- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تعليقاً على مقالة علا الرفاعي بعنوان: لإنقاذ سوريا، على الأسد أن يتنحّى...
28 شباط/فبراير 2018
لا مساعدة من موسكو
مقال السيدة الرفاعي المدروس يدعو إلى التنسيق الأميركي الروسي لإجبار الرئيس الأسد على التخلي عن السلطة. ولسوء الطالع، أشك كثيرا في أن الروس سيهتمون بهذه النتيجة لأسباب عديدة.. لسوء الحظ، أشكّ كثيراً بأن يهتمّ الروس بهكذا نتيجة لأسباب عدّة.
أوّلاً، يتحالف السوفيات أو الروس مع عائلة الأسد منذ تبوّئها السلطة في مطلع سبعينيات القرن الماضي.
ثانياً، والأهمّ، هو أنّ إنقاذ موسكو للأسد بتدخّلها العسكري عام 2015 قد منح بوتين انتصاراً في السياسة الخارجية. فقد قدّم هذا النصر روسيا إلى العالم بقوّة سياسية وعسكرية، وذلك بعيداً عن الانتكاس الملموس الذي بدأ خلال ثمانينيات القرن الماضي في ظل حكم غورباتشوف. ففي الواقع، يعتقد الروس على الأرجح أنّ الرئيس الروسي قد "أعاد روسيا إلى عظَمتها"، وذلك خلافاً للرئيس الأمريكي.
ثالثاً، لا شكّ أنّ الروس يعتقدون عن صواب أنّه في حين عارض العالم العربي السنّي تدخّلهم، أدركت الدول السنّية واقع القوّة الروسية الناجحة. وما يثبّت هذا أكثر هو أنّ تركيا قد تخلّت عن محاولة الإطاحة بالأسد لصالح احتواء الحركات الكردية السورية، وربّما بمساعدة روسية. وقررت السعودية ومصر كذلك التقرب من موسكو، إذ قامت بشراء معدات عسكرية روسية، وذلك للمرّة الأولى على الإطلاق في حالة الرياض، أو للمرّة الأولى منذ عقود في حالة القاهرة.
رابعاً، من المرجح أنّ الروس يعتقدون بصدق أنّهم خدموا سوريا والشرق الأوسط والعالم من خلال إبقائهم قائداً علمانياً معادياً للجهاديين في السلطة. إلّا أنّ واقع أنّه طاغية أيضاً، كما تشير الآنسة الرفاعي بشكل بليغ في مقالتها، لا يزعجهم كثيراً. ففي النهاية، يُعدّ الرئيس بوتين ديكتاتوراً بشكل أو بآخر بدوره.
ورأى الروس أنّ البديل عن الأسد هي قوّات دينية متطرّفة معارضة يقودها محاربو "النصرة" المرتبطون بتنظيم "القاعدة". كما اعتبروا تدخّلهم لإنقاذ النظام خطوةً تصحيحية للتدخّلات العسكرية الغربية الأخيرة الإشكالية للإطاحة بالأنظمة في العالم العربي. ففي النهاية، يعتقد حتّى الكثير من الأمريكيين اليوم أنّ تدخّل حلف الناتو وما تلاه من إطاحة للرئيس القذافي في ليبيا عام 2011 كان خطأً، وقد نتج عنه مرحلةً من الحرب الأهلية المستمرّة حتّى اليوم. وكذلك الأمر في أوروبا والولايات المتحدة، يشعر الكثيرون أنّ التدخّل في العراق عام 2003 للإطاحة بطاغية علماني قد كرّ سبحة الحرب الأهلية. وأوافق الرأي بأنّ التدخّل في ليبيا كان خطأً، لكنّ التدخّل في العراق أكثر تعقيداً نظراً إلى أنّ الاستخبارات الأمريكية قد ظنّت عن صدق بأنّه كان لدى صدّام برامج أسلحة نووية وبيولوجية متطوّرة. وفي كل الأحوال، لم يكن التدخّل انتقاماً شخصياً، كما تقول الآنسة الرفاعي.
ولكل هذه الأسباب، من الصعب أن يجبر الروس الأسد على التخلّي عن السلطة. ولا شكّ أنّهم سيدفعونه إلى توسيع حكومته من خلال مدّ اليد إلى السوريين السنّة. ولا شكّ أنّه سيحاول توسيع قاعدة حكمه من خلال فعله ذلك. إلّا أنّه لا أحد يتخلّى عن السلطة عندما يكون قد تخطّى تجربةً لامست الموت كما فعل الأسد.
لا تتّكلوا على الأمريكيين (أو الإسرائيليين)
تشير الآنسة الرفاعي بشكل مساعد إلى أنّ الأمريكيين (وآخرون) يتمتّعون بوجود عسكري في شمال وشرق سوريا لدعم "قوّات سوريا الديمقراطية"، وهي عبارة عن تحالف بين الأكراد والعرب وبعض المسيحيين الآشوريين المحلّيين ضد "الدولة الإسلامية". إلّا أنّ هدفها هو الحؤول دون عودة "الدولة الإسلامية"، وربّما احتواء الأنشطة العسكرية الإيرانية. وما بيد هذه القوّات التأثير على سيطرة الأسد المتزايدة على باقي البلاد.
ففي حين دمّرت إسرائيل جزءاً كبيراً من دفاعات سوريا الجوّية في مطلع شهر شباط/ فبراير، كان الهدف الرئيسي ضرب القاعدات العسكرية الإيرانية. ولا يتوهّم معظم الإسرائليين بقدرتهم على زعزعة قبضة الأسد على السلطة، إلّا أنّ جلّ ما يريدونه هو التقليص من أو الإطاحة بالوجود الإيراني. فيمكنهم التأقلم مع وجود الأسد.
الشعب السوري منهك، لكنّ مستقبل الأسد على المدى البعيد متزعزع
في الوقت الراهن، أعتقد أن الشعب السوري منهك من الحرب الأهلية المتواصلة. إذ يريد الكثيرون، بمن فيهم السنّة، فترة سِلم حتّى إن كانت تحت حكم الديكتاتور العلوي القديم. والأرجح أنّ بعض أفراد طبقة التجّار السنّة في المدن والجماعات الكردية قد يوافقون على نوع من "المصالحة" الشكلية مع نظام الأسد، إلّا أنّ الكثيرين قد يتمنّون لو أنّه خسر الحرب الأهلية.
غير أنّه على المدى الأبعد، ليس مستقبل نظام الأسد بمضمون. إذ تبقى حكومته ضيّقة القاعدة، كما تشير الآنسة الرفاعي. إذ يشكّل العلويون ما بين 10 و15 بالمئة فقط من السكّان. ويتمتّعون بمعدّل ولادات أدنى بكثير من السكّان السنّة الأقلّ تمدّناً. أمّا الأقلّية المسيحية فقد تميل إلى دعم الأسد العلماني، إلّا أنّ أولويّتها على الأرجح هي الهجرة. وسيتمثّل العنصر المتغيّر المهمّ في عدد اللاجئين السنّة الهاربين من سوريا الذين سيعودون. ولسخرية القدر، إنّ سياسة الترحيب باللاجئين التي اعتمدتها رئيسة الوزراء الألمانية أنغيلا ميركل، والتي كانت حسنة النيّة لكن مخطئة، قد ساعدت الأسد على البقاء في السلطة.
وبالرغم من ذلك، سيبصر جيل سوري جديد لم يتأثّر بأهوال الحرب الأهلية النور في نهاية المطاف. فقد يكون هذا الجيل مستعدّاً لتحدّي قبضة عائلة الأسد على السلطة. فلنأمل ألا يخذله المجتمع الدولي مرةً أخرى.