- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تفاصيل زيارة الكاظمي إلى واشنطن
في الأسبوع الماضي، ترأّس رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وفدًا وزاريًّا كبيرًا زار واشنطن للمشاركة في جلسات جديدة من الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتّحدة والعراق، تبعتها زيارة لرئيس الوزراء العراقي إلى البيت الأبيض هي الأولى منذ أكثر من 3 سنوات.
وفي خلال الزيارة، تحدّثتُ مع معظم أعضاء الوفد العراقي، وأجريتُ أيضًا حوارًا فرديًّا مع رئيس الوزراء الكاظمي. وفي الأسئلة الكثيرة التي طرحتُها على القادة العراقيّين، لم أكتفِ بالاستنباط المعتاد للخطط والتنبؤات المستقبليّة الذي يميل العراقيّون إلى تفاديه في أيّ حال، مدركين أنّهم لا يستطيعون التخطيط أو التنبّؤ بثقة. وركّزتُ على ما كان يشعر به القادة، وعلى ما كانت حياتهم المهنيّة والشخصيّة عليه، وما يحتاجون إليه من الولايات المتّحدة والجهات الفاعلة الأخرى.
وكلّ مَن يعرف وزراء حكومة الكاظمي يدرك أنّهم مصمّمون وشجعان إلى حدٍّ يلامس التهوّر. ولقد قبلوا بطيب خاطر تحديًّا مستحيلًا، ألا وهو إدارة العراق في وقت تغزو فيه الميليشيات بغداد وتستطيع أن تهدّد كبار القادة الحكوميين من دون أي عقاب. وبالإضافة إلى ذلك، يشمل التحدّي الذي قبلوه ضبط الموازنة في وقت يبلغ فيه الحدّ الأدنى للإنفاق الشهري 7 مليارات دولار ويقلّ الدخل عن 3 مليارات دولار، والقضاء على مرض فيروس كورونا المستجد في دولةٍ يصطدم فيها الاكتظاظ والحجّ بنظام رعاية صحيّة منهار جزئيًّا يخشى الناس استخدامه، والتخفيف عن العراقيّين في موجات الحرّ القياسيّة في وقت تطلب فيه الولايات المتّحدة من العراق شراء كميّات أقلّ من الكهرباء الإيرانيّة.
وعندما شرحتُ هذه التحديات التي تواجهها حكومة الكاظمي لمجموعة من أعضاء الكونغرس الأمريكي، كان من المهمّ بالنسبة إليّ أن أوضّح بصراحةً أنّ القادة العراقيّين القادمين إلى الولايات المتّحدة كانوا، في بعض الحالات، رجالًا (ونساء) معرّضين لخطر الموت. وكما تبين من اغتيال هشام الهاشمي في 6 تموز/يوليو - وهو مستشار لقادة العراق منذ فترة طويلة – إن السلامة الجسديّة لوزراء حكومة الكاظمي غير مضمونة. فما مِن مكان في بغداد يستطيع فيه القادة الحكوميون السير أو العمل أو النوم بأمان. وقبل انتهاء فترة ولاية الحكومة هذه، ثمة احتمال كبير أن تغتال الميليشيات شخصًا أو أكثر من الرجال أو النساء الذين زاروا واشنطن هذا الأسبوع.
ويبدو أن الكونغرس وإدارة ترامب قد أدركا هذه الحقيقة الأساسيّة: حتّى لو لم يستطع الكاظمي إصلاح العراق بالسرعة التي نطلبها أو بالشكل التامّ الذي نريده نحن الجالسين في مكاتبنا الآمنة على بعد آلاف الأميال، فستحاول حكومته تحقيق ذلك وتستحقّ جهودهم الدعم. وفي تناقض حادّ مع استقبال الكاظمي الفاتر في طهران الشهر الماضي، لقي رئيس الوزراء العراقي احترامًا ودفئًا كبيرَين في واشنطن.
إذًا، ما المعلومات التي اكتسبها صانعو السياسات والمشرّعون الأمريكيّون عن حكومة الكاظمي من هذه الزيارة؟
خلّف وفد الكاظمي انطباعًا أوّليًا بالإرهاق على المستوى الفردي. وببساطة، لا يضمّ فريقه عددًا كافيًا من الأشخاص. ويولي الكاظمي، وهو رئيس سابق لجهاز المخابرات العراقي، قيمةً عالية جدًّا للثقة في حكومته وعلاقاته الشخصيّة الطويلة الأمد. ويحاول إعادة صياغة نظام الأمن ومكافحة الفساد في العراق من خلال التعيينات التنفيذيّة والتحقيقات، وقد تؤدّي التسريبات من دائرته الداخليّة إلى إضعاف هذه الجهود بصورة نهائيّة.
ومع ذلك، يمكن أن يؤدّي الإرهاق والإجهاد الذي لا يرحم إلى تفكيك فريقه. ومن واقع خبرتي، فإنّ 90 في المئة ممّا حققته البيروقراطيّات العراقيّة التي لا طالما عانت من عدم الفعالية أصبح ممكنًا من خلال عدد قليل من صانعي السياسات والإداريّين المدمنين على العمل. وتتجلّى هذا النزعة اليوم أكثر بعد في حكومة الكاظمي. ومع ذلك، فهم بحاجة إلى فتح صفوفهم قليلًا للتخفيف من فائض المهام الملقاة على عاتق الأفراد الرئيسين ولزيادة قدرة الحكومة على إنجاز الأمور.
والملاحظة الثانية هي أنّ صانعي السياسات الحكوميين بحاجة إلى الشعور بأنّهم محميّون بشكل أفضل. في ليلة 25 حزيران/يونيو، ردّت ميليشيا كتائب حزب الله على اعتقال الحكومة لبعض عناصرها بإرسال طابور مسلّح لتطويق منزل رئيس الوزراء العراقي. ولم يكن ببساطة العراق مستعدًّا لردّ الفعل هذا، وقد لحق ضررٌ كبير بالحالة النفسيّة لدى قادة الحكومة وضبّاط قوّات الأمن. وفي المستقبل، ينبغي بذل جهود أكبر بكثير لمنح مجلس الوزراء العراقي مساحات آمنة للعمل منها – أي مساكن آمنة، بما في ذلك مساكن الأسر، ومكاتب آمنة لرئيس الوزراء والوزراء.
ويمكن لشركاء العراق الدوليّين أن يقدّموا بسهولة تامّة مجموعةً من المساعدات على شكل تدريب أمني للحرّاس الشخصيّين والأفراد المهدَّدين، وتوفير قروض ميسّرة لشراء المعدّات والحواجز، والتمكين السريع للمركز الحكومي. وعلى قدرٍ مماثل من الأهميّة، ثمّة حاجة في صفوف حلفاء الكاظمي الدوليّين إلى تطوير نظام إنذار واستجابة منسّق يمكن أن يساعد في حشد الدعم السياسي للحكومة. وعندما تلوح في الأفق لحظات شديدة الخطورة، أو عند التعرّض لمضايقات الميليشيات، يحتاج دبلوماسيّو كلّ دولة كبرى في بغداد إلى نظام "الشبكة الهاتفيّة" الذي يعرفون بموجبه بأيّ مسؤولين عراقيين عليهم الاتصال من أجل حشد هذه الكتل لتقديم الدعم الفوري للحكومة.
وفي الوقت الحالي، يشعر فريق الكاظمي بالعزلة وغياب الدعم بصورة تامّة. وهذه ليست بالضرورة وجهة نظر صحيحة تمامًا ولكنّها تعكس شعور الأشخاص العقلاء عند تعرّضهم لضغوط هائلة. إنّ فريق الكاظمي محقّ بشأن صمت أصدقاء أمريكا الجدد والقدامى في العراق عندما تطلق الميليشيات الصواريخ على السفارة الأمريكيّة أو عندما تهدّد الحكومة. أين رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي في تلك اللحظة؟ أين القادة الأكراد؟ أين هو ألد خصوم إيران إياد علاوي، أو الجماعات السنيّة الأخرى، أو الجماعات المعتدلة الجديدة مثل نصر العبادي أو حركة الحكمة؟ إنّ الانقسامات الصغيرة ومشاعر الاستياء والتنافسات بين الكتل المعتدلة هي الورقة الرابحة الوحيدة المتبقيّة التي تمتلكها فصائل الميليشيات المدعومة من إيران.
وفي خلال الزيارة، أعرب القادة العراقيّون أيضًا عن بعض الاستياء من أنّ الولايات المتّحدة تطلب الكثير ولكنّها لا تقدّم سوى القليل من القيمة الملموسة لدعم أصدقائها. ولكن عند خدش سطح هذه التصريحات لتحديد مطالب القادة العراقيّين الملموسة، يتبيّن أنهم لا يملكون بدورهم إجابات جيّدة على ما يريدون فعلًا أن تفعله الولايات المتّحدة. هذا هو مأزق السياسة الأمريكيّة في العراق: أمريكا تنتظر دومًا أن يطلب العراق أشياء محدّدة، ويعتقد العراق دومًا أنّه يجب على الأمريكيّين معرفة ما يقدّمونه، حتّى لو كانت الحكومة العراقيّة نفسها لا تعرف. ما مِن بديل للتفكير الجادّ الذي يجب خوضه بشكلٍ مشترك في عمليّة براغماتيّة مستمرّة.
وهنا تكمن أهميّة إعادة تنشيط اتفاقيّة الإطار الاستراتيجي من خلال الحوار الاستراتيجي الحالي. وجاء الوفد الوزاري الذي ترأّسه الكاظمي إلى واشنطن بعقليّة دفاعيّة، وعلى أهبّة الاستعداد لمواجهة هجوم أقوى شريك استراتيجي له بسبب "الفشل في الطيران على الرغم من أنّ أجنحتنا مكسورة"، وفقًا لأحد الزعماء العراقيين. وبدلًا من ذلك، تلقّى فريق الكاظمي انتقادات بناءة مصحوبة بقدر كبير من التعاطف لوضعه الصعب. وجاءت هذه الجرعة من الواقعيّة كمفاجأة سارّة ونشّطت الوفد العراقي. لقد تركوا واشنطن وهم يشعرون بدرجة أقلّ من الوحدة.
وعلى وجه الخصوص، أعطت زيارة واشنطن تشجيعًا كبيرًا لحكومة الكاظمي لأنّه حتّى لو لم تُكشَف جميع الإجابات في هذه الزيارة، فقد أظهرت الولايات المتّحدة استعدادَها الواضح لمواصلة الحديث بمستويات متزايدة من التفاصيل حول ما يحتاجه العراق من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي، مع وضع الأسلحة تحت سيطرة دولة أقوى. وكان هذا التعزيز المعنوي واضحًا في تحويل طائرة الكاظمي العائدة من وجهتها في بغداد إلى زيارة مرتجلة إلى البصرة، حيث كان الغضب الشعبي يتصاعد بعد أن قتلت الميليشيات النشطاء على خلفية الكساد الاقتصادي وانقطاع الكهرباء. وسيراقب الجميع الآن نتائج تحقيقات قوّات الأمن التي أعقبت ذلك.
وتواجه كلٌّ من الولايات المتّحدة والعراق انتخابات في العام المقبل، على افتراض أنّ العراق يمكنه إجراء انتخابات مبكرة قبل انتخابات 2022 المقرّرة. وبغض النظر عمَن سيدير أمريكا أو العراق في عام 2022، فإنّ زيارة الأسبوع الماضي هي خطوة أوّليّة جيّدة نحو حوار وطني بنّاء بين دولتَين تجمعهما علاقة أخوة وثيقة – فهما دولتان مختلفتان من نواحٍ كثيرة، تشكّلان ثنائيًّا غريبًا، ولكن تربطهما جهودٌ متبادلة رامية إلى تحقيق الاستقرار في العراق.
وفي ما يتعلق بهذا الاستقرار، لا شيء ممكن من دون قيادة شجاعة عالية المستوى، وكلّ شيء ممكن إذا وجدت مثل هذه القيادة. وإنّ القيادة العراقيّة هي مركز الثقل لأصدقاء العراقيّين وأعدائها. واليوم، يعني ذلك الاعتراف بالحاجات النفسيّة لقادة العراق - أي المتطوّعين الذين يواجه بعضهم خطر الموت - وتقويتهم بالتشجيع والمساعدة الملموسة التي يمكن للعراقيّين رؤيتها ونسبها إلى حكومتهم.