- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تخطي الانسداد السياسي بين الصدريين والإطار التنسيقي
بعد مرور عشرة أشهر على الانتخابات العراقية، أدى الخلاف الشيعي الداخلي بين التيار الصدري والإطار التنسيقي إلى اندلاع عدة احتجاجات عامة، مع توفر القليل من الحلول القابلة للتطبيق.
حالة من الإرباك السياسي تطفو من جديد على سطح العملية السياسية، بعد موجة احتجاجات غاضبة أعلن عنها ونظمّها أتباع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، اعتراضًا على مرشح الإطار التنسيقي، محمد شياع السوداني، مرشح "الإطار التنسيقي" القريب من إيران، لمنصب رئاسة الوزراء في الحكومة المقبلة، بعدما عانت العملية السياسية من إنغلاق سياسي بعد مضي قرابة عشرة أشهر على إنتهاء الإنتخابات العراقية. وتستمر الاحتجاجات حول مبنى البرلمان العراقي، في المنطقة الخضراء، حيث تقع مقارِ لبعثات دبلوماسية ومرافق حكومية، بعدما كانت التظاهرات في ساحة التحرير والمناطق المحيطة بها قرب بوابة الخضراء، وسط إجراءات أمنية مشددة.
السوداني، مرشح الإطار التنسيقي، كان قد تبوأ منصب محافظ محافظة ميسان من عام 2009 إلى 2010، ووزير العمل والشؤون الإجتماعية من 2014 إلى 2017، ووزير الصناعة بالوكالة عام 2016، كما شغل منصب وزير حقوق الإنسان من 2010 إلى 2014.
لذلك، إعادة طرح اسمه من جديد لاستلام منصب رئاسة الوزراء، أغضب التيار الصدري، ليخرجوا بتظاهرات وصفها أنها "ضد الفاسدين "، وهو ما يعتبر أحدث تطور في النزاع القائم بين التيار الصدري والإطار التنسيقي.الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، أشار في تغريدة له على تويتر في 31 يوليو 2022، قال فيها: "إنها فرصة عظيمة لتغيير جذري للنظام السياسي والدستور والانتخابات التي زوّرت لصالح الدولة العميقة باتت أفضل إنتخابات حرة ونزيهة، وإن كانت نزيهة وأزاحت الفاسدين باتت مزوّرة تنهشها أيادي الفاسدين من جهة والدعاوى الكيدية من جهة أخرى". وقد زادت هذه التغريدة من زخم الحراك الصدري بالضد من الإطار التنسيقي.
أصل الخلاف
أن أصل الخلافات السياسية بين الخصمين، كل من الكتلة الصدرية والإطار التنسيقي، هو على تسمية مرشح رئاسة الوزراء، وتشكيل الحكومة المقبلة، حيث ترى الكتلة الصدرية أنها صاحبة الأحقية في تشكيل حكومة أغلبية وطنية، حيث يسعى الإطار بالضغط على التيار في تشكيل حكومة توافقية وأن تحصل كل الأطراف الشيعية على مناصب وزارية وفقًا إلى قاعدة المحاصصة السياسية، التي تأسست على ضوئها الحكومات العراقية ما بعد عام 2003. وعدم التوصل إلى حل يرضى الأطراف، عمّق من الأزمة السياسية، ما نتج عنها انغلاق سياسي استمر طويلًا دون جدوى أو حل.
الجبهة الكردية هي الأخرى على خط الخلاف، ومشاكلها تتناسب طرديًا مع اختلاف القوى الشيعية، حيث يتنافس كل من الحزب الديمقراطي الصديق للتيار الصدري، مع حزب الإتحاد الوطني الكردستاني القريب من الإطار، للاستحواذ على منصب رئاسة الجمهورية، إذ يشغل الإتحاد الوطني منصب رئاسة الجمهورية لثلاث دورات رئاسية، فيما يسعى الديمقراطي جاهدًا لنيل المنصب. وكان البرلمان العراقي فشل عدة مرّات لعقد جلساته وانتخاب كل من رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية، ما أدى إلى إنسحاب جماعي لنواب الكتلة الصدرية، تاركة موضوع تشكيل الحكومة على عاتق جبهة الإطار، التي هي الأخيرة فشلت في تشكيل الحكومة المقبلة.
فيما يرى النائب في البرلمان العراقي، ضياء الهندي، عن حركة إمتداد، أن الخلاف بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وزعيم حزب الدعوة المنضوي في جبهة الإطار نوري المالكي، هو خلاف شخصي، ومتى ما أبعد الإطار المالكي من كتلته، قد يبدوا الصدر بعدها مرونة في التعامل والجلوس إلى طاولة الحوار مع الإطار.
حلول على الطاولة
وفي سياق حديثه إلى الكاتب، ذكر الهندي جملة حلول مطروحة، منها إعطاء مهلة عام كامل إلى البرلمان الحالي من أجل تشكيل حكومة انتقالية تقوم بتعديل قانون الإنتخابات وتعديل الدستور، ثم بعد ذلك المضي نحو قرار حل البرلمان وانتخابات جديدة. أما عن الحلول الحالية، فيضيف الهندي: "يجب تسليم زمام الامور إلى النواب المستقلين والحركات الجديدة الفائزة في الإنتخابات، وعدم تدخل أو إشراك الأحزاب القديمة من التيار والإطار، وبأي شكل من الأشكال، في تشكيل الحكومة المقبلة"، فيما أشار الهندي إلى هناك توجه من قبل النواب المستقلين، مع التيار الصدري في الذهاب نحو الانتخابات المبكرة.
فيما أعلن صالح محمد العراقي، المعروف بـ "وزير القائد"، للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، عدة شروط، لو طبقّها الإطار، لقبل التيار الصدري الحوار مع خصمه، ومنها:
-1إنسحاب زعيم كتلة فتح هادي العامري من كتلة الإطار التنسيقي.
2- استنكار صريح لكلام زعيم حزب الدعوة، نوري المالكي، الذي أشار إليه بـ"سبايكر مان" للتسريبات التي نُشرت قبل أيام.
-3تحديد ضمانات جديدة والتوقيع على وثيقة الإصلاح للكتلة الصدرية.
الصدر طالب من خلال تغريده له نشرها يوم 10 أغسطس، السلطات القضائية بحل مجلس النواب بعد انتهاء المدة الدستورية لها في انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء لتشكيل الحكومة، وأمهل السلطات القضائية فترة لا تتجاوز نهاية الأسبوع القادم للمضي بهذا المطلب.
وجاءت تغريدة الصدر، ردًا على تصريح المالكي المتلفز، الذي بثته قناة آفاق، التي يمولها، الذي قال فيه: " لا حل للبرلمان، ولا تغيير للنظام، ولا إنتخابات مبكرة إلا بعودة مجلس النواب إلى الإنعقاد"
وقد حذّر مراقبون للمشهد السياسي العراقي من حصول صراع شيعي-شيعي على الأرض بعد دعوة الإطار التنسيقي أنصاره إلى الخروج بمظاهرات مناوئة لتظاهرات التيار الصدري، على أعتاب الخضراء، فيما يعتقد المحلل السياسي علي البيدر، أن الحرب الشيعية-الشيعية لا تصب في مصلحة جميع الأطراف لأنها ستؤدي على الأرجح إلى نتيجة حاسمة لهذا الصراع يسود بعدها الهدوء السياسي. و على الأرجح، لم يستشعر أي من الطرفين - أي التيار الصدري والإطار - أنهما سيستفيدان من تلك النتيجة.
وأضاف البيدر قائلًا: "أن الصدر يدّعي أنه يطرح فكرة الإصلاح لكن حسب متابعتي للساسة المرتبطين بالصدر، أجد أنهم لم يحققوا الإصلاح الذي دعا إليه الصدر. كما أن الحلول التي طرحها الصدر لا يمكن تحقيقها دفعة واحدة وبوقت واحد، وإنما تأتي تدريجيًا للوصول إلى نتائج وحلول ترضي الجميع".
وأكمل البيدر حديثه: "يريد الصدر الهيمنة على الشارع الشيعي سياسيًا وإجتماعيًا وحتى دينيًا، وهذه الهيمنة تكون عن طريق اضعاف الخصوم وضربهم، كما من خلال تقريب آخرين للحصول على الزعامة المطلقة. أما فيما يخص المستقبل القريب للمشهد السياسي، سيبقى الوضع مربك، بحالة من نصف حرب ونصف سلم، نصف استقرار ونصف فوضى، ومن خلال تلك الفوضى، يستطيع قطبي النزاع في تحقيق مصالحهم وتمرير كل شيء تقريبًا".
دعوات عراقية ودولية إلى التهدئة وجلب الخصوم إلى طاولة الحوار وحل الازمة الراهنة، لكن ذلك لم يوقف تظاهرات أنصار التيار داخل المنطقة الخضراء التي امتدت لأسبوعها الثاني، إذ دعي صالح محمد العراقي، إلى الاستمرار في التظاهرات بوصفها "مهمة جدًا لتحقيق المطالب". في غضون ذلك، ينبغي على الشعب العراقي أن ينتظر عملية تشكيل الحكومة العراقية، بعدما تعطلت مصالح الشعب نتيجة الجمود والشلل السياسي.