- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تحديات التسوية السياسية في اليمن وسيناريوهات المستقبل
يتطلب التوصل إلى تسوية سياسية مستدامة في اليمن مشاركة جميع الأطراف في مناقشة الأبعاد الجغرافية والعسكرية لمستقبل البلاد.
يواجه اليمن العديد من التحديات الأساسية منها: الانقسام المجتمعي، والتشظي السياسي، وانهيار المنظومة الاقتصادية، وتفكك الجغرافيا السياسية للدولة، وتفاقم الأزمة الإنسانية نتيجة للحرب الدائرة منذ 8 سنوات، وهذه العوامل قادت إلى فشل الدولة. ومع ذلك، هناك بوادر ومحاولات جادة لإنهاء الحرب وتحقيق تسوية سياسية؛ حيث أن الاتفاق السعودي- الإيراني برعاية صينية وقيام الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي مؤخرا بإطلاق سراح 900 أسيرًا ومختطفًا قد فتح باب التفاؤل لإمكانية تحقيق التسوية السياسية بما يحافظ على اليمن من التفكك ويخفف من وطأة المعاناة الإنسانية.
تقوم سلطنة عُمان بحراك دبلوماسي مكثف في هذا الجانب لتقريب وجهات النظر بين جماعة الحوثي والسعودية من خلال جلب الطرفان إلى طاولة المفاوضات. ومن ناحيتها، تريد السعودية أن تخرج من اليمن والتفرغ لتحقيق رؤية المملكة الاقتصادية 2030 وهذا لن يتحقق بدون ضمانات أمنية لحماية منشأتها من الاستهداف. كما حصل مؤخرا لقاء بين سفير السعودية لدى اليمن وجماعة الحوثي في صنعاء لمناقشة تلك الضمانات. على الرغم من أنه يبدو أن هناك بعض الجهود التي تُبذل لتوسيع الحوار بين الأطراف اليمنية لبناء تسوية سياسية وعملية انتقالية تضم جميع أطراف النزاع، تحاول السعودية في الوقت عينه، إيجاد أي نوع من التسوية مهما كلفها ذلك، إلا أن تحقيق تسوية هشة دون معالجة جذور الصراع في اليمن لن يقود إلى سلام مستدام. بالإضافة إلى ذلك، أن دول الخليج منقسمة فهناك من يؤيد الانفصال وهناك من يعارضه، وهذا الموقف جعل دول الخليج بلا رؤية موحدة تجاه الأزمة في اليمن على الأقل في الوقت الراهن.
تحديات التسوية في اليمن
ومع ذلك، تواجه التسوية السياسية في اليمن العديد من العقبات الداخلية والخارجية منها: أولًا، ما يزال المجلس الانتقالي يصرّ على أن يكون للقضية الجنوبية إطار خاص في العملية السياسية بما يؤدي في النهاية لتحقيق الانفصال، ما يشير إلى استمرار مخاوف الجنوب في إطار العملية السياسية. وفي نفس الوقت ما يزال المجلس يحاول التمدد عسكريا للسيطرة على حضرموت؛ لأنّه يدرك أن المخزون النفطي يوجد في شبوة وحضرموت، كما أن الاستيلاء على هاتين المحافظتين بالإضافة إلى المهرة- المحاذية لسلطنة عُمان قد يساعده في فرض شروطه في النهاية، إلا أن الأطراف الأخرى في مجلس القيادة الرئاسي والسعودية تعارض مثل هذه الخطوة.
ويبدو أن المجلس الانتقالي غير قادر عن التراجع عن هدف الانفصال، ويدرك أيضًا، أن المجتمع الدولي يرفض الانفصال، وان تحقيق هذا الهدف في الوقت الراهن سيكون مستحيل. ولهذا، يتخوف من أي حدوث أي تسوية، خاصة إذا كانت مبنية على المرجعيات القانونية المعترف بها دوليا والمتمثلة بقرارات مجلس الأمن ، والمبادرة الخليجية ،والتي تؤكد على أن حل كل القضايا العالقة يجب أن يكون في إطار الدولة الوطنية الجامعة.
ثانيًا، تدرك جماعة أنصار الله الحوثية أن مشروعها لن يتحقق بدون السيطرة على مناطق النفط في مأرب، ولذا ما تزال تحاول اجتياحها، على الرغم من استمرار الحوار الجاري بينها وبين السعودية. كما أن الجماعة تسعى لإيجاد تسوية سياسية بطريقة مباشرة مع السعودية كي تتمكن من انتزاع الشرعية السياسية وبالتالي يمكن التعامل مستقبلا مع خصومها المحليين بالقوة العسكرية. أيضًا، أظهرت جولات الحوار المعقدة بين السعودية وجماعة الحوثي أن الجماعة غير مستعدة للتسوية مع خصومها المحليين في الوقت الراهن؛ لأنّها ترى أن هذه التسوية قد يفقدها كل ما حققته بالسلاح خلال فترة الحرب.
ثالثًا، القوى السياسية الحليفة للسعودية بما فيها حزب التجمع اليمني للإصلاح تخاف من نتائج التفاهمات السعودية- الحوثية. وتتابع ذلك عن كثب وتبحث عن بدائل أخرى في حال اعترفت السعودية بجماعة الحوثي.
رابعًا، القضايا الأمنية وسلاح جماعة الحوثي والمجلس الانتقالي وباقي المجموعات الأخرى يعتبر من ضمن أهم التحديات أمام حدوث أي تسوية قادمة. وكما هو الحال، لم يتم التعامل مع هذه التخوفات بشكل كافٍ حتى الآن.
سيناريوهات مستقبل التسوية في اليمن
وبناء على ما سبق، فإنّه بالإمكان القول أن هناك ثلاثة سيناريوهات لمستقبل التسوية في اليمن: السيناريو الأول: قد يتم التوصل إلى تسوية سياسية تحفظ ماء وجه الإقليم دون معالجة جذور الأزمات اليمنية المتعددة، إلا أنّه لا يستبعد أن تكون التسوية مقدمة لانقسام مجتمعي كبير والدخول في صراعات مذهبية على غرار ما يحصل في بلدان أخرى.
وفي هذا الإطار من المحتمل أن تقبل الأطراف المحلية مثل جماعة الحوثي والمجلس الانتقالي بالتسوية الهشة طالما ستبقى ممسكة بالسلاح؛ ولذلك، على مرّ تاريخ الصراعات السابقة كانت تأتي الأطراف المتصارعة للتوقيع على الجوانب السياسية وترفض تطبيق الجوانب العسكرية والأمنية. ولذا، فشلت جميع التسويات السابقة. ويعد اتفاق السلم والشراكة 2014 بين القوى السياسية وجماعة الحوثي، ابرز مثال على ذلك حيث تم تطبيق الجوانب السياسية ولم يتم تطبيق الجوانب العسكرية والأمنية مما أدى إلى قيام الجماعة الحوثية بالسيطرة على صنعاء بشكل كامل حينها.
السيناريو الثاني: القبول بالتعايش مع الوضع القائم، مع استمرار الاعتراف بالحكومة المعترف بها دوليا بوضعها الهش وبقاء البلد مقسم بين الجماعات المسلحة على غرار ما يحصل في بعض دول الإقليم مثل لبنان والعراق والصومال، إلا أن هذا السيناريو يجب ألا يسمح به المجتمع الدولي؛ لأنّه لا يخدم مصالح اليمنيين ولا الدول التي ترتبط مصالحها باليمن ومنها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.
السيناريو الثالث: يتمثل السيناريو في التوصل إلى تسوية حقيقية بين الأطراف المحلية، وهذا يتطلب وضوح الموقف الدولي والإقليمي من سلامة ووحدة اليمن ووقف دعم بعض دول الإقليم خاصة الدول الخليجية، للجماعات المحلية المتصارعة، وتخلى الجماعات المسلحة عن سلاحها وانضوائها في جيش يمنى موحد، وضع خطة اقتصادية وإنسانية لمعالجة آثار الحرب. كما يجب مشاركة جميع أطراف الصراع في اليمن بما فيهم المجموعات القبلية في شرق اليمن وخاصة في حضرموت ترفض أن يتم إلحاق مناطقها بالشمال أو الجنوب، وتريد أن تكون طرفا رئيسيا في أي تسوية سياسية قادمة.
وأخيرا، يتطلب التوصل لتسوية حقيقية في اليمن ترتيب الأوضاع العسكرية والأمنية قبل الدخول في تسوية سياسية؛ كي لا يتم الانقلاب عليها مجددا من قبل الأطراف التي تحمل السلاح كما حصل خلال الاتفاقات السابقة. وهذا يتطلب تظافر الجهود الدولية ومنها الولايات المتحدة لاستمرار الضغط على الأطراف الإقليمية بضرورة مساعدة اليمن للخروج من محنته، وأيضًا، استمرار الضغط على الأطراف المحلية الفاعلة على الأرض لتقديم التنازلات السياسية للوصول إلى تسوية تنهي الحرب ومن ثم بناء دولة المواطنة المتساوية التي تحمي حقوق ومصالح الجميع.