- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تقييم الإستراتيجية الوطنية لمواجهة التطرف العنيف في الأردن
شهد منتصف ديسمبر عام 2016 عملية إرهابية من تنفيذ إحدى الخلايا الإرهابية، وقد انطلقت فصولها من بلدة القطرانة على الخط الصحراوي جنوب الأردن، لتحتدم بفصلها الدموي في قلعة الكرك الأثرية، ولم يسدل الستار على نهايتها إلا بعد مقتل أربعة إرهابيين، وأربعة من رجال الأمن العام، وثلاثة من قوات الدرك، ومواطنين اثنين، وسائحة كندية. كما أصيب العشرات من مرتبات الأمن العام وبعض الأجانب.
وبالنظر إلى التهديدات التي يشكلها الإرهاب حاليا على الأردن، سنكتشف أن هذا الهجوم لا يمثل حادثا منفردا، ووفقا لبعض الدراسات الصادرة عن دائرة الأبحاث في الكونغرس الأميركي، يقدر عدد المقاتلين الأردنيين الذين انضموا لتنظيم "داعش" في كل من سوريا، والعراق، وليبيا، وبعض المواقع الأخرى، منذ عام 2011 بنحو أربعة آلاف مقاتل. ويمثل-احتمال- عودة هؤلاء أو بعضهم مشكلة كبيرة بالنسبة للأردن، حتى أن الدولة الأردنية تتمنى لو أنهم لم يعودوا، إذ أنهم ينقلون خبراتهم العسكرية والقتالة والتنظيمية إلى كل المتعطشين للقتال بالأردن. ولتجاوز هذه المعضلة قامت الدولة هناك، بتعديل قانون مكافحة الإرهاب، وتجريم الانضمام إلى جبهة النصرة وداعش والمنظمات الإرهابية والترويج لها عبر أي وسيلةٍ كانت، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي ، كما سمح القانون برفع حدة الرقابة على المساجد والخطاب الديني بصورة أكثر قوة مما سبق.
وتبع ذلك منذ عام 2014 قيام "مجلس السياسات الوطني" واللجان المتخصصة التابعة له بحملة واسعة على كافة المستويات الحكومية الأمنية، والوزارات المعنية (وزارة الداخلية، وزارة الثقافة، وزارة الأوقاف، وزارة التنمية الاجتماعية، وزارة الخارجية، وزارة التربية) للخروج بإستراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف تمخضت عن إنتاج "الإستراتيجية الوطنية لمواجهة التطرف العنيف" عام 2014. والتي تم نشر تفاصليها في الصحف المحلية الأردنية عام 2016 تحت اسم "الخطة الوطنية لمواجهة التطرف". وقامت الحكومة بتشكيل لجنة لمكافحة التطرف قامت بوضع إطار مرجعي يتكون من ثلاثة محاور رئيسية هي المحور الثقافي الديني والمحور الديمقراطي ومحور حقوق الأنسان.
يؤكد المحور الثقافي الديني على ضرورة دعم وترويج ثقافة دينية إسلامية صحيحة أصيلة منطلقة من مقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت لحفظ المقاصد الخمس الأساسية وهي ما يسميها الأصوليون المقاصد الكلية التي جاء الدين لتحقيقها، وهي أن يحفظ للناس (دياناتهم وأنفسهم وعقولهم وأنسالهم وأموالهم). أما بالنسبة للمحور الديمقراطي، يرى الأردن أن غياب الديمقراطية غالبا ما يؤدى إلى ازدهار ثقافة العنف والتطرف بأشكالها المختلفة. ومن ثم، دعت الإستراتيجية إلى تعزيز القيم الديمقراطية في الحرية والعدالة والمساواة واحترام الأديان والأقليات ونبذ التشدد الديني والطائفي. وفى يخص محور حقوق الأنسان، دعت الإستراتيجية المطروحة إلى تأصيل قيم التسامح والتعددية وثقافة احترام حقوق الإنسان وترسيخها وقبول الآخر من خلال المؤسسات المعنية بالتوجيه والتربية مثل وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية ووزارة الثقافة والمؤسسات الشبابية والإعلامية ودائرة الإفتاء.
أثارت تلك الإستراتيجية منذ نشرها في وسائل الإعلام المحلية الكثير من النقاش، وردود الفعل الواسعة منها الإيجابي، من حيث أنها إستراتيجية تشاركية، حيث تتكاتف فيها جهود جميع المؤسسات المعنية الرسمية وغير الرسمية في البلد. ومنها السلبي الذي يتعلق بنقد مضمون وشكل الإستراتيجية وتوزيع الأدوار بين الفاعلين فيها، وضعف التنسيق بين الجهات الشريكة في الإستراتيجية.
في ضوء الارتفاع المحتمل لتلك العمليات الإرهابية على المستوى المحلى، بجدر بنا إعادة النظر في تلك الإستراتيجية الوطنية وتقيمها، نظرا لان بنية تلك الإستراتيجية قد صيغت بطريقة دينية وعظّية، ومعظم بنودها مرتبطة فقط بتحسين ظروف وبيئة العمل في الوزارات والمؤسسات المشاركة في الإستراتيجية، وليس في كيفية معالجة الإرهاب والتطرف.
ومن أهم الانتقادات التي وجهت لتلك الإستراتيجية هو أنها تعاني من ضعف شديد في إدراك الأسباب والمداخل التي يتسرب منها الفكر المتطرف، كما أخفقت أيضا في إيجاد روابط قوية متينة بين المؤسسات والوزارات ودفعهم على التنسيق في ما بينهم لبناء خارطة متكاملة. فعلى الرغم من تأسيس مديرية خاصة لمكافحة التطرف، إلاّ أنّ التصور الرسمي لهذه المديرية بقي متذبذباً غير مدرك للدور الذي يمكن أن تؤديه على الصعيد المدني، فتم ربط الإستراتيجية بداية بوزارة الداخلية، ثم نقلها إلى وزارة الثقافة، ولم تخصص لها موارد حقيقية، ولم تعط نفوذاً للدخول إلى عمل المؤسسات والوزارات المعنية والتنسيق الكامل معها.
على الرغم من أن اهم ما يميز الإستراتيجية الوطنية هو أنها تشاركية، إلا أن ملفها لا زال يصنف على انه "سري" ويخضع لإشراف دائرة المخابرات العامة، مديرية الأمن العام، وزارة الداخلية، وزارة التنمية الاجتماعية، ووزارة الأوقاف. كما يؤخذ على الإستراتيجية أيضا أنها لم تطرق الإستراتيجية إلى الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تؤدى إلى التطرف منها فشل مشاريع التنمية، وتفشى الفقر والبطالة، وغياب العدالة الاجتماعية، والفساد، واحتكار الثروة، بل سلكت الطريق السهل والمتمثل في إصدار بعض القوانين الملائمة مثل قانون صندوق الاستثمار الأردني، وفى تعديل الدستور وفقا لمتطلبات الموسم الانتخابي.
تطرقت الإستراتيجية أيضا لدور وزارتي التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي وتناولت موضوع تحديث لمناهج بشكل يتوافق مع "الإسلام الوسطى" وهو مصطلح غير مضبوط علميا ولا يوجد له تعريف دقيق. وبدلاً من أن تقوم الإستراتيجية المقترحة بتقييم أداء وزارة الأوقاف التي تشكل "المنظومة الفكرية الإسلامية" التي ترعاها أحد مصادر التطرف، قامت الإستراتيجية بمحاولة تبرئة الوزارة من تلك الاتهامات وعمدت إلى تعزيز قدراتها وتمكينها من خلال زيادة عدد الوعاظ والأئمة والمؤذنين.
بالإضافة إلى ذلك، تبنت الإستراتيجية مقاربة لمواجهة التطرف تمكن كلا من وزرارة الأوقاف ودائرة الإفتاء من احتكار شرعية الحديث باسم الإسلام وتفسيره وتأويله، حيث قدمت بعض الخطوات الإجرائية التي تتحكم في منظومة الوعظ، والإرشاد والخطابة والمساجد لضمان الالتزام بالخطاب الديني للسلطة. ومن الجدير بالذكر أن تلك الشرعية التي يُراد احتكارها لا تعترف بها تيارات الإسلام السياسي العنيفة وغير العنيفة مما يساهم في تعزيز حجج تلك التيارات من خلال متناقضة الاعتدال التي تتبناه تلك الإستراتيجية.
وختاماً؛ وحتى يتسنى لتلك الإستراتيجية أن تنجح، فمن الضروري إخضاعها لمبدأ الشفافية والتقييم النقدي، والتغذية الراجعة، وتسهيل حصول الباحثين والدارسين والإعلاميين على المعلومات اللازمة حوله ضمن إطار المبدأ المعروف "الحاجة إلى المعرفة" بما يساهم في النهاية في تشارك كافة الأطراف الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني في مسيرة مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف دون المساس بالأمن الوطني أو الدولي. كما يجب تعزيز تلك الإستراتيجية بخبراء في علم نفس والسياسة، والاجتماع والشريعة، وأشخاص خبراء في الإرهاب والتطرف العنيف مؤهلون للحوار والنقاش مع حملة الأفكار الإرهابية. ومن ثم، فإن إشراك قطاعات واسعة من المجتمع الأردني بشكل يتجاوز القنوات الحكومية التقليدية، سيساعد السياسية الأردنية في مجال مكافحة الإرهاب لأن تصبح أكثر فعالية وأكثر مراعاة للتهديدات الحالية والمستقبلية.