- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تعليق غيث العمري على مقال عبد الحميد حكيم بعنوان "من يملك مفاتيح السلام مع إسرائيل؟"
قد تكون الصيغة التاريخية المستعرضة في المقال بعنوان "من يمتلك مفاتيح أبواب السلام مع إسرائيل" قابلة للنقاش، ولكنّ توجهه العام إيجابي ودقيق في آنٍ معاً: يعتمد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالفعل خطابة جديدة بشكل جذري في ما يتعلق بإسرائيل وقد خلقت التطورات الإقليمية نقطة التقاء لمصالح أعداء قدامى، مما يمثّل فرصة ينبغي استغنامها لصالح المنطقة بأسرها. ولكن يغفل المقال الحاجة إلى التقدم في المسار الفلسطيني من أجل تحقيق تقارب عربي أوسع نطاقاً مع إسرائيل.
تذكّر فكرة "عملية السلام بين الدول المعتدلة – بقيادة المملكة العربية السعودية – وإسرائيل" بنهج "تخصيص السبل بحسب احتياجات المستفيد" والذي تمت الدعوة إليه في الأيام الأولى لإدارة ترامب: إبرام السلام مع العرب أولاً فيتبعهم الفلسطينيون. ومع ذلك، وكما اكتشف مؤيدو هذا النهج بسرعة، ثمة حدود لمدى استعداد الدول العربية للقيام علناً باحتضان إسرائيل بدون تحقيق تقدم على الجبهة الفلسطينية. ثمة أسباب كثيرة لذلك، وليس التعاطف العربي مع الفلسطينيين بالضرورة من أهم هذه الأسباب. يشعر معظم الزعماء العرب اليوم بالإحباط من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ويغضبهم الخلل الوظيفي في السياسة الفلسطينية، وما عادوا يعتبرون أنّ حلّ هذه القضية أولوية متقدمة – أو قابلة للتحقيق.
بدلاً من ذلك، أسباب التردد العربي متجذرة في حساب أكثر واقعية للتكلفة والعائد. تحصل الكثير من الدول العربية اليوم على الكثير مما تحتاج إليه من إسرائيل بدون تكلفة سياسية كبيرة، وبالتحديد التعاون في المسائل العسكرية والأمنية لمواجهة التهديدات والأعداء المشتركين. وعلى الرغم من أنّ هذا التعاون هو أحد الأسرار الأسوأ إخفاءً في الشرق الأوسط، تتيح طبيعته غير الرسمية لهذه الدول الحفاظ على قدر من الإنكار ودفع أقل سعر سياسي. وعلى الرغم من أنّ المشاركة العلنية مع إسرائيل ستعود بالكثير من المنافع على الدول العربية في العديد من المجالات المدنية – سواء كانت التكنولوجيا أو الزراعة أو الطب...، يمكن الحصول على معظم ما يمكن أن تقدمه إسرائيل في هذه المجالات من مكان آخر بدون أن تضطرّ هذه الدول إلى دفع ثمن سياسي.
يمكن من الناحية النظرية القول إنّ المشاركة العلنية مع إسرائيل لن تؤدي إلى تكبد تكلفة سياسية كبيرة في العالم العربي اليوم بالنظر إلى تعدد التحديات الأخرى التي تواجه المنطقة وبلوغ جيل أقل تماهياً مع التيارات الأيديولوجية المحددة في المقال، سواء كانت هذه التيارات الإسلامية أو القومية العربية. ولكن في الواقع، يبدو أنّ القادة العرب يعتبرون هذه التحديات السياسية حقيقية أو هم على الأقل غير راغبين في اختبار هذه الفرضية لتحديد مدى صحتها. وعلى الرغم من أنّ البعض يتحسرون في السر على هذه القيود ويعربون عن رغبتهم في إقامة علاقة أوثق مع إسرائيل، ليسوا راغبين في اعتماد مواقف ضد المواقف الفلسطينية بشكل علني. وكانت هذه الديناميكية في أوج وضوحها في أعقاب اعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل. ربما رغب العديد من القادة العرب في ردة فعل أكثر خفوتاً على هذا القرار وقام بعضهم فعلاً بشحذ الفلسطينيين في هذا الاتجاه، ولكن لم يختر أحد منهم في نهاية المطاف مواجهة الفلسطينيين في العلن وانضموا جميعاً إلى طابور إدانة الإجراء الأمريكي.
في حين تبقى معالجة القضية الفلسطينية شرطاً للمشاركة العربية الإسرائيلية الأوسع نطاقاً في العلن، تم إحراز تقدم على هذا الصعيد أيضاً. كان النهج العربي في الماضي، وكما هو مذكور في مبادرة السلام العربية، يقتضي بالحصول على كل شيء أو لا شيء: عندما تحقق إسرائيل السلام الكامل مع الفلسطينيين (وسوريا ولبنان)، ستحصل على اعتراف وتطبيع كاملين. وغني عن القول إنّ هذا لم يولد لا السلام ولا التطبيع. ثمة نبرة جديدة اليوم تشير إلى الرغبة في تبني نهج أكثر دقة يمكّن من خلاله التقدم الهادف على المسار الفلسطيني اتخاذ بعض الخطوات نحو التطبيع العربي مع إسرائيل.
وكما حدد كاتب المقال بشكل صحيح، ثمة فرصة جديدة للتقدم نحو السلام الإقليمي. وقد يؤدي الإفراط عن طريق محاولة تجاوز القضية الفلسطينية إلى تبديد هذه الفرصة. وقد نتمكن من الانطلاق على طريق السلام الإقليمي بفضل اتباع نهج أكثر شمولاً يتضمن التقدم على المسار الفلسطيني – ضمن حدود ما هو ممكن واقعياً بالنظر إلى البيئة السياسية.