- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تراجع أسعار النفط يشير الى الحاجة إلى مشاركة أمريكية أوسع في الخليج
شهدت أسواق النفط العالمية خلال عام 2020 انخفاض كبير في أسعار النفط الخام نتيجة تفشي وباء فيروس كورونا. وعلى الرغم من أن سعر النفط الخام قد استقر منذ ذلك الحين عند سعر أقل بقليل من 40 دولارًا للبرميل، بقيت أسعار النفط ثابتة بمعدل 40٪ فقط من سعرها في بداية عام 2020. أدت سياسات احتواء الفيروس والإغلاق الذي مارستها حكومات اغلب الدول إلى تراجع الطلب وزيادة المعروض، وهو ما أدى إلى انخفاض الطلب العالمي على النفط، وترك أثرا دائما على تلك البلدان التي تعتمد عائداتها على النفط.
مثل تراجع أسعار النفط مصدر قلق كبير لبلدان منطقة الشرق الأوسط والخليج وجه الخصوص لاعتمادها بشكل أساسي على الإيرادات النفطية لتغطية نفقاتها، حيث اضطرت العديد من دول الخليج للشروع في تنويع اقتصاداتها عوضا عن الاعتماد على النفط. وفي حين كان مستقبل دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط موضوعًا للنقاش بشكل متزايد داخلها، إلا أن الولايات المتحدة يحب أن تدرك المخاطر الاقتصادية المزدوجة الناتجة عن تفشى وباء فيروس كورونا، وما تلاه من انخفاض لأسعار النفط التي من المحتمل أن تؤدى إلى زعزعة الاستقرار بشدة. وعلى هذا النحو، فإن الابتعاد عن الدبلوماسية حول سوق النفط، وخاصة في المنطقة، يجب أن يُفهم على أنه مصدر تهديد للمصالح الأمريكية ويجب التعامل معه وفقًا لذلك.
بالنسبة لحلفاء أمريكا في المنطقة، كان لانخفاض أسعار النفط نتيجتين رئيسيتين. بالنسبة لدول الخليج، كان تأثير انخفاض أسعار النفط الخام على السعودية طفيف نظرا لامتلاك المملكة احتياط مالي استراتيجي يقدر ب 700 مليار دولار تقريباً. كما سعت دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بالفعل إلى تنويع اقتصاداتهم تحسبا لحدوث انخفاض عالمي في الطلب على النفط الخام مع تحول المزيد من الدول نحو الطاقة المتجددة. ومع ذلك، شهدت السعودية خلال الربع الثاني من العام انخفاضًا في اقتصاداتها النفطية وغير النفطية على حد سواء، حيث تقلص اقتصادها بنسبة 5.3٪ و8.2٪ على التوالي. وارتفعت نسبة البطالة أيضًا إلى 15.4٪، مما يعكس التأثير المستمر لأسعار النفط المنخفضة وانخفاض الطلب.
إن الوضع في العراق، الذي كانت بؤرة تنافس بين المصالح الامريكية والإيرانية، أسوأ بكثير، حيث أثر تراجع أسعار النفط الخام بشكل رئيسي على اقتصاده الريعي الذي يعتمد بنسبة 93% على عائدات النفط وتسبب في حدوث أزمة اقتصادية كبيرة أبرزتها "الورقة البيضاء" للإصلاح. وإلى جانب التحديات السياسية المستمرة في البلاد، اضطرت الحكومة العراقية إلى اللجوء للحصول على قروض محلية وأجنبية لتغطية نفقات الدولة – وهو مؤشر خطير لأي حكومة. وعلى الرغم من أن الحكومة العراقية الحالية تعمل عن كثب مع الولايات المتحدة لتعميق العلاقات الثنائية على الصعيدين الأمني والاقتصادي، إلا أن البلاد معرضة لحالة من عدم الاستقرار من جانب أطراف تؤثر على زعزعة امن البلاد.
في حين يتفق الجميع على أن الانخفاض في أسعار النفط يمثل تحديات كبيرة للعديد من دول الشرق الأوسط، فإن تأثير ذلك على السياسة الأمريكية غير واضح. كما يزعم البعض أن انخفاض أسعار النفط والمستويات التي تم تحقيقها مؤخرًا من إنتاج النفط في الولايات المتحدة ستؤدي حتمًا إلى تراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة، خاصة بعد أن أرسل الرئيس ترامب عدة رسائل مفادها" أن الشرق الأوسط لم يعد أولوية لبلاده التي أصبحت منتجاً كبيراً للنفط"، حيث ربط ذلك صراحةً بصعود الولايات المتحدة كمنتج رئيسي للنفط. ومع ذلك، تتجاهل هذه الحجة الأهمية المستمرة للمنطقة بالنسبة للولايات المتحدة، من منظور الأمن القومي والطاقة.
أما بالنسبة لأسواق النفط العالمية، فان زيادة إنتاج النفط الأمريكي لا يعنى بالضرورة استقلال الولايات المتحدة عن السوق العالمية وعن علاقاتها بمنتجي الشرق الأوسط، حيث أبرزت حرب الأسعار بين السعودية وروسيا في مطلع هذا العام أن الولايات المتحدة ستتأثر بذلك بشكل مباشر. وفي هذا الصدد، كان لقيام المملكة العربية السعودية بإغراق الأسواق بالنفط الرخيض بعد رفض روسيا تخفيض إنتاجها أثرا كبيرا على شركات النفط الصخري الأمريكي التي أصبحت على وشك إعلان إفلاسها وتسريح مئات الموظفين منها.
ومع ذلك، ونتيجة التدخل الأمريكي تم جمع الفرقاء (السعودية وروسيا) الى طاولة الحوار لأجراء المفاوضات للخروج من أزمة هبوط أسعار النفط التي دفع ثمنها الكل بلا استثناء، حيث جاء هذا التدخل نتيجة قناعة الولايات المتحدة بأن استمرار انهيار أسعار النفط بهذا الشكل ليس من مصلحتها بل يؤثر على الداخل الأمريكي أيضا، بمعنى أخر أن استمرار هذا الانهيار ليس من مصلحة الجميع. تمخضت هذه المفاوضات بالتوصل أخيرا إلى اتفاق أطلق عليه اتفاق "اوبك بلس" يقضي هذا الاتفاق بتخفيض إنتاج النفط بمقدار. 79 برميل يومياً لشهري أيار حزيران ويستمر التخفيض بنسب معينة للأشهر المتبقية والى نهاية عام 2020. عانت كل من المملكة العربية السعودية وروسيا من العواقب الاقتصادية لحربهما الإنتاجية، وكان الهدف من الصفقة دعم أسعار النفط واستعادة درجة من الحياة الطبيعية.
وفي النهاية، كانت الصفقة ضرورية لجميع الأطراف الثلاثة، الولايات المتحدة وروسيا والمملكة العربية السعودية، حيث جنبتهم حدوث كارثة في قطاعات الطاقة الخاصة بهم. بالإضافة إلى ذلك، وفي حين يمثل إنتاج النفط في الشرق الأوسط أهمية اقتصادية للمصالح الأمريكية، فإن التداعيات الأمنية للحفاظ على الاستقرار مهمة أيضًا، حيث سيشكل هبوط أسعار النفط تحديًا كبيرًا للبلدان التي تعتمد إلى حد كبير على مداخيل النفط لدعم ميزانياتها الحكومية والإنفاق الحكومي. هذا التدهور في الإنفاق الحكومي يمكن أن يؤدي إلى تقويض استقرار النظام في العديد من دول الشرق الأوسط (لا سيما تلك التي تعتمد بشكل أساسي على عائدات النفط)، وإثارة الاضطرابات المحلية، كما حدث في الحرب الأهلية الجزائرية في التسعينيات.
تمتلك الولايات المتحدة أصدقاء وحلفاء في المنطقة يتطلعون إلى الدعم مقابل التزامهم برعاية مصالحها، وأصدقاء قدامى أخرين واجب عليها حمايتهم. ولولا الضغط الأمريكي، ما قامت المملكة العربية السعودية بتخفيض إنتاج النفط الخام وقيادة المفاوضات مع روسيا للتوصل إلى اتفاق والتوقف عن إغراق السوق لغرض إعادة التوازن إلى أسواق النفط العالمية وإنقاذ شركات النفط الصخري الأمريكي. يبرز هذا المشهد مدى قوة الولايات المتحدة في إدارة الاقتصاد العالمي بشكل عام وأهمية الحفاظ على حلفاء مخلصين لها في المنطقة مستعدين للعمل معها والاستماع إليها. ومع ذلك، فإن تراجع الولايات المتحدة عن لعب هذا الدور سيجعلها أقل استعدادًا للعمل كوسيط في ظروف مهمة مثل هذه، مما يضر بالقدرة الأمريكية والإقليمية على تجاوز الصراع المستمر حول تسعير النفط وخفض الإنتاج.
مع استمرار صانعو السياسة في الولايات المتحدة في تتبع دورها في الشرق الأوسط، ومع اقتراب موعد الانتخابات الامريكية، يجب على صناع القرار ألا يتغافلوا عن المشاكل التي تسبب فيها عدم الاستقرار الإقليمي بشكل متكرر للولايات المتحدة. ومن ثم، يجب على الولايات المتحدة أن تنتهز فرصة التحدي السياسي هذه وتعمل على زيادة مشاركتها الإقليمية ومواصلة إعادة التفكير في أولوياتها، مما قد يمهد الطريق لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة. لذلك، يجب أن يدرك صانعو السياسة الامريكية أن تراجع الوجود الأمريكي في المنطقة قد يكون له عواقب وخيمة يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على الولايات المتحدة من خلال مزيج مميت من الإرهاب والصدمات في سوق النفط العالمية.