- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تشكيل الحكومة العراقية الجديدة انتصار مهم لإيران وحلفائها
علي الرغم من أن حكومة السوداني في العراق قد تم تأطيرها على أنها حكومة تضامن بين الشيعة، السنة، والأكراد، إلا أنها تمنح إيران مجالا مهما لممارسة نفوذها في العراق.
بعد فشل "التحالف الثلاثي"—الذي ضم "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بقيادة بارزاني، و"التيار الصدري" بقيادة مقتدى الصدر، و"تحالف السيادة" السني بقيادة خميس الخنجر ومحمد الحلبوسي—في تشكيل حكومة أكثرية وطنية خلال العام الفائت، ساهمت تغييرات مفاجئة طرأت على سياسة العراق في أيلول/سبتمبر أخيرًا في حلحلة المشهد السياسي المتأزم.
کتفصیل، انضم بارزاني والحلبوسي إلى تحالف جديد حمل اسم "تحالف إدارة الدولة" مع "الإطار التنسيقي" الشيعي المدعوم من إيران عقب انسحاب الصدر من الميدان السياسي ليشكلا بذلك حكومة جديدة. وبعد فترة وجيزة، منح التحالف الجديد الثقة لمحمد الحلبوسي كرئيس للبرلمان العراقي وانتخب عبد اللطيف رشيد رئيسًا جديدًا للبلاد في 13 تشرين الأول/أكتوبر. من ثم، قام رشيد بتسمية محمد شياع السوداني – مرشح "الإطار التنسيقي" الذي يحظى بدعم خاص من نوري المالكي – كرئيس وزراء مكلف، ووافق البرلمان العراقي على تشكيل حكومة السوداني الجديدة في 27 أيلول /سبتمبر.
تحالف جديد وخارطة طريق جديدة
صحيح أنه لم يتمّ حتى الآن الإفصاح عن كافة الاتفاقات التي أثمرت عن هذا التحالف الجديد بين الأكراد والسنّة و"الإطار التنسيقي"، لكن جرى الكشف عن بعض التفاصيل الخاصة بأولويات التحالف. فبشكل عام، حدد التحالف عدّة أهداف على غرار مكافحة الفساد وإجراء إصلاحات وإعادة التوازن إلى علاقات العراق مع دول المنطقة وتعديل أو تغيير النظام الانتخابي والتركيز على التوافق بين الفصائل العراقية. وسلّط السوداني الضوء من جديد على هذه النقاط خلال عرضه برنامجه الوزاري على البرلمان.
أما في ما يخص مشاركة الأكراد في هذا التحالف، فستكتسي الأشهر الستة الأولى من عهد الحكومة أهمية خاصة لجهة ضمان تعاون الأكراد، ولا سيما على صعيد القانون الاتحادي للنفط والغاز استنادًا إلى التفاهم الدستوري مع إقليم كردستان. كذلك التفاهم والاتفاق مع الاقليم على تطبيق قانون الموازنة ٢٠٢٢ والحفاظ على حقوق الاقليم في صياغة قانون الموازنة لسنة٢٠٢٣, واتفاق شنكال بين "حكومة إقليم كردستان" وحكومة الكاظمي عام 2020 المتعلقة بالإدارة والأمن في منطقة شنكال، فضلًا عن تطبيق المادة 140 من الدستور الخاصة بمنطقة كركوك وسائر المناطق المتنازع عليها. ٢٠٢٣
ويبدو أن مشاركة السنّة العرب في التحالف تتوقف على مطالب تشمل انسحاب الميليشيات الشيعية من المدن السنّية، وإعادة إعمار المحافظات المحررة، وتغيير قوانين مكافحة الإرهاب، والتحقيق في مصير الأشخاص المختطفين، وعودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم.
بالطبع، ثمة شكوك كبيرة حيال وفاء الحكومة بقيادة "الإطار التنسيقي" بالوعود التي قطعتها للسنّة والأكراد. في الواقع، ونظرًا إلى سجل الإطار الحافل بانتهاك الاتفاقات، لا توجد ثقة بقدرته أو استعداده للعمل ككيان واحد موحد مع "حلفائه."
بدلًا من ذلك، يبدو أن "الإطار التنسيقي" استخدم هذه الوعود فقط كأداة ليحصل على مبتغاه. وبعدما فشل في تأمين نصاب الثلثين في الماضي من دون تعاون بارزاني والحلبوسي، أيقن أنه – بمساعدة إيران ونفوذها – سيكون من الضروري إنشاء تحالفات جديدة ولو كانت شكلية. فعندما انسحب الصدريون من الميدان السياسي أواخر آب/أغسطس، اغتنم "الإطار التنسيقي" الفرصة لتحويل حلفاء "التحالف الثلاثي" إلى حلفاء الإطار فقط لتأمين النصاب.
وعلى الرغم من نوايا "الإطار التنسيقي" وتقلبه، لم يبقَ لدى الأكراد والسنّة عمومًا خيار غير التعاون. فأمام تقلبات الصدريين المتطرفة وعدم تشاورهم مع حلفائهم في "التحالف الثلاثي" بشأن قضايا مهمة و العملية السياسية في العراق ، اعتبر بارزاني والحلبوسي "الإطار التنسيقي" فرصتهما الوحيدة لضمان الاستقرار والمساهمة بشكل مفيد.
علاوةً على ذلك، شنّت إيران وحلفاؤها بمهارة حملات ضغط على "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"تحالف السيادة" السنّي من أجل إبرام اتفاق. وفي حين بقيت الولايات المتحدة على الحياد، مارست الكيانات الإيرانية في العراق ضغوطًا سياسية واقتصادية وعسكرية على الأكراد والسنّة من أجل الانضمام إلى "الإطار التنسيقي" تشکیل الحکومة. وعلى الرغم من تصويره على أنه يخدم مصالح جميع الأطراف، فإن جل ما یفعلە هذا التحالف هو ترسيخ مكانة إيران في العراق.
ما الذي تعنيه الحكومة الجديدة بالنسبة إلى العراق؟
ناهيك عن تحديد الأولويات وإبرام الاتفاقات واختيار الوزراء، من المستبعد أن تطبق الحكومة الجديدة إصلاحات فعلية في العراق ولا تزال تحديات كبيرة تنتظر السوداني والبرلمان. وسيكون التعامل مع الصدر وحركته على رأس هذه التحديات. فعلى الرغم من رفض هذا الأخير المشاركة في الحكومة، لا يزال ينتقد في العلن السوداني واصفًا إياه بـ"رجل المالكي" ويخشى أنه سيستهدف "التيار الصدري."
وبالتالي، من السذاجة الافتراض أن الصدر لن يكون من أبرز اللاعبين في الساحة السياسية العراقية. ولا شك في أن حكومة "الإطار التنسيقي" الجديدة ستستفز الصدر ومناصريه، ما يعزز احتمال عودة التظاهرات المناهضة للحكومة التي ينظمها الصدر إلى الساحة من جديد. ويبقى الانتظار سيّد الموقف لمعرفة ما إذا كان السوداني سيعتمد سياسة استرضاء الصدر لمنع تبلور هذا السيناريو في مرحلة مبكرة أو ما إذا كانت الانقسامات بين الشيعة أنفسهم ستمنعه من القيام بذلك.
هذا وتواجه حكومة السوداني، إضافةً إلى "التيار الصدري"، احتمال اندلاع انتفاضة تنظمها جهات فاعلة أخرى، بما فيها "حركة تشرين" التي كانت وراء الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بحكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي في 2019. فشخصيات الحركة لا تزال مستاءة من عدم تلبية الحكومة العراقية لمطالبها، بما فيها مطالب إلغاء نظام الحصص الطائفي وإزالة النخب السياسية من المشهد السياسي في العراق ومحاسبة الميليشيات المدعومة من إيران تحت سلطة الدولة، وكذلك وضع حدّ لتدخل إيران السافر في الشأن السياسي العراقي وإجراء إصلاحات جدية تستهدف الفساد وتوفر خدمات أساسية أفضل، واستحداث فرص عمل للعراقيين. ومن خلال تشكيل حكومة بقيادة حلفاء إيران، يمكن لـ"حركة تشرين" تسريع وتيرة التظاهرات الشعبية أو حتى تشكيل تحالفات جديدة مع "التيار الصدري" للإطاحة بالسوداني.
الخاسرون والفائزون في الحكومة الجديدة
على الرغم من الانتظار الطويل لإحراز تقدّم سياسي في العراق، لا يمكن اعتبار تشكيل حكومة جديدة برئاسة السوداني سوى انتصار كبير لإيران. فمنذ الانتخابات التي شهدتها البلاد العام الفائت، شاركت إيران مباشرة في العملية السياسية العراقية وقد مارست الضغوط على خصومها من أجل تقویض العملیة الدیمقراطیة، لتغيّر بذلك المعادلة السياسية لصالحها على الرغم من واقع أن حلفاء إيران خسروا في الانتخابات الماضية. وتُعتبر الحكومة الجديدة، بهيئتها الحالية، انطلاقة أخرى كي تواصل إيران تعزيز أجندتها الإقليمية في العراق وخارجه.
أما الخاسر الأكبر في هذه المعادلة، فهو الشعب العراقي. فالحكومة الجديدة بقيادة "الإطار التنسيقي" تمثل انتكاسة العملیة الدیمقراطیة والإصلاحات في العراق، وهي تفتقر إلى حدّ كبير للشرعية إذ إنها لم تكتفِ بعدم تمثيل الكتلة التي حظيت بأصوات أغلبية العراقيين – أي الكتلة الصدرية – فحسب، لا بل إن نفوذ وتدخل إيران الواضحين في الحكومة الجديدة تفقدان ثقة الشعب العراقي بها.
وتُعتبر الولايات المتحدة الجهة الخاسرة الأخرى في تشكيل الحكومة الجديدة. فحكومة بقيادة السوداني تمنح إيران القدرة على ممارسة نفوذ كبير وتجاهل احتياجات الشعب العراقي، وهذا يعكس لامبالاة الولايات المتحدة المتنامية تجاه حلفائها وتجاه إرساء الديمقراطية في العراق. وبالفعل، انتهجت أمريكا الصمت إزاء التدخل الإيراني في سياسة العراق واتبعت سياسة عدم التدخل في المشهد العراقي، مما سمح لإيران بتوسيع رقعة نفوذها.