- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تعليق حسن منيمنة على مقال "التحوَّل السلمي في السودان: ألغام منتصف الطريق"
تتكرر المواجهة، في هذا «الربيع العربي» بنسخته الثانية، في كل من الجزائر والسودان، بين من يرى أن الحكم من صلاحية القيادة المتغلبة، ومن يريده وفق قراءته للدين، ومن يعتبر أن المواطن هو مصدر السلطة، ويبدو أن جميع هؤلاء قد استفادوا من دروس النسخة الأولى لهذا «الربيع» عام ٢٠١١، فكل منهم يتحوّط من تكرار النتائج المتضاربة مع مصالحه، كما جرى في ما سبق. فالمؤسسة العسكرية في كلا البلدين تتجنب الخطوات التي من شأنها أن تثير الجمهور المعترض، وتستعيض عنها بالتروي بانتظار تشتت العزم لديه. والإسلاميون هنا وهنالك أكثر تحفظاً إزاء زعم الدور القيادي في الجزائر أو إزاء إشهار مناصرة النظام الذي تماهوا معه على مدى الأعوام في السودان. وفي المقابل، فإن دعاة سيادة المواطن وتحقيق الديمقراطية أكثر جرأة وإصراراً في الدفاع عن مبادرتهم ومطالبتهم بالحكم المدني. على أن الساحة ليست متساوية في الفرص التي تقدمها لهذه الأطراف المختلفة، كما يبيّن ذلك جلياً بشأن السودان في هذا المقال الهام.
فالكاتب يبيّن إدراك الحراك المدني لطبيعة التكرار في بنى أدوات السلطة، وهو مصيب في تقييمه أن هذه الشبكة المتشعبة من أجهزة الأمن ووحدات العسكرية والفصائل المسلحة تشكل خطراً حاضراً خلال المرحلة الانتقالية وكذلك فيما يتجاوزها. ويأتي الكاتب على ذكر حالة حزب الله، والذي يتواجد خارج إطار الدولة اللبنانية، ويشير أيضاً إلى ليبيا، بما آلت إليه من تشتيت أمني ومكاني.
ربما أن الحالة الأقرب إلى المقارنة هي العراق، حيث كان اعتماد نظام طغيان آخر طوال أعوام استبداده على التكرار في البنى الأمنية للتعويض عن انخفاض الفعالية فيها، وللتحوّط إزاء الشروخ في الولاء. فصدام حسين كما عمر البشير، كان قد عمد إلى استيعاب الجهات المعتدية والمتعادية في بلاده، كل على حدة، لغرض الإمساك الثابت بالسلطة.
وفي الحالة العراقية، وعلى الرغم من القوة الفائقة للولايات المتحدة وما أقدمت عليه من إجراءات، بل كذلك بسبب بعض هذه الإجراءات بما في ذلك حلّ القوات المسلحة والتسرّع في اجتثاث الحزب الحاكم، فإن أثر مخلفات النظام استمر بمفعوله المؤذي لزمن طويل، ولم تنجح محاولات التخلص منه بالكامل إلى اليوم. بل يمكن القول أن نظام صدام حسين من خلال منتجاته المباشرة وغير المباشرة، بما في ذلك تنظيم «الدولة الإسلامية»، لا يزال مستمراً بالترويع إلى اليوم. فهذه وقائع تدعو إلى التأمل فيما يتعلق بمساعي التغيير الإيجابي في السودان اليوم.
فالسودان، والذي لم يحصل على ما يتمناه من الدعم الحقيقي لحراكه المدني، على استعداد أقل لمواجهة الحالة العضال للبنى الأمنية المتراكمة من العراق، حيث قاد المسعى لتفكيك النظام ائتلاف دولي واسع. فالاحتمال كبير أن تقدم القوى المسيئة في السوادان على التحرك لاغتنام نقاط الضعف التي لا بد أن تظهر. وكما في العراق، فإن عواقب هذه الأفعال لن تقتصر على السودان أو جواره الأفريقي الشرقي، بل إن التواصل بين القوى المدمّرة، من الجزيرة العربية وصولاً إلى الساحل والمغرب قائم للتوّ.
فإمكانية أن يتشظى السودان وأن يمسي مربض استقطاب لجهاد متجدد، أو إمكانية أن تعمد المؤسسة العسكرية إلى «إنقاذ» السودان من هذا المصير وأن تتخذ المواقف المعادية للإرهاب الجهادي فيما هي تقمع كل حراك مدني، من المسارات التي تهدد التحول المرتقب الهشّ. وإذ الناشطون السودانيون الداعون إلى سيادة المواطن مدركون بالتأكيد لهذه الإمكانيات، فإن أقل الواجب من جهة أصدقائهم، وإن لم يتمكنوا من تقديم الدعم المادي، فهو تنبيه العالم إلى الخطر البين والتداعيات المقلقة لظهور السلطويين والجهاديين، بما في ذلك الكشف عن الجهات الخارجية التي تبدو مستعدة للاصطفاف الضمني لمناصرتهم.
اقرأ المقال الأصلي هنا.