- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تداعيات مقتل الظواهري على حركة طالبان
في أعقاب الغارة التي نفذتها طائرة مسيرة ضد زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، ظهرت الكثير من المتغيرات التي قد تؤدى بشكل متزايد الى تغيير حالة الاستقرار في أفغانستان التي تسيطر عليها حركة طالبان وكذلك مستقبل تنظيم القاعدة.
منذ عدة أسابيع، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في غارة جوّية في أفغانستان، في عملية أشرفت عليها الاستخبارات الأمريكية في العاصمة كابول. وتفصيلًا أشار بعض المسؤولين أن الظواهري كان في شرفة منزل آمن عندما تم استهدافه بصاروخين تم إطلاقهما من خلال طائرة مسيرة. جاءت عملية الاغتيال قبل فترة وجيزة من احتفال حركة طالبان بذكرى مرور عام على سيطرتها على أفغانستان في الخامس عشر من شهر آب/ أغسطس، حيث سلطت الضوء على بعض الانقسامات الظاهرة داخل قيادة الحركة والنهج الذي تتبعه تجاه الجماعات الإرهابية داخل حدودها.
اعتبرت الولايات المتحدة أن وجود زعيم تنظيم القاعدة على الأراضي الأفغانية أمرا يمثل انتهاكا صارخا لاتفاق الدوحة. وكانت حركة طالبان قد تعهدت في اتفاق الدوحة الذي على أثره انسحبت القوات الأمريكية من أفغانستان أنها لن تسمح للقاعدة أو أي جماعة متطرفة أخرى بالعمل في المناطق التي تسيطر عليها وتهديد الولايات الأمريكية ومصالحها. كما تعهد وزير الخارجية الأمريكي بمواصلة الولايات المتحدة دعم الشعب الأفغاني "في مواجهة عدم رغبة طالبان أو عدم قدرتها على التقيد بالتزاماتها، و دعم الشعب الأفغاني بمساعدات إنسانية قوية والدعوة لحماية حقوق الإنسان، وخاصة حقوق النساء والفتيات". بخلافه صرح زعيم الجمهوريين في الكونجرس الأمريكي "ميتش ماكونيل" بأن "أن عودة الظواهري إلى وسط مدينة كابول تشير كذلك إلى أن أفغانستان أصبحت مرة أخرى غابة رئيسية للنشاط الإرهابي بعد قرار الرئيس بسحب القوات الأميركية".
وفى هذا الصدد، صرحت حركة طالبان أنها ليس لديها أي معلومات عن وصول الظواهري وإقامته في كابول، وأعلنت بعد ساعات من الحادث في بيان للمتحدث الإعلامي ذبيح الله مجاهد، إدانتها للهجوم الأمريكي لافتًا إلى أنه يمثل انتهاك لاتفاق الدوحة والمبادئ الدولية، وأن الهجوم يمثل "تكرار للتجارب الفاشلة خلال العشرين سنة الماضية وتتعارض مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وأفغانستان والمنطقة".
يرى المحللون أن استهداف زعيم تنظيم القاعدة في كابول من شأنه أن يؤثر على تماسك حركة طالبان ومكوناتها، حيث وفرت شبكة حقاني- أحد المكونات الرئيسية لحركة طالبان- منذ البداية ملاذ آمن لعناصر تنظيم القاعدة عقب التدخل الأمريكي جراء هجمات ١١ أيلول/سبتمبر. توطدت العلاقة بين حقاني والقاعدة بعد مرض المؤسس جلال الدين حقاني، وتولي نجله "سراج الدين" قيادة الحركة رسميا في عام 2018 بعد وفاه والده. ويعتبر سراج الدين أكثر عنفًا وتشددًا من والده، وهذا ما ظهره بوادره بعد محاولة الحركة اغتيال الرئيس الأفغاني حامد كرازي عام 2008. بلغ نفوذ سراج الدين حقاني على الساحة الأفغانية وداخل حركة طالبان ذروته، إبان إعلان تعيينه في عام 2015 كنائب لزعيم حركة طالبان الملا أختر منصور الذي قتل في غارة أمريكية عام 2016.
ومع الصعود الطالباني والتحول للمناصب السياسية بدأت تظهر العديد من الخلافات داخل الحركة أدت إلى بلورة الصراع المستمر بين الفصائل المعتدلة والمتشددة داخل نظام طالبان. وفى هذا السياق، أظهرت بعض التقارير أنه على الأقل هناك ثلاث مجموعات تنقسم إليها الحركة، الأولى: ممثلة في فريق مفاوضات السلام الأمريكي، بقيادة الملا عبد الغني بردار، والثانية: ممثلة في الجناح العسكري بقيادة مولوي يعقوب، نجل الملا عمر، والثالثة: ممثلة في جناح شبكة حقاني وقائدها سراج الدين حقاني، والتي تظهر شكليًا كجزء تحت مظلة طالبان. ومن بين ملامح هذه الخلافات، تصريح مولوي يعقوب " أولئك الذين يعيشون في رفاهية في الدوحة لا يمكنهم إملاء شروطهم على المتورطين في الجهاد العسكري ضد قوات الاحتلال بقيادة الولايات المتحدة"، وكذلك تحجيم دور "الملا بردار"، فضلاً عن الخلافات بين حقاني ومولوي يعقوب.
اليوم مع حديث تقارير عن أن المنزل الذي قتل فيه الظواهري كان تحت علم شبكة حقاني، التي حاول أعضاءها إخفاء وجوده بالمنزل عقب الضربة إلا أن المصادر الأمريكية أكدت أنه الظواهري. ومع احتمالية اتجاه شبكة حقاني بالرد على مقتل الظواهري أو التصعيد بإلحاق الضرر بالرهينة الأمريكي المتبقي بالداخل الأفغاني " مارك فريريتش" الذي تم اختطافه يناير 2020. وفي هذه الحالة نكون أمام سيناريو ينذر بالانفصال ما بين حقاني وطالبان، واقتناع الطرفين أن التحالف لم يعد ذا جدوى، خاصة وأن مقومات التحالف-إخراج القوات الأجنبية من البلاد- قد انتهت. وما يدعم الانفصال بين حقاني وطالبان، أن هناك اختلافات جوهرية بين الفصيلين، على رأسها تبني شبكة حقاني للجهاد العالمي ووجود علاقات لها بتنظيمات أخرى، في وقت تركز فقط طالبان على الداخل. فضلًا عن أن وجهة النظر الأمريكية الدائمة الربط بين حقاني والقاعدة، بالإضافة إلى استمرار تمسك حقاني بهيكل مالي وتنظيمي مستقل عن الحركة.
وقد يكون للتحولات الحاصلة داخل تنظيم القاعدة نفسه تأثير على هذا الخلاف حيث يتوقع أن يكون لمقتل قائد تنظيم القاعدة عدة تداعيات القيادة المركزية للتنظيم وفروعه المختلفة، حيث يمثل اختيار الزعيم الجديد لقيادة القاعدة خلفًا للظواهري إشكالية كبري، خاصة وأن من بين الأسماء المرشحة سيف العدل - الذي كان ضابطا في القوات الخاصة المصرية- والذي تولى قيادة التنظيم خلال المرحلة الانتقالية التي تلت مقتل أسامة بن لادن. وقتها حدثت اعتراضات وخلافات داخل التنظيم غير راضية عن تسمية العدل نتيجة تواطأه مع إيران، حيث يُقال إنه أمضى الفترة الأكبر من السنوات العشرين الماضية في إيران، وهو ما قد يفقده دعم الجيل الجديد في القاعدة والأعضاء الأكثر عداء حيال الشيعة في التنظيم. ومن ثم، قد تحول هذه الانتقادات والاختلافات دون تسمية العدل، وفي حال تسميته فأن الأمر يهدد باستقرار القيادة المركزية ذاتها وبروز المزيد من لخلافات.
منذ فترة ينتهج تنظيم القاعدة، تدريجيًا التحول من المركزية إلى اللامركزية، وهي استراتيجية أثمرت عن نتائج إيجابية بالنسبة لنشاط التنظيم ككل، حيث بدأ تنظيم القاعدة تنظيم هرمي مركزي، خلال الفترة من ١٩٩٢ إلى ٢٠٠٣، مما ترتب عليه تنفيذه نحو ٧٤ هجوم، ومع تراجع التراتبية شيئا ما في الفترة من ٢٠٠٤ -٢٠٠٨، ارتفع نشاط التنظيم ونفذ ٥٠١ هجوم، في الفترة لاتجاهه نحو اللامركزية ٢٠٠٩- ٢٠١٣ نجح التنظيم في تنفيذ ١٩٥٨ هجوم إرهابي، ومع توسعه في اللامركزية في الفترة من ٢٠١٤-٢٠١٨ نفذ التنظيم ٣٨٣٨ هجوم. وفى حال نشوب خلاف حول من سيخلف الظواهري، ربما يزيد تبني التنظيم ولو مرحليًا اللامركزية، ومن ثم إعطاء مساحة أكبر للفروع للعمل، وعليه متوقع زيادة نشاط فروع تنظيم القاعدة.
يمكن القول بأن هناك أسباب عدة تدفع إلى تقليل فرص الرد القاعدية على العملية الإرهابية في أفغانستان، وذلك لاعتبارات عدة من أبرزها أن جيل القاعدة لم يعد كما كان يحاول بن لادن بناءه على أنه جيل "مغنم" ينطلق من مقتل القيادات لزيادة نشاطها والتحمس للدفاع المزعوم عن الدين وليس "مغرم" يمثل مقتل القيادات لديه انتكاسه. وقد حاولت القاعدة تشجيع شباب التنظيم في البيان الصادر مايو 2011 نعيًا لبن لادن إلا أن ذلك لم يحدث، وهذا ما يظهره انخفاض عدد العمليات التي نفذها التنظيم مرحلة الظواهري في أفغانستان. إضافة إلى ذلك، ساهم الاستهداف الأمريكي للقيادة المركزية لتنظيم القاعدة في أفغانستان طيلة السنوات الماضية بصورة كبيرة في تراجع التنظيم وكبح جماح إعداده جيل شبابي جديد وإقامة مراكز استقطاب وتجنيد وتدريب في الداخل الأفغاني.
كان الشغل الشاغل للقيادة المركزية لتنظيم القاعدة بعد وفاة بن لادن هو التواري عن الأنظار والهروب من الاستهداف الأمريكي. ساهمت أيضا طموحات بعض التنظيمات وتوسعها في تقليل سيطرة القيادة المركزية للتنظيم على الفروع، فعلى سبيل المثال نجد أن القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي التي تنشط في دول عدة على رأسها مالي والنجير وتونس، وكذلك حركة الشباب المجاهدين الصومالية الأخذة في التوسع واتجاها لتنفيذ عمليات إرهابية خارج حدود الصومال مثلما كان مرحلة ما بعد الغزو الإثيوبي للصومال 2006، هذه الطموحات والتوسعات قللت من مكانة القيادة المركزية وأهميتها مقارنة بالفروع ونشاطها. ومن ثم، قد يؤثر ذلك على العلاقات بين التنظيم وبين حركة طالبان ومن ثم تقليص تقليص وجود القاعدة في الداخل الأفغاني.
بخلاف التأثير على تماسك مكونات طالبان، يؤثر استهداف الظواهري في العاصمة كابول على الداخل الأفغاني من خلال توفير فرصة لولاية خراسان/ تنظيم داعش تتمثل في احتمالية انتقال عناصر قاعدية إلى داعش حال الخلاف والانشقاق حول من سيخلف الظواهري كما يمكن أن تدفع الخلافات القائمة بين حركة طالبان إلى الانشقاق عن التنظيم والانضمام إلى ولاية خراسان. إضافة إلى ذلك، قد تزيد رعاية حكومة طالبان لعناصر إرهابية من فرص عدم استقرارها ومحاولاتها للتشبيك على المستوى الدولي، خاصة فيما يتعلق بتوفير الأمن في العاصمة كابول.
في الختام يظل تأثير موت الظواهري مرهون بالموقف داخل حركة طالبان ومدى حدوث خلافات ما بين حقاني وباقي مكون الحركة، بالإضافة إلى الموقف الأمريكي ذاته واحتمالية التصعيد في الداخل الأفغاني تحسبًا لرد فعل ثأري من قبل القيادة المركزية. بالإضافة إلى ذلك، قد لا يغير مقتل الظواهري طبيعة التهديدات التي تواجهها الولايات المتحدة وأوروبا من أفغانستان تحت حكم طالبان، لكن ينبغي على الولايات المتحدة أن تعمل على ضمان عدم انزلاق أفغانستان إلى حالة من عدم الاستقرار والا لتصبح أرضية خصبة لاحتضان الإرهاب والجهاديين.