى الإطار نزع عنصر المفاجأة من يد الصدر، وجعله في موقف سياسي لا يستطيع من خلاله تهديد خيارات قوى الإطار في العملية السياسية. وعلى الرغم من المحاذير السياسية التي تقف وراء كل خيار، فإن الصدر وحده من سيحدد أي توجه قد يلجأ إليه الإطار التنسيقي الشيعي، حسب طبيعة التعاطي والتعامل الصدري مع المرحلة المقبلة.
تواجه قوى الإطار التنسيقي الشيعي تعقيدات كثيرة، لا تتعلق فقط بتداعيات وتحركات الصدر في المرحلة المقبلة، وإنما بكيفية إقناع الكتلة السنية والكردية بالانقلاب على التفاهمات السابقة مع التيار الصدري والتحرك للتنسيق مع الإطار. وعلى وجه الخصوص، يواجه إقليم كردستان مشكلة كبيرة مع قوى الإطار التنسيقي الشيعي، سواءً على مستوى القضايا المختلف عليها بين بغداد وأربيل، أو إستمرار عمليات قصف أربيل أو حقول الغاز في السليمانية، من قبل فصائل مسلحة تتبع لبعض قوى الإطار. كما يواجه الإطار مشكلة مماثلة مع الكتلة السنية التي تُحمل بعض قوى الإطار التنسيقي الشيعي، مسؤولية المآسي التي لحقت بالمدن السنية المحررة من سيطرة تنظيم "داعش"، وتأخير عجلة الإعمار وعودة النازحين إليها، والأكثر من ذلك تتهم العديد من قيادات قوى الإطار التنسيقي الشيعي، الكتلة السنية والكردية بأنهما يروجان لمشروع التطبيع مع إسرائيل في العراق. رغم أنها خففت من هذه اللهجة في الآونة الاخيرة.
أين تقف إيران من المعادلة الشيعية الحالية
حرصت إيران على ممارسة دبلوماسية هادئة أحياناً ومتشنجة أحياناً أخرى بعد إعلان نتائج الانتخابات المبكرة، وعلى الرغم من خسارة حلفاؤها هذه الانتخابات، فإن إيران رحبت بنتائجها؛ رغم تأثيراتها، حيث إن الموقف الإيراني الحالي في العراق، يؤشر إلى أن إيران لم تعد تمتلك ذلك الهامش السياسي في ترتيب البيت الداخلي العراقي بعد كل انتخابات، كما كان عليه الحال في فترة قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، الذي كان يتمتع بقدر كبير من النفوذ وعمل على توحيد العديد من الميليشيات العراقية الموالية لإيران.
إن المأزق الإيراني الحالي في العراق، نابع في الأساس من عدة أسباب رئيسية، أهمها فشل إسماعيل قآني -قائد فيلق القدس - في ملئ الفراغ الإستراتيجي الذي خلفه سليماني، واندلاع الصراع السياسي بين قادة الفصائل الموالية لإيران من أجل ملئ الفراغ الذي خلفه أبو مهدي المهندس، القائد السابق لقوات الحشد الشعبي، اضف الى ذلك الضغوط الإقليمية والدولية التي تواجهها بعد تعثر محادثات فيينا النووية، فضلاً عن إنشغالها في عملية معالجة الخروقات الإستخبارية والأمنية التي تعاني منها في الآونة الاخيرة، هذه الإشكالات الإستراتيجية انعكست سلباً على الدور الإيراني في العراق، وبالشكل الذي حول إيران من دولة آمرة إلى دولة مضطرة للتعامل مع الأمر الواقع. ورغم محاولة إيران تصحيح الخلل الذي تواجهه في العراق عبر تعيين سفير جديد لها، إلا إنها لا زالت غير قادرة على تغيير قواعد اللعبة بصورة شاملة.
ما يهم إيران هو ضمان مصالحها السياسية في العراق، بغض النظر عن طبيعة الطرف الشيعي الذي سيشكل الحكومة المقبلة، كونها لا تنظر للعراق على أنه حالة نفوذ مستقلة، بل إنه جزء من حلقة نفوذ إقليمي تمتد من أفغانستان حتى البحر الأبيض المتوسط .وفوق كل ذلك، تسعى إيران إلى الحصول على ضمانات من أي حكومة مقبلة، تضمن مستقبل هيئة الحشد الشعبي، وبصورة أدق وضع الفصائل الولائية داخل هيئة الحشد، كونها الضامن الحقيقي لاستمرار النفوذ الإيراني في العراق، وهيكل يمكن جعله في المستقبل شبيهاً بالحرس الثوري الإيراني، وإعطائه الوصاية والشرعية الدستورية في الحفاظ على النظام السياسي العراقي، من أي تحركات لا ترغب بها إيران.
التداعيات على السياسة الأمريكية
يأتي التعقيد السياسي الذي يمر به العراق اليوم، مع الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي جو بايدن للشرق الأوسط في منتصف يوليو / تموز المقبل، وسط جهود أمريكية لوضع مزيد من الضغوط على إيران، من أجل التوصل لاتفاق نووي جديد، إذ لا زالت إيران تصر على عرقلة التوصل لأي اتفاق، لا يلبي طموحاتها السياسية التي سبق وأن أعلن عنها المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، والمتمثلة بعدم القبول الإيراني بالتفاوض على برامج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والنفوذ الإقليمي، التي أصبحت تهديداتها لا تقل تأثيراً عن البرنامج النووي.
في حالة نجاح قوى الإطار التنسيقي الشيعي، في تشكيل حكومة جديدة، فإن هذه الخطوة ستعرقل كثيراً من الجهود الأمريكية في المنطقة، إذ ستصبح الجهود الأمريكية الرامية للحد من السلوكيات الإيرانية في المنطقة، وتحديداً عندما يتعلق الأمر بدول الخليج وإسرائيل معقدة بعض الشيء. وعلى الرغم من إعلان إدارة بايدن عزمها على تشكيل مظلة أمنية جديدة في المنطقة، تجمع دول الخليج وإسرائيل، بالضد من إيران، فإن هذه الرؤية الأمريكية ستكون أمام امتحان صعب للغاية، فيما لو نجح الإطار التنسيقي الشيعي في إيصال رئيس وزراء جديد في العراق متماهياً مع الرؤية الإيرانية، الرافضة للوجود الأمريكي في العراق، أو حتى التقارب مع السياسات الأمريكية في المنطقة، عندها سيتحول العراق لعقدة أمنية ينبغي على الولايات المتحدة أن تتعامل معها وفق التوازنات الجديدة في العراق.
وعلى الرغم من الجهود الإقليمية الأخيرة التي يقوم بها الكاظمي في تقريب وجهات النظر بين إيران والخليج، وتحديداً السعودية، إلا أن استمرار الهجمات الصاروخية أو عبر الطائرات المسيرة على القواعد والمقرات التي تتواجد فيها القوات الأمريكية في العراق، وتحديداً من قبل فصائل مسلحة موالية لإيران، وجزء منها يتبع للإطار التنسيقي الشيعي، يشير بوضوح إلى أن الولايات المتحدة ستكون أمام مأزق كبير، خاصة في ظل تسارع الأحداث الإقليمية والدولية غير المواتية لإيران. ومن ثم، واعتمادًا على الخطوات التي قد يتخذها الإطار التنسيقي الشيعي للمضي قدمًا في تشكيل الحكومة المقبلة، قد تحتاج الولايات المتحدة إلى إعادة قراءة وضعها السياسي في العراق من جديد.