- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الدعاية العسكرية الإيرانية: الإخفاقات والنجاحات
تلعب الدعاية دوراً كبيراً في صياغة توجهات الرأي العام المحلي والعالمي، كما أنها قد تشكل إحدى أدوات "الردع الناعم"، من أجل إجبار الدول على تغير قناعاتها السياسية واستراتيجياتها العسكرية، بالشكل الذي يخدم مصالح دولة ما. توظف إيران ميزانيات مالية ضخمة لوسائل الدعاية والإعلام، إذ تمتلك العشرات من القنوات الفضائية الناطقة بلغات متعددة، وهو ما يعكس جديتها في الاستعانة بهذا النمط من الدعاية. ويُظهر قيام إدارة الفيس بوك مؤخراً بإزالة المئات من صفحات الفيس بوك وملفات الإنستغرام المرتبطة بالشبكات الإيرانية، مدى الاهتمام المتواصل لإيران في الاستثمار في أساليب التضليل التي أثبتت فاعليتها في تشكيل مجموعة متنوعة من عناصر الرأي العام.
وتسيطر إيران على تلك العملية من خلال إنشاء قسم خاص في وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيراني، والذي يعرف باسم "التضليل"، حيث يستخدم هذا القسم في عمليات الحرب النفسية والتضليل الإعلامي والدعائي ضد أعداء الجمهورية "الإسلامية"، كما أن هذا القسم أيضاً، يقوم بتوظيف الحرب النفسية من أجل التلاعب في وسائل الإعلام والأجهزة الاستخباراتية الأجنبية، التي تسعى للحصول على معلومات حول الأجهزة المخابراتية الإيرانية أو القدرات العسكرية الإيرانية.
ومن المؤكد أن هذا القسم ينشر ويشرف على اغلب الأخبار التي تنشر في الصحف والمواقع الرسمية الإيرانية، مما يجعل من الصعب الحصول على أرقام عسكرية موثوقة. ويسمح هذا النمط من الدعاية لإيران بأن تطرح نفسها على أنها قوة مجهزة عسكريًا لمحاربة أعدائها ويمكنها أن تمتلك تكنولوجيا عسكرية رفيعة المستوى وموارد تحت تصرفها. وعلى الرغم من التطور التكنولوجي الكبير الذي تتمتع به الولايات المتحدة الأمريكية في مجال الصناعات العسكرية والدفاعية، إلا أنها – وانطلاقا مما تعلن عنه إيران بصورة مستمرة- لم تصل حتى اللحظة، إلى نفس السرعة التي تعلن فيها إيران بين الحين والآخر عن إنتاج أو تطوير تكنولوجيا جديدة.
ومن أجل القيام بذلك، تعمل إيران دائما على المبالغة في تضخيم إنجازاتها العسكرية، فعلى سبيل المثال، أعلنت إيران في عام 2013 عن إنتاج طائرة عسكرية من طراز " قاهر 313"، وهو مشروع ما زال لم ير النور بعد خمس سنوات من الإعلان عنه. كما أنها تعمدت وبصورة مستمرة إلى استخدام المؤثرات الصورية على منصات إطلاق الصواريخ البالستية أثناء التجارب الصاروخية، كما حصل في عملية التجارب الصاروخية على صواريخ "شهاب 3" في يوليو 2008، حيث استطاعت في البداية أن تخدع وسائل الإعلام الأجنبية، لكن سرعان ما تم فضحها وتراجعها بعد ذلك.
وعلى الرغم من تكذيب الصحافة الأجنبية للدعاية الإيرانية، إلا أن تلك الدعاية طويلة المدى لا زالت تحظى بشعبية كبيرة على الرغم من تكذيب الصحافة الأجنبية لها. وقد أصدرت إيران عدة تقارير حول طائرة "كوكر 1" بدون طيار في نوفمبر 2012، أو عملية إرسال قرد على مسبار فضائي في عام 2013، أو عملية إطلاق غواصة بحرية في مضيق هرمز في أغسطس 2006، وتبين فيما بعد أنها تجارب لقوات البحرية الصينية، حسبما أعلنت الصحف الأمريكية، أو من خلال إعادة تدوير الطائرات القديمة، كما هو الحال مع طائرة "أف 5" التي أعلنت عنها إيران في 19 أغسطس 2018، وتبين فيما بعد أنها طائرة أمريكية تعود لحقبة الشاه.
تعمل إيران جاهدة على تضخيم قوتها وآلتها العسكرية، بالشكل الذي يردع خصومها، ويزرع فيهم مصداقية الردع الإيراني، فهي تدرك جيداً أن توظيف أساليب الحرب النفسية نحو أعدائها. أحد الجوانب البارزة في آلة الدعاية الإيرانية هذه هو استمرارها المتعثّر رغم الفشل المتكرر في تشكيل الفهم الأجنبي في ما يتعلق بقدراتها العسكرية. ومع ذلك تبني إيران استراتيجياتها على أساس أن الحرب النفسية قد تساعد على تجنبها مخاطر وقوع الحرب، ولذلك تراها تعمد كثيراً إلى تضخيم صورة قادتها العسكريين المقاتلين في ساحات الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، يثبت الفحص الأوسع للدعاية العسكرية الإيرانية أنها نجحت في كثير من الأحيان في رفع معنويات حلفائها.
إن أكثر وسائل الدعاية العسكرية انتشاراً في إيران هي تسليط الضوء على قيادتها العسكرية، كما هو الحال بالهالة الإعلامية التي تحيط بالجنرال سليماني أينما حل، كما أنها تصور مقاتليها الذي يسقطون في العراق وسوريا، بصورة تفرض عليها قدسية كبيرة، أو أن تعطي بعداً دينياً وتاريخياً لسياستها في المنطقة، من خلال توظيف مفاهيم "الدفاع عن المقدسات، تحرير القدس، محاربة الاستكبار، نصرة المستضعفين" وغيرها من المفاهيم التي تمنح الاستراتيجية العسكرية الإيرانية شرعية القفز على سيادة وحدود الدول.
تعمل إيران أيضا على إرسال رسائل ذات مغزى عسكري لخصومها، من خلال نشر مقاطع الفيديو الخاصة بالتجارب الصاروخية أو المناورات العسكرية أو إبراز التطورات المتلاحقة التي أصابت الصناعات الدفاعية الإيرانية في الأونة الأخيرة، وذلك على الرغم من تصاعد حدة العقوبات الأمريكية عليها والتي التي تؤثر بشكل واضح على اقتصاد البلاد. كما قامت إيران أيضا بإنتاج العديد من أفلام الأنيميشن، والتي تصورها على أنها قوة عسكرية جبارة لا يمكن قهراها، وذلك للاستهلاك من قبل وكلاءها الإقليميين.
ولابد من التأكيد هنا على أن الدعاية العسكرية الإيرانية، ترتكز على أبعاد رئيسية هي "شخصنة العدو" و"تضخيم التهديد" و"المؤامرة"، وهي أبعاد تستطيع من خلالها إدامة الزخم لخطابها الشعبوي الديني الثوري، القادر على تسخير الحواضن الاجتماعية القريبة منها، وبالشكل الذي يجعلها في حالة استعداد دائم لمواجهة الأعداء. شكلت تلك الأبعاد بدورها الأساس الذي إنطلقت منه إيران، في تبرير وجود برنامجها النووي، وتحديث برنامج صواريخها البالستية، وشرعنة تدخلها في العراق وسوريا واليمن، بل والأكثر من ذلك قمع المعارضة الداخلية المنددة بسياساتها الخارجية.
ولابد من القول هنا بأن إيران تهدف ومن خلال دعايتها العسكرية، إلى إرسال رسالة واضحه للمجتمع الدولي، بأنها دولة قادرة على مواجهة الضغوط الدولية المفروضة عليها، فهي قادرة على الإنجاز والتحديث في قدرتها العسكرية، كما أنها تريد البرهنة للداخل الإيراني، بأن نظام الجمهورية الإسلامية في إيران لا يمكن أن يخضع للإملاءات الأمريكية، وذلك من خلال نموذج الاقتصاد المقاوم، وبأن النظام السياسي قادرة على المضي بتطوير القدرات التسليحية الإيرانية، وخصوصاً في مجال الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار والأسلحة الخفيفة.
ونظراً للفعالية المحدودة للدعاية الإيرانية خارجياً، من المهم بمكان فهم وظيفتها داخلياً - للإيرانيين ولحلفائها الخارجيين. كما يمكن القول بأن الدعاية العسكرية الإيرانية تأثرت كثيراً بالخطاب الثوري للإمام الخميني ومن بعده خامنئي. ومن ثم، فان التزاوج بين العقيدة الثورية والعسكرية يمثل سمة رئيسية لنجاحات إيران من خلال المقاتلين بالوكالة، ولا يزال مؤثراً وملهماً في الوسط السياسي المؤيد لإيران - والذي كان بالفعل مستعداً لقبول رسالة التضليل الإيراني.
بالمجمل، ستستمر السياسيات الإعلامية المرسومة من قبل السلطات السياسية العليا في تشكيل الدعاية الإعلامية الإيرانية. وفى حين يشير المراقبين الخارجيين إلى طبيعة ادعاءات وسائل الإعلام الإيرانية المتعلقة بجيشها بشكل يتسم بالتبسيط، لا يجب ا ن يقعوا في الخطاء وان يفترضوا أن تلك الرسائل الدعائية تفتقر الأثر خاصة في الوقت الذي يؤمن فيه حلفاء إيران بقوتها ومستعدون لقتال أعدائها بكل ما أوتوا من قوة.