- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تعزيز القطاع الرياضي في السعودية مكسب للمملكة
تشكل زيادة استثمارات المملكة العربية السعودية في القطاع الرياضي جهدا كبيرا يهدف إلى تمكين الشباب والتوسع في الاقتصاد، وليس “التبييض الرياضي".
ملاحظة المحرر: هذا المقال كتبه مسؤول حكومي رسمي، وذلك في ظل سعى منتدى فكرة لنشر مجموعة متنوعة من وجهات النظر والآراء. ومن ثم، ندعو المهتمين بمواصلة هذا الحوار للمساهمة في المنتدى بمقالات حول هذا الموضوع أو غيره من القضايا الاخرى المتعلقة بالأحداث الجارية، وسيتم أخذ مساهمتهم في الاعتبار حيث اننا بصدد نشر وجهات نظر اخرى حول هذه القضية قريبًا.
سجلت المهاجمة في منتخب السعودية لكرة القدم للسيدات، داليا عادل، هدفًا في مرمى منتخب جزر القمر في 15 كانون الثاني/يناير خلال البطولة الدولية الودية للسيدات التي استضافتها المملكة. إلا أن ردّ فعلها لا يقدّر بثمن، فبعد أن تأكدت من دخول الكرة في شباك الفريق الخصم، غطت وجهها بيديها وراحت تركض في الملعب قبل أن تطلق صرخةً وتنفجر بالبكاء وسط معانقة زميلاتها لها.
ربما لم يتجاوز عدد المقاعد المشغولة الثلث ولم يتم بثّ المباراة ليشاهدها حوالي مليار شخص حول العالم كما جرى مع بطولة كأس العالم للرجال منذ بضعة أسابيع، ولكن لم يكن أي من ذلك مهمًا بالنسبة إلى داليا ورفيقاتها اللواتي فزن بالبطولة، فسعادتهن تكمن في حصولهن أخيرًا على فرصة لتحقيق الحلم ولعب الرياضة التي يحببنها وتمثيل بلادهن بكل فخر. ويعدّ تيسير هذا النوع من التجارب أحد الأسباب الكثيرة التي تدفع المملكة العربية السعودية إلى الاستثمار في قطاع الرياضة والترويج له.
وفي مؤتمر صحفي عُقد في الرياض في شهر كانون الثاني/يناير للإعلان عن توقيع نجم كرة القدم البرتغالي، كريستيانو رونالدو، عقدًا مع نادي النصر السعودي، أصدر الفريق بيانًا ورد فيه أن "هذا التوقيع لن يلهم نادينا لتحقيق المزيد من النجاح فحسب، بل سيلهم دورينا وأمّتنا والأجيال القادمة من الفتيان والفتيات ليكونوا أفضل نسخة لأنفسهم".
وأضاف كريستيانو بدوره أنه "فاز بكل شيء" في أوروبا وأنه كان متشوقًا لهذا التحدي الجديد، وهي إجابة مباشرة تدلّ على أنه كان على دراية بالجدل القائم حول توقيعه. وفي هذا الإطار، يدفع بعض النقاد بأنه هو أو أي رياضي يشارك في الأنشطة الرياضية التي تستضيفها السعودية أو ترعاها هيئة سعودية متورّط بـ"التبييض الرياضي"، بمعنى أن البلد يستثمر في قطاعه الرياضي تحديدًا لصرف النظر عن مسائل أو تحديات أخرى. ولكن في حالة السعودية، هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة.
في ما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، يشكل الاستثمار في القطاع الرياضي ودعمه صفقة رابحة من كافة النواحي. فبادئ ذي بدء، تحظى الرياضة بقبول عالمي مثلها مثل الموسيقى والأفلام، متجاوزةً اللغة والحدود والسياسة. كما أن ممارسة الرياضة وحضور الأنشطة الرياضية لا يحافظ فحسب على الصحة الجيدة، بل يحسّن أيضًا نوعية حياة أولئك المهتمين بها.
من الأهداف الرئيسية لرؤية السعودية 2030 حصول السعوديين والمغتربين الذين يعيشون في المملكة على مجموعة كبيرة من الأنشطة الترفيهية وتمكّنهم من المشاركة في هذه الأنشطة التي تحسن نوعية الحياة. وبشكل عام، تتألف الرؤية التي كشف عنها صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في العام 2016 من مجموعة كبيرة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية لتنويع اقتصاد المملكة العربية السعودية وتحسين تقديم الخدمات الحكومية بشكل كبير وإعادة تحديد مكانة المملكة في المجتمع الدولي.
لقد تبين جليًا أثناء تصميم الرؤية أن القطاع الذي يتضمن إمكانات هائلة غير مستغلة بمعظمها هو قطاع الترفيه، بما في ذلك الرياضة. وفي نهاية المطاف، لقد تجاوز عدد سكان المملكة للتو 35 مليون نسمة، ما يجعلها واحدة من أكبر الأسواق في الشرق الأوسط، بينما تشكل فئة الشباب دون 35 عامًا الجزء الأكبر منهم بنسبة 70 في المئة. وبالرغم من أن كرة القدم كانت دائمًا الرياضة الأكثر شعبية في المملكة، إلا أن الشباب السعودي من كلا الجنسين يتدفقون أيضًا لحضور أنشطة رياضية لم يسبق لهم أن عرفوها.
سواء في سباق الفورمولا إي أو منافسة رالي داكار أو عرض راسلمينيا أو رياضة الغولف أو كرة المضرب، من الواضح تمامًا أن السعوديين يستمتعون برؤية رياضيين عالميين في قمة تألقهم. ليست السرعة التي تباع فيها التذاكر هي وحدها التي تبين مدى شعبية هذه الأنشطة، بل أيضًا بدء الآلاف من الشباب والشابات السعوديين بالتنافس مع نظرائهم الرياضيين في جميع أنحاء العالم، حاملين العلم السعودي بفخر. وعلى سبيل المثال، سجلت آلاف الشابات والفتيات السعوديات للمشاركة في التدريبات عندما تم الإعلان عن الفريق الوطني لكرة القدم للسيدات.
وما لا يقل أهمية عن ذلك أن الرياضة أدرّت ملايين الريالات للاقتصاد السعودي وأنتجت آلاف الوظائف ذات الأجر الجيد، تمامًا كما فعلت في الولايات المتحدة ودول أخرى على مدى عقود. فهذا الاهتمام الجديد بالرياضة دفع آلاف السعوديين إلى السعي للعمل كمدرّبين ومروجين للأنشطة ووكلاء ومجموعة من الوظائف الأخرى التي تنشأ لحظة يقام حدث رياضي.
كما أن تهمة "التبييض الرياضي" تخفي مستوى مقلقًا من النزعة العرقية التي يبدو أنها غابت عن بال من يطلقونها، إذ تلمّح إلى أن المملكة العربية السعودية تستثمر مليارات الدولارات في الرياضة في المقام الأول بغية تحسين صورتها في عيون الآخرين وبخاصة العالم الغربي. ولكن، في الحقيقة، تهدف كل سياسة أو مشروع أو مبادرة تنفذها المملكة أو تسعى إلى تنفيذها بشكل أساسي إلى تعزيز مصالحها أو تحسين حياة الشعب السعودي.
ولا يعني هذا أن المملكة غير مهتمة بكونها جزءًا من عالم يزداد ترابطًا، بل إنها، على العكس من ذلك، تسعى غالبًا إلى قيادة الشرق الأوسط والمجتمع الدولي الواسع في إيجاد الحلول لأكثر التحديات المعاصرة إلحاحًا، والتي يعدّ الكثير منها عالميًا بطبيعته.
لقد عملنا على تحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة الدولية وكنا في طليعة جهود المجتمع الدولي للرد على الجماعات المسلحة. كما أن الرياض، عبر ترأسها مجموعة العشرين في العام 2020، أدت دورًا رئيسيًا في تعزيز الجهود التعاونية للتخفيف من تأثير وباء كوفيد -19. ومع ذلك، تركز سياسة المملكة العربية السعودية قبل كل شيء على ضمان تمكين شبابنا من التنافس مع نظرائهم في جميع أنحاء العالم ونمو الاقتصاد السعودي وازدهاره.
وفي السياق عينه، يعد قرار رونالدو بالانضمام إلى نادي النصر من المبادرات العديدة التي سمحت للمملكة العربية السعودية بإنشاء قطاعي الترفيه والسياحة من الصفر في غضون سنوات قليلة. وبالتالي نسعى لاستقطاب أفضل الأشخاص في مجالاتهم المختلفة حتى يتمكنوا من إلهام الرجال والنساء السعوديين أثناء قيادتهم هذه المرحلة الشيّقة في رحلة التطوير والتقدم التي نخوضها. وبعبارة أخرى، تتمحور الاستثمارات الرياضية السعودية حولنا وتتعلق بنا لا بنظرة الآخرين لنا.