- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تعليق حسن منيمنة على مقال همبرفان كوسه «مخيّم الهول: حواضن محتملة للإرهاب والتطرف»
يقدم همبرفان كوسه في مقاله «مخيّم الهول: حواضن محتملة للإرهاب والتطرف » وصفاً دقيقاً لمسألة التطرف في صفوف مقاتلي تنظيم الدولة وأسرهم في مخيم الهول، ويطرح بعض المقترحات المثيرة للنقاش حول السبيل إلى حلها. على أنه لا بد من التشديد على أن المعضلة التي تواجهها منطقة الحكم الذاتي في الشمال الشرقي السوري في الهول هي على الراجح جزء أصيل من خطة طويلة الأمد يعتمدها تنظيم الدولة الإسلامية في إدارته لهزائمه المرحلية وليست نتيجة عرضية للمعركة. وتبيان هذه الخطة من شأنه المساعدة في اتخاذ الخطوات التي تجنب الوقوع في فخ تمكين التنظيم مع الاطمئنان الواهم بأن الهزيمة قد ألحقت به.
في حين كان التنظيم يعلن لجمهوره في أرجاء العالم أن قيام «دولة الإسلام» من أمارات اقتراب الساعة وبقاؤها وعد إلهي، فإن قيادته اتخذت خطوات تفيد بأنها كانت مدركة بأن نهج الفتوحات الذي أدّى إلى توسع سيطرته على الأراضي غير قابل للاستمرار. وعليه، فالتصعيد الذي أقدم عليه التنظيم من خلال العمليات الفظيعة التي استهدفت الأشخاص والأهداف المرتبطة بالغرب لم يكن خطأ في حساب النتائج بل كان ضربة استباقية على غرار ما شهدته الولايات المتحدة في پيرل هاربور خلال الحرب العالمية الثانية، تهدف إلى التحكم بتوقيت اندلاع المواجهة مع الغرب.
سعى تنظيم الدولة، في إطار إدارته لهزيمته المرتقبة. إلى اختيار من يتمكن من مواجهته من الأعداء، وإلى تحديد طبيعة المعارك التي يخوضها، كأن يمنح خصومه «الانتصارات المرّة»، دمار ولاجئين وموارد مهدورة، أو أن يتخلى عن المواجهة وينسحب تاركاً لدى أعدائه الارتباك. وفيما يتعلق بالنواة الموالية المؤلفة من عائلات الجهاديين، فإن السردية ابتدأت قبل الهزيمة لتبرز العزيمة الصلبة والبطولة والإخلاص والمدى الجيلي. ومن أجل الأغراض الدعائية، سمح تنظيم الدولة خارج المألوف بإظهار النساء (بالنقاب الكامل) في الإصدارات المرئية حول الباغوز، ملحمة الثبات الأخيرة في الابتلاء الأخير الذي أصاب المؤمنين. ومنذ أن جرى أسر هذه العائلات، والسردية تركّز على العزة رغم الصعوبات، وعلى التسخير الإلهي لأعداء المسلمين في إعادة تشكيل جيش الدولة الإسلامية.
ويتوجب التشديد، دون أي انتقاص من إنجازات «قوات سوريا الديمقراطية» وتضحياتها، أن تنظيم الدولة قد فضّل أن تكون وحدات حماية الشعب وحلفاؤها من يكسب المعركة الأخيرة بمواجهته، سواءاً للتعويل على أن يؤدي الانخراط الغربي بدعمها إلى ضبط سلوكها ومعاملتها للأسرى بما يسمح للتنظيم باستغلال الوقائع، أو لتمكنه من التشهير بعقائدها وقيمها على أنها نقائض للإسلام بما يضمن المزيد من اللحمة بين الأسرى من أتباع التنظيم.
فالمجتمع الدولي، من خلال تخليه عن الأسرى من أتباع التنظيم من غير المقاتلين وتركهم في عهدة الإدارة الذاتية في الشمال الشرقي السوري، حيث ثمة معايير للالتزام المدني، يسمح للتنظيم بتحقيق هذين الوجهين من توقعاته، كما يتبين استقرائياً. ومن الصعب توقع أن تتمكن أية محكمة تقام في الشمال الشرقي السوري، على غرار ما يقترحه كوسه، من التصدي لهذا الاستغلال. بل ما لا شك فيه هو أن المزيد من الاستثمار الدعائي سوف يحصل نتيجة تطويع الخطوات التي قد تقدم عليها أية محكمة هنا.
إذا كان الهدف منع تنظيم الدولة من تشكيل جيشه العتيد، لا بد بالمطلق من إغلاق مخيم الهول. والسبيل الأنجع قد يكون إقامة صندوق عالمي للإشراف على إعادة أتباع التنظيم إلى أوطانهم الأولى، وفق مقتضى القانون الدولي، وتمويل كلفة العودة، على أن يجري إعداد البرامج محلياً في كل دولة، بأشراف ومتابعة عالمياً، لإعادة تأهيل هؤلاء فكرياً وإعادة دمجهم اجتماعياً. فالأسرى في مخيم الهول، هذا الجيش العتيد لتنظيم الدولة، لا يجوز أن يستمر تجميعهم بما يسمح بحضانة التطرف ونموه، بل يجب العودة بهم إلى حقيقتهم، فهم عائلات من أصول وطنية مختلفة استولى عليهم هذا التنظيم الإرهابي وورّطهم في إطار سالب لقرارهم.
لم تنتهِ الحرب على تنظيم الدولة البتة. والخروج من ساحة المعركة وسط المواجهة المستمرة هو تسليم لتنظيم الدولة بانتصار من شأنه أن يكلّف العالم، بالأرواح والأموال، ما يفوق دون حساب الأرصدة المطلوبة اليوم لمعالجة المسألة.
تعليق نتيجة المستجدات: تفسح إدارة الرئيس ترامپ المجال، من خلال إعلانها الانسحاب من مواقعها المتقدمة في الشمال الشرقي السوري، أمام مواجهة بين حلفائها. هذه أخبار طيبة بالنسبة لتنظيم الدولة، ذلك أن العملية العسكرية التركية التي تستهدف منطقة الحكم الذاتي لحزب الاتحاد الديمقراطي في الشمال الشرقي السوري توفّر لهذا التنظيم فرصاً عديدة يمكن له الاستفادة منها، أخطرها دون شك تلك التي قدّمها الرئيس الأميركي نفسه من حيث لا يدري، إذ أعلن أن المسؤولية عن الأسرى من مقاتلي تنظيم الدولة سوف تحول إلى تركيا بعد إقامتها للمنطقة الآمنة في المنطقة.
فأنقرة، والتي أثبتت مراراً توجهها إلى تجيير تحركات تنظيم الدولة في مواجهتها لحزب الاتحاد المرتبط بحرب العمال الكردستاني، لا يمكن أن تتولى عهدة ما خلّفه تنظيم الدولة من المقاتلين وعائلاتهم. تركيا تسعى علناً إلى منع حزب الاتحاد من الاحتفاظ بمنطقة حكم ذاتي من خلال تقليص مساحتها مكانياً وتبديل تنركيبتها سكانياً، مع استقدام أعداد اللاجئين السوريين للإقامة فيها. ومن شأن هذا التوجه أن يقدّم لتنظيم الدولة هنا إمكانية تحقيق ما أنجزته جبهة النصرة في محافظة إدلب، أي المثابرة على التخريب عندما تكون المعارضة لها قوية، والاستئساد وفرض إرادتها عندما تمسي المعارضة لها ضعيفة. وسوف يتبين على الراجح الخطأ في تخلي الولايات المتحدة عن حضورها في الساحة السورية. على أنه إذا كانت الرغبة لدى واشنطن ألا يتدحرج الوضع إلى حد الكارثة، فإنه لا بد للإدارة الأميركية من الاحتفاظ بما خلّفه تنظيم الدول في مخيم الهول تحت رقابتها.