- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3230
تصويت حاسم على الدعم الإنساني في سوريا
في التاسع عشر من كانون الأول/ديسمبر، من المتوقع أن يصوّت "مجلس الأمن الدولي" على تجديد "القرار رقم 2449" الذي يجيز إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى السوريين من دون إذن من نظام الأسد. وستحدد النتيجة ما إذا كان يُسمح للنظام بالموافقة على والتحكم التام بالجهات التي تتلقى مساعدات الأمم المتحدة وبالمناطق المخولة استلامها. وإذا لم يتم تجديد القرار، فسوف يصبح إيصال المساعدات أداة أخرى لتغيير مسار الحرب لصالح الرئيس بشار الأسد، مع تداعيات وخيمة على المدنيين الذين يعيشون في مناطق لا تخضع لسيطرة النظام.
ويعكس النقاش القائم مؤخراً حول قرار مجلس الأمن تطورات أوسع نطاقاً داخل سوريا. فقد أعلنت روسيا بالتنسيق مع الصين أن دفة الاتجاهات الحالية في ساحة المعركة تميل لصالح النظام، في محاولة لاستخدام النقاش حول المساعدات كوسيلة لفرض الاعتراف السياسي بالأسد. واقترح آخرون إضافة معبر خامس على طول الحدود الشمالية في تل أبيض لتلبية الاحتياجات المتزايدة للمدنيين السوريين الذين حوصروا في العملية العسكرية التركية الأخيرة. واستذكر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس مدى أهمية الآلية للوصول إلى المحتاجين.
ضرورة التصدي للعرقلة الفاضحة
ينص القانون الدولي على أن يكون الدعم الإنساني حيادياً وقائماً على الاحتياجات وبدون عوائق. ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، فإن الأمم المتحدة ملزمة قانوناً بالتعاون مع الحكومة في دمشق والحصول على إذن بالعمل داخل سوريا. وهكذا، تعمل وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية ذات الصلة من مكاتب في دمشق - وهو وضع يستلزم في كثير من الأحيان الانتظار إلى أن يمنح النظام تأشيرات دخول، وقبول وجود مراقبي النظام خلال التفاعلات الإنسانية، ومعاناة الحرمان المتكرر لطلبات توصيل المساعدات.
وفي الواقع، تمّ استغلال مسألة المساعدات الإنسانية طيلة فترة الحرب الطويلة كوسيلة لإرغام المجتمعات [المحلية] على الخضوع لحكم الأسد من أجل الحصول على المساعدات. كما استقطب النظام الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية من خلال إرغامها على العمل داخل هياكله الإدارية والمطالبة بمراقبة أنشطتها من قبل أجهزته الأمنية. وبدعم من حليفها الروسي، مارست دمشق ضغوطاً على وكالات الأمم المتحدة، وقيّدت قدرتها على الوصول إلى مناطق معينة، وطالبتها بالشراكة مع منظمات النظام مثل "الهلال الأحمر العربي السوري" - كل ذلك نحو الهدف الأوسع المتمثل في حجب الدعم الإنساني وعرقلته وتحويله لصالح النظام.
وفي هذا السياق، سعى "مجلس الأمن الدولي" إلى إيجاد آلية بديلة للمساعدة من خلال تمرير "القرار 2165" في عام 2014. وإذ إنه سبق "القرار رقم 2449"، فقد حدد إطار العمل الذي يسمح للأمم المتحدة بتخطي الأسد جزئياً وتقديم بعض المساعدة للمدنيين في سوريا مباشرةً، بالاعتماد على أربعة معابر حدودية في العراق والأردن وتركيا.
ومنذ ذلك الحين، ظل النظام يهدد باستمرار بحظر عبور أي مساعدات عبر الحدود، إلى الحد الذي تدارس فيه مكتب الأمم المتحدة المسؤول عن عمليات التسليم هذه مؤخراً التفكير في جعل كافة عملياته في دمشق مركزية. وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة تخلت في النهاية عن هذا الاقتراح وسط احتجاجات دولية، إلا أنه يجب على الدول الأعضاء ألّا تنسى العواقب العملية الوخيمة التي تتكشف كلما تم إعطاء دمشق المزيد من المشاركة في قرارات تقديم المساعدات.
على سبيل المثال، بعد تحرير الرقة من قبضة تنظيم «الدولة الإسلامية» في تشرين الأول/أكتوبر 2017، أصبح المعبر العراقي المسار الأسرع لإرسال المساعدات إلى المدنيين السوريين. لكن الأسد وروسيا مارسا الضغوط على الحكومة العراقية لإلغاء هذا الخيار، ولم يعد بإمكان وكالات الأمم المتحدة الوصول إلى الرقة إلّا من داخل سوريا. ثم منع النظام الوكالات من زيارة المدينة لتقييم احتياجاتها الإنسانية حتى نيسان/أبريل 2018، أي بعد ستة أشهر كاملة من تحريرها.
ما هي الخيارات الحالية لمجلس الأمن؟
اليوم، لا يزال حوالي 11 مليون شخص في سوريا - أو أكثر من نصف سكان البلاد - بحاجة لمساعدات إنسانية. ويعيش ما لا يقل عن 4 ملايين منهم في مناطق خارجة عن سيطرة النظام، بما فيها منطقتان لا تزال الحرب دائرة فيهما شمال غرب البلاد وشمال شرقها. ووفقاً لوكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، لا يمكن الوصول إلى 2.7 مليون شخص في شمال غرب البلاد من داخل سوريا - فالوصول إليهم يتطلب عبور الحدود، وبالتالي الحاجة إلى "القرار 2449".
وبالإجمال، تفيد الأمم المتحدة أن 30 ألف شاحنة مساعدات دخلت سوريا عبر نقاط العبور الأربع الموجودة منذ عام 2014. ومن بين هذه المساعدات، يتمّ توفير 40 في المائة من الأدوية التي تستخدم في عمليات المنظمات غير الحكومية شمال شرق البلاد من عبر المعبر العراقي. وخلال الشهر الماضي وحده، عبرت نحو 1000 شاحنة الحدود التركية - وهو رقم قياسي يثبت أن الخطر لا يزال كبيراً. وفي الواقع، لا تزال الاحتياجات المدنية هائلة، خاصة في الوقت الذي لم يتم فيه تمويل النداء الإنساني من أجل سوريا الذي تقوم به الأمم المتحدة والذي تبلغ قيمته 3.3 مليار دولار سوى بنسبة 55٪ فقط.
تجدر الملاحظة أن "القرار رقم 2449" هو الآلية الأساسية لتلبية هذه الاحتياجات من خلال شحنات عبر الحدود دون عوائق، ولكن ولايته تنتهي في 10 كانون الثاني/يناير. وأثناء تقرير مصير القرار، قد يتحرك مجلس الأمن في 3 اتجاهات: (1) تجديده من دون تغييرات (أي "تمديده عملياً")، (2) تجديده مع مراجعات تعكس تغييرات على الأرض، أو (3) وقف العمل به أو الحدّ من مفاعليه (تفضيل روسيا الواضح).
ويُعتبر تمديد القرار عملياً المسار الأكثر صحةً، وذلك لضمان استمرار حصول السوريين المحتاجين على الدعم ومنع دمشق من اختيار المجتمعات التي تتلقى المساعدات. غير أن ديناميكيتين متناقضتين تعترضان هذا الخيار.
من جهة، شهدت الخطوط الحدودية والاحتياجات الإنسانية في شمال شرق سوريا تغييرات ملحوظة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، عندما شنت تركيا عملياتها العسكرية عبر الحدود ضد «قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد والتي سيطرت على جزء كبير من المنطقة. لذلك تسعى أنقرة إلى تعديل القرار من خلال إضافة معبر خامس في تل أبيض، وذلك جزئياً لتسهيل خططها الرامية إلى إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم وتزويدهم بالمساعدة بعد ذلك.
ومن جهة أخرى، ستحاول موسكو على الأرجح تقويض القرار أو وقف العمل به بالكامل أثناء التصويت المقبل. فعندما حان موعد تجديد القرار العام الماضي، امتنعت روسيا والصين عن التصويت. أما هذا العام، فهما تروّجان لقرار بديل من شأنه إغلاق المعابر العراقية والأردنية وترك المعبرين التركيين المتبقيين مفتوحين لمدة ستة أشهر فقط. ولتبرير هذا الاقتراح، تدّعي موسكو أن الآلية الحالية سمحت للجماعات الجهادية بتحويل المساعدات. ورداً على ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها أنشأت أقوى آلية رصد في العالم لمنع مثل هذه التحويلات.
وعموماً، تتخذ روسيا هذا الموقف متذرعة بالحجة نفسها التي قدمتها خلال التصويت في العام الماضي: أن القرار "منفصل عن الواقع" لأنه لا يقر بالنصر العسكري لنظام الأسد. ومن هذا المنطلق، تستخدم موسكو مجدداً مفاوضات "مجلس الأمن الدولي" للضغط من أجل تطبيع علاقة المجتمع الدولي مع دمشق، إلى جانب وضع حد للعقوبات ضد أعضاء النظام وعودة اللاجئين السوريين. ومع ذلك، فمن شأن هذه المقاربة أن ترغم بالضرورة الجزء الأكبر من المجتمعات السورية الخارجة عن سيطرة الأسد على الخضوع لحكمه بعد سنوات من الحرب الضروس ضدها. كما يمكن أن تضفي الشرعية على العملية العسكرية التركية من خلال منح أنقرة سلطة أكبر بكثير في توجيه تقديم المساعدات الإنسانية للمجتمعات على الجانب الآخر من حدودها - بما في ذلك المجتمعات التي دعمت أعدائها من الميليشيات الكردية.
التداعيات على السياسة الأمريكية
يُعد تجديد "القرار 2449" مؤشراً مهماً على ما إذا كان المجتمع الدولي قادراً ليس فقط على الدفاع عن المبادئ الإنسانية الأساسية، بل مستعداً أيضاً للتصدي للجهات الفاعلة التي قد تُضفي الشرعية على حكم الأسد. وإذا تم حظر هذا الإجراء أو تخفيفه إلى حد كبير، فستواجه الدول الغربية خياراً غير مستساغ: إما العمل من خلال نظام للأمم المتحدة مُستقطباً بالكامل من قبل دمشق، أو إيجاد آليات بديلة أقل فعالية لإيصال المساعدات.
وقد يشمل أحد هذه الخيارات البديلة تحويل الأموال إلى جهات فاعلة خارج إطار عمل الأمم المتحدة، مثل المنظمات غير الحكومية الدولية غير المسجلة في دمشق والتي لا تزال قادرة على الوصول إلى المجتمعات السورية المحتاجة. وقد يتمثل خيار آخر في إيجاد شركاء محليين نافذين في المناطق غير الخاضعة للنظام واستقطابهم. وقد يكون الخيار الأسوأ هو السماح للأسد بالتلاعب بشكل أكبر بالتمويل الذي توفره الولايات المتحدة وغيرها من الدول المانحة في الأمم المتحدة. ومهما كان الأمر، لا يمكن لأي آلية بديلة الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المدنيين مثل إطار الأمم المتحدة الحالي عبر الحدود.
كما لا ينبغي التغاضي عن تداعيات ذلك على المساعدات الإنسانية في ساحات الصراع في المستقبل. وما يحدث في سوريا سيشكل سابقة - فإذا لم تمنع الأمم المتحدة الأسد وروسيا من استخدام المساعدات كسلاح حرب، فسوف يثير ذلك شكوكاً كبيرة حول قدرة المجتمع الدولي على المدى الطويل على تقديم مساعدات تنقذ الأرواح بطريقة حيادية، وقائمة على الاحتياجات، ودون عوائق.
أخيراً، يمكن أن يؤثر تصويت قرار المساعدات أيضاً على الجهود المستقبلية لإعادة إعمار سوريا. فقد دعت روسيا وغيرها من حلفاء النظام الغرب مراراً إلى البدء في تمويل عمليات إعادة الإعمار ما بعد الحرب، لأنه لا يمكن لموسكو ولا لطهران أن تدفع ثمن ذلك بنفسها. وقد حاولت الحكومات الغربية بشكل صحيح استخدام ذلك كوسيلة ضغط لدفع النظام نحو حل تفاوضي مع المعارضة السورية في المنفى. ومع ذلك، يُعتبر منع النظام من تحويل مسار المساعدات الإنسانية الاختبار الأول لقدرة المجتمع الدولي على دفع عملية إعادة الإعمار قدماً بشكل فعال.
دانا سترول هي "زميلة كاسين" في معهد واشنطن وموظفة أقدم سابقة في "لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي". تشارلز ثيبوت، هو زميل مقيم في المعهد، وعمل سابقاً لصالح مؤسسات دبلوماسية أوروبية في سوريا والعراق وبلجيكا وفرنسا وألمانيا وبلدان أخرى.