- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تهديدات إيران الصاروخية المتزايدة لدول الجوار
يشكل برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني تهديدات إقليمية تتطلب حلول دولية.
الهجوم الأخير الذي استهدف مصنعا للدفاع الإيراني في مدينة أصفهان بوسط البلاد يثير مجددا مخاوف من خطر النظام الصاروخي الإيراني على دول المنطقة، فمع زيادة القدرات الصاروخية والحوادث الأخيرة التي استُخدمت فيها الصواريخ من قبل إيران أو القوات التي تعمل بالوكالة لديها، أصبح تهديد الهجمات الصاروخية على دول الجوار قضية ملحة. ومع ذلك، تدعي طهران أن برنامجها الصاروخي دفاعي بطبيعته، لكن المجتمع الدولي لا يزال قلقًا بشأن إمكانية استخدامه حتى كنظام لإيصال أسلحة الدمار الشامل.
تعود جذور برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني إلى الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988عندما سعت إيران إلى تطوير صواريخ كوسيلة للدفاع ضد الهجمات الصاروخية العراقية. في السنوات التي أعقبت الحرب، واصلت إيران تطوير وتحسين قدراتها الصاروخية، بهدف إبراز القوة والنفوذ في المنطقة. كان أحد الأحداث الرئيسية في تطوير إيران للصواريخ هو الاستحواذ عليها صواريخ نو دونغ الكورية الشمالية في التسعينات من القرن الماضي. زادت هذه الصواريخ من قدرات إيران بشكل كبير وشكلت الأساس لبرنامجها الصاروخي المستقبلي. منذ ذلك الحين، واصلت إيران الاستثمار في برنامجها الصاروخي، وقد حققت بالفعل تقدمًا كبيرًا في تطوير تكنولوجيا الصواريخ الخاصة بها في السنوات الأخيرة، وطورت العديد من الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة والطويلة المدى. وواصلت إيران أيضًا تطوير صواريخ تعمل بالوقود الصلب، وهي أسرع في الإطلاق وأكثر قدرة على الحركة من الصواريخ التي تعمل بالوقود السائل.
رغم الجهود الدولية لكبح برنامج إيران الصاروخي، بما في ذلك العقوبات والضغط الدبلوماسي، استمرت إيران في تعزيز قدراتها الصاروخية، حيث تمتلك إيران اليوم واحدة من أكبر ترسانات الصواريخ في الشرق الأوسط، قادرة على الوصول للعديد من الدول المجاورة، ومن أبرزها صاروخ Simorgh الذى يعمل بالوقود السائل ، وصاروخ خرمشهر -1 و -2 (BM-25 / Musudan) ويعمل بالوقود السائل أيضاً، وصاروح شهاب 3، وهو صاروخ باليستي متوسط المدى. كما تمتلك إيران أيضا قدر -110: باليستي متوسط المدى، اضافة لامتلاكها Sejjil، وهو صاروخ باليستي ذو مرحلتين يعمل بالوقود. في حين تختلف تقديرات مدى هذه الصواريخ، فإن إيران تدعى ان مداها يسمح باستهداف الدول المجاورة.
تشكل القدرات الصاروخية الإيرانية الحالية تهديدًا كبيرًا للدول المجاورة في المنطقة، وقد أدت الحوادث الأخيرة التي شملت استخدام إيران أو وكلائها صواريخ استهدفت بها أهداف عسكرية ومدنية في دول مثل السعودية والإمارات والعراق، إلى زيادة مخاوف دول المنطقة حيث تؤكد تلك الهجمات على استعداد إيران لاستخدام صواريخها كوسيلة لإظهار القوة وممارسة النفوذ في المنطقة. علاوة على ذلك، اتُهمت إيران أيضًا بنقل الصواريخ وتكنولوجيا الصواريخ إلى القوات بالوكالة في المنطقة مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.
في غضون ذلك، استمرت الجهود الدولية لكبح برنامج إيران الصاروخي والتصدي لتهديداتها الصاروخية من خلال فرض العقوبات والضغط الدبلوماسي للحد من قدراتها على تطوير برنامجها الصاروخي. أحد الأمثلة البارزة هو قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1737. وعلى الرغم من ذلك، استمرت إيران في تطوير قدراتها الصاروخية، مما يدل على حدود تأثير العقوبات في تحقيق أهدافها المنشودة.
من ناحية أخرى تضمنت الجهود الدبلوماسية، أيضا ألية المفاوضات والاتفاقات التي تهدف للتوصل لحل الازمة، منها خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) لعام 2015، والمعروفة أيضًا باسم اتفاق إيران النووي، والتي تهدف إلى معالجة برنامج إيران النووي وبرنامجها الصاروخي كجزء من حل أوسع. وفي حين ركزت خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) بشكل كبير على كبح جماح البرنامج الصاروخي الإيراني، إلا أنها لم تتضمن سوى تفاصيل قليلة حول أي قيود قد تفرض على برنامج إيران الصاروخي. وقد أشار الرئيس السابق دونالد ترامب إلى هذه الثغرة كونها أحد الأسباب الرئيسية للانسحاب الأمريكي أحادي الجانب اللاحق من خطة العمل الشاملة المشتركة. منذ ذلك الحين، تم إحراز تقدم ضئيل لاستعادة الصفقة ولم يتم إجراء أي مفاوضات أخرى بشأن البرنامج الصاروخي، وذلك رغم الجهود المبذولة والمحاولات العديدة لإحيائها.
مع توقف الاساليب الاقتصادية والدبلوماسية للضغط على إيران إلى حد كبير، صارت تهديدات إيران الصاروخية أعلى من أي وقت مضى. وهذا الوضع يسلط الضوء على الحاجة إلى اتباع أساليب جديدة لمعالجة هذه القضية بشكل فعال. ويمكن النظر في هذا السياق فيما يلي:
أولاً، مواصلة الجهود الدبلوماسية لحل قضية برنامج الصواريخ الإيراني من خلال المفاوضات. ويمكن أن يشمل ذلك حوار أو مفاوضات مباشرة بين إيران والدول الاقليمية، فضلاً عن المفاوضات متعددة الأطراف من خلال منظمات مثل الأمم المتحدة. ويمكن أيضا إقامة قنوات اتصال خلفية والانخراط مع المسؤولين الإيرانيين في المنتديات الدولية أو عبر وسطاء أو دفع شركاء دوليين للانخراط في هذه الجهود بشكل أكبر؛ ويمكن أن يساعد كل هذا في فرض ضغط إضافي في المفاوضات، ويزيد من احتمالية التوصل لنتائج ناجعة. ولا شك أن مواصلة مثل هذه الجهود ليس بالأمر اليسير، بسبب عوامل عده منها أن هناك مراكز قوى مؤثرة في إيران تعارض أي تقديم تنازلات حقيقية تسمح بالتوصل لتسوية. كما أن انعدام الثقة بين إيران والدول الأخرى الإقليمية والدولية يعد عقبة كبيرة أمام إحياء الجهود الدبلوماسية حول هذه المسألة.
ثانياً، استكشاف طرق ومسارات أخرى داعمة، مثل تدابير بناء الثقة. يمكن أن يشمل ذلك إجراءات تهدف إلى تخفيف التوترات وتعزيز الحوار بين إيران وجيرانها، من خلال التركيز على المجالات ذات الاهتمام أو المصالح المشتركة بين دول المنطقة بما فيها المخاوف الأمنية والتنمية الاقتصادية. وبمجرد تحديد المجالات ذات الاهتمام المشترك يمكن تطوير إطار للحوار الإقليمي. ومع ذلك، يواجه هذا المقترح بعض التحديات التي تتمثل في التوترات التاريخية القائمة منذ عقود بين إيران وجيرانها والناتجة عن الاختلافات الأيديولوجية وتدخلات إيران في شؤون جيرانها الداخلية ومساعيها المستمرة لتوسيع نفوذها وهيمنتها. هذه التوترات تجعل من الصعب بناء الثقة وتحقيق حوار هادف.
ثالثاً، تعزيز التعاون الدولي والأمن الإقليمي من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية والتنسيق الدفاعي، خاصة في ما يتعلق باستخدام أنظمة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية. من المهم في هذا السياق ان تعمل البلدان المعنية على تطوير فهما مشتركا للتهديدات التي تواجهها وفهم سبل مواجهاتها. قد يساهم هذا النوع من التعاون في حل ازمة انعدام الثقة والاعتبارات السياسية الاخرى التي تحدد طبيعة التهديدات. وهناك أيضا قيود متعلقة بالموارد سواء ما يتعلق بقدرات تلك الدول الاستخباراتية او المالية والتي يمكن ان تحد من قدرتها على المساهمة في جهود التعاون الدولي أو الاستثمار في أنظمة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية على سبيل المثال.
رابعاً، توسيع العقوبات الدولية للحد من قدرة إيران على الحصول على مواد وتكنولوجيا لبرنامجها الصاروخي. ويمكن أن يشمل ذلك تدابير تستهدف الأفراد والكيانات المشاركة في تطوير وانتشار الصواريخ الإيرانية. توسيع نطاق العقوبات لا سيما على السلع والتقنيات الضرورية لبرنامج الصواريخ الإيراني، وهذا يشمل مواد مثل المواد المركبة المتقدمة، والمعادن عالية القوة، وأنظمة التوجيه... إلخ. ومن المتوقع ان يساهم تحديد هذه السلع والتقنيات في استهداف الشركات التي تشارك في إنتاج هذه المواد. وهذا يتطلب بالطبع تعزيز وتطوير آليات التنفيذ بما في ذلك عمليات التفتيش، منع تهريب المواد أو التكنولوجيا التي تخضع للعقوبات، وفرض عقوبات قاسية على الشركات والأفراد الذين ينتهكون العقوبات. ومع ذلك، تواجه هذه الإجراءات تحديات حقيقية وأهمها احجام الدول التي تربطها علاقات اقتصادية وثيقة مع إيران، مثل الصين وروسيا وبعض الدول الأوروبية، عن فرض عقوبات من شأنها الإضرار بمصالحها الاقتصادية؛ وهو ما يؤدي إلى غياب الاجماع بين الدول التي تشعر بالقلق بشأن برنامج الصواريخ الإيراني.
يُظهر السياق التاريخي لتطوير إيران للصواريخ وقدراتها الحالية والردود الدولية الحاجة الملحة لإيجاد حل دائم لهذه القضية. ويجب معالجة التهديدات الصاروخية الإيرانية للدول المجاورة من خلال مجموعة من العقوبات والضغط الدبلوماسي واتباع أساليب جديدة بهدف إيجاد حل دائم. وهنا لا شك أن التعاون والتنسيق الدوليان أمران حاسمان في مساعدة القوى الإقليمية في التصدي للهجمات الصاروخية الإيرانية وحل مشكلة البرنامج الصاروخي الإيراني على المدى الطويل.