- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تثبيت إنتاج النفط هل سيكون مخرجا للجزائر من أزمتها؟
شكّل الاجتماع غير الرسمي لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بالجزائر ــ المنعقد في نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي ـ الحدث الأبرز بهذا البلد الذي يعاني أزمة اقتصادية خانقة، وتتجلى أهميته من خلال الزيارات المكوكية التي قام بها وزير الطاقة الجزائري نور الدين بوطرفة، إلى العديد من الدول النافذة في صناعة النفط؛ محاولا إقناعها بالتوافق على قرار تثبيت الإنتاج، في محاولة لإنقاذ بلاده من وضع اقتصادي جد متأزم.
وكانت أوبك قد توصلت إلى اتفاق مبدئي في 28 سبتمبر/أيلول الماضي، حُدد بموجبه سقف الإنتاج ما بين 32.5 مليونًا و33 مليون برميل، مع تكليف فريق من الخبراء لوضع آليات تنفيذ هذا الاتفاق، وتحديد حصة كل دولة على حدة، في محاولة لوضع حد لمسلسل تهاوي أسعار النفط الخام، وهو المسلسل الذي تجاوز نسبة 60% خلال العامين الماضيين، الشيء الذي أضر باقتصاديات العديد من الدول التي تعتمد على المحروقات في تمويل ودعم اقتصادها، كما هو الحال في دولة الجزائر.
وبانعقاد هذا اللقاء الطاقي، تكون الجزائر قد نجحت في مساعيها الدبلوماسية الرامية إلى إقناع الدول النفطية بالتحكم في المعروض الطاقي من خلال تسقيف وتثبيت الإنتاج.
فبعد فشل دعوة فنزويلا لعقد قمة للأوبك عام 2015، شرعت الجزائر في تنفيذ سلسلة من الاتصالات الخارجية، بداية من الزيارة التي أجراها وزير العدل الطيب بلعيز، في العام نفسه (2015)، إلى المملكة العربية السعودية ـ وهي أكبر دولة منتجة داخل أوبك ـ حيث حمل رسالة من الرئيس بوتفليقة، إلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، والتي نصت في إحدى نقاطها على ضرورة تنسيق الجهود والمواقف؛ للتحكم في السوق النفطية، كما أن الوزير الجزائري استثمر زيارته تلك، في التباحث حول الملف نفسه، مع وزير البترول والثروة المعدنية السعودي السابق علي بن إبراهيم النعيمي.
بعد ذلك أوفد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وزير طاقته الأسبق يوسف يوسفي، إلى أذربيجان، مرفقا برسالة إلى الرئيس الأذربيجاني، تتضمن ـ حسب برقية لوكالة الأنباء الجزائرية ـ “ضرورة التشاور بين الدول المنتجة للنفط".
وخلال قمة الاتحاد الإفريقي المنعقدة بالعاصمة الإثيوبية "أديس أبيبا" مطلع 2015؛ تباحث الوزير الأول الجزائري عبد المالك سلال، مع جمعية منتجي البترول الأفارقة (نيجيريا والغابون وأنغولا والكونغو وغينيا الاستوائية) حول موضوع أسعار النفط.
وبعد فشل اجتماع أوبك بالعاصمة القطرية الدوحة خلال أبريل/نيسان الماضي، في الوصول إلى اتفاق حول تثبيت الإنتاج، بسبب الموقف الرافض لإيران، وخلافاتها مع المملكة السعودية بشأن مسألة الحصص، تحركت الجزائر لاستضافة الاجتماع غير الرسمي لمنظمة الأوبك بمناسبة استضافتها للمنتدى الدولي الخامس عشر للطاقة، خلال الفترة الممتدة ما بين 26 و28 من سبتمبر الماضي. ورغم أجواء التشاؤم التي سبقت الحدث، إلا أن وزير الطاقة الجزائري استبشر خيرا، واستبق اللقاء بزيارات مكوكية مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، إلى كل من إيران وقطر وروسيا، فالتقى بوزير النفط السعودي في لقاء ضم أيضا، الأمين العام لمنظمة أوبك محمد باركيندو، بالعاصمة الفرنسية باريس، وهو اللقاء الذي توج بقرار مبدئي لتسقيف الإنتاج، بعدما تحول من لقاء تشاوري فحسب، إلى اجتماع استثنائي؛ اتسمت قراراته بطابع الإلزامية.
ورغم وصف أطراف حكومية وإعلامية جزائرية لهذا الاتفاق المبدئي؛ بأنه "إنجاز تاريخي"، وبأنه "انتصار للدبلوماسية الجزائرية"، وبأنه ذو "أثر إيجابي على سمعة الجزائر"، حسب تصريح رئيس حركة مجتمع السلم (حزب إسلامي معارض) عبد الرزاق مقري، إلا أن ذلك لم يكن كافيا؛ لتبديد المخاوف بشأن استقرار السوق النفطية عالميا، لا على المستوى القريب، ولا حتى على المستوى البعيد، خاصة بعد تصريحات روسيا (المصدر العالمي الرئيس للنفط الخام وغير العضو في الأوبك)، والتي أكدت على تمسكها بحصتها السوقية، وإعلان العراق (ثاني أكبر منتج للخام في أوبك) عدم خفض إنتاجه. كما أن هذا الاتفاق متعلق بتسقيف الإنتاج فحسب، دون التطرق إلى تحديد الأسعار، كون السوق النفطية لها مدخلات أخرى نافذة، بعيدا عن دول الأوبك.
وبالمقابل فإن تطبيق هذا الاتفاق مرهون بعدة معطيات دولية وإقليمية، أهمها ما يحدث حاليا، من حروب استنزاف بمنطقة الشرق الأوسط، وتحديدا في اليمن وسوريا، وما لذلك من علاقة بالخلاف الإيراني السعودي الحاد، والذي يهدد بنسف الاتفاق في أية لحظة.
والأهم من ذلك، هو أن القرار النهائي بخصوص تثبيت الإنتاج؛ سيتم الفصل فيه خلال القمة نصف السنوية للمنظمة؛ في نوفمبر/تشرين الثاني بالعاصمة النمساوية فيينا، وهي مدة كافية لحدوث تغيرات في الكثير من المعطيات والمواقف، في ظل عدم تحديد آليات لتنفيذ بنود قرارات ذلك الاتفاق، وتحديد حصص الدول الأعضاء من السوق العالمية. كما أن بعض المتتبعين يرون على أن اتفاق الجزائر، ما هو إلا مجرد "قرار دبلوماسي"، الهدف منه إرضاء سلطات الدولة المستضيفة، وتفادي إحراجها.
وبالعودة إلى انعكاسات هذا الاتفاق على الوضعية الاقتصادية والمالية للبلد المستضيف، والذي يعتمد بنسبة تفوق 90% على إيرادات مبيعاته النفطية، فقد شكل تراجع الأسعار من 115 دولارا للبرميل منتصف 2014، إلى أقل من 47 دولارا، صدمة اقتصادية قوية للبلد، خاصة مع تراجع العائدات النفطية بنسبة 70 %، وتراجع احتياطي الصرف الأجنبي من 193 مليار دولار بنهاية 2013، إلى 145 مليارًا مع نهاية 2015. وتشير التوقعات إلى تقهقره إلى 110 مليار دولار بنهاية 2019.
ومن جانبها، سجلت الخزينة الحكومية عجزا قدر بــ 17,7 مليار دولار في نهاية النصف الأول من العام الجاري، ما دفع بالحكومة إلى تبني سياسة تقشفية، من خلال تقليص حجم الإنفاق العام، وإلغاء بعض المشاريع الكبرى، وإقرار ضرائب جديدة في موازنة 2016، وهي الموازنة التي أثارت ردود فعل غاضبة في الشارع الجزائري خلال 2015 وبداية 2016. وتقدر الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان عدد الاحتجاجات بالبلاد؛ بأكثر من أربعة عشر ألف احتجاج سنويا، بسبب ما أسمته "غياب العدالة الاجتماعية".
وتشير المؤشرات المالية للاقتصاد الجزائري؛ إلى أن هذا البلد يعتمد في موازنته على سعر مرجعي للنفط، يقدر بنحو 50 دولارًا خلال الفترة الممتدة ما بين 2017 و2018، وبنحو 60 دولارًا بين عامي 2018 و2019، ولأن التوقعات تشير إلى أن أسعار النفط لن تتجاوز ـ في حال تطبيق اتفاق تسقيف الإنتاج، وفي أحسن الأحوال ـ عتبة الخمسين دولارا؛ فإن الحكومة الجزائرية ستكون في مواجهة أزمة اقتصادية أكثر شدة خلال السنوات الثلاث القادمة، خاصة وأن توازناتها الاقتصادية الكبرى؛ لا تتحقق إلا بسعر يتجاوز 130 دولارًا للبرميل الواحد، وهو أمر مستحيل التحقق على المدى القريب أو المتوسط، ما يعني اللجوء إلى إجراءات تقشفية أكثر تأثيرا على الطبقات الاجتماعية الهشة، وهو الخيار الذي بدأت تتضح ملامحه من خلال موازنة 2017، والتي تقترح إدراج ضرائب جديدة، ورفع أسعار البنزين، مع رفع القيمة المضافة بواقع 2%.
ولأن المثل يقول: بأن "الأزمة تلد الهمّة"، فإن انهيار أسعار النفط؛ هو فرصة كبيرة للحكومة الجزائرية؛ من أجل مراجعة خياراتها الاقتصادية، والذهاب نحو اقتصاد بديل، يفك الارتباط بالاقتصاد الريعي، ويتجه نحو بناء اقتصاد متنوع المداخيل، بعيدا عن عائدات النفط، خاصة وأن البلاد تمتلك إمكانيات فلاحية وسياحية كبيرة جدا، وذلك لا يكون إلا بفتح نقاش جاد مع خبراء الاقتصاد؛ لتحديد آليات تحقيق التنوع الاقتصادي، وإصلاح المنظومة المالية والبنكية والجبائية، مع ضرورة إعادة النظر في طريقة صرف التحويلات الاجتماعية التي تستهلك ثلث مداخيل الدولة، وهي الخطوات التي لن تتحقق دون إقرار أسس الحكم الراشد، لأن الأزمة في الجزائر هي في المقام الأول، أزمة سياسية، قبل أن تكون أزمة اقتصادية.