- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
تخفيف العقوبات ليس ضرورياً لمساعدة إيران في مواجهة فيروس كورونا
يشكّل الانتشار السريع لفيروس كورونا في إيران أمراً مقلقاً للغاية، وكذلك الصعوبات الشديدة التي تواجه الحكومة الإيرانية - التي لا تزال تسيء إدارة ردها - في التعامل مع تفشي الوباء ومعالجة المرضى واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة. وتحتل إيران المركز السادس عالمياً من حيث عدد الإصابات المؤكدة بوباء "كوفيد-19" والمركز الرابع من حيث عدد الوفيات من الفيروس. لكن من المرجح أن يكون الواقع أسوأ بكثير، بسبب نقص القدرة على الاختبار وميل الحكومة إلى الكذب. وبالنظر إلى ما يتوقعه الخبراء في الصحة العامة حول المسار الفتاك لهذا الفيروس، فيمكن تماماً فهم الغريزة الإنسانية لمساعدة دول أخرى - كإيران - في جهودها لتسطيح المنحنى.
غير أنه في حالة إيران وصراعها لاحتواء الفيروس ومعالجة المرضى، لا يُعتبر تخفيف العقوبات العلاج الشافي. فضلاً عن ذلك، إن الفساد الممنهج للقادة الإيرانيين وضعف قدرة حكومتهم يعني أنه من المشكوك فيه أن رفع العقوبات قد يترجَم إلى رد فعل قوي يحتاجه الشعب الإيراني ويستحقه.
ومع ذلك، هناك خطوات يمكن للولايات المتحدة اتخاذها - دون رفع العقوبات - للمساعدة في الاستجابة الإنسانية في إيران. ودون تغيير هيكلية العقوبات بشكل أساسي، يمكن للإدارة الأمريكية أن تقدم مزيداً من الوضوح بشأن التجارة ذات الأغراض الإنسانية المسموح بها والتفويضات للمنظمات غير الحكومية لتوسيع عملها في إيران.
وتتمتع إيران بإمكنية النفاذ إلى الأموال لدفع تكاليف الإمدادات الطبية والإنسانية. وهي لا تحتاج إلى قروض طوارئ أو إعفاءات من العقوبات لتمويل المشتريات الإنسانية من الخارج. وعلى الرغم من أن إدارة ترامب فرضت عقوبات على "البنك المركزي الإيراني" في أيلول/سبتمبر 2019 لدعمه الإرهاب، إلّا أن وزارة الخزانة الأمريكية اتخذت مؤخراً خطوات للسماح بقيام معاملات تجارية إنسانية بمشاركة "البنك المركزي الإيراني". بإمكان وزارة الخزانة إبلاغ البنوك بوضوح بأن إيران مخوّلة باستخدام العملات الأجنبية الموجودة في حسابات "البنك المركزي الإيراني" في الخارج، بما في ذلك عائدات النفط الإيراني العالقة في حسابات الضمان في الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية، لتمويل استيراد السلع التي ستساعد الحكومة على الرد على تفشي فيروس كورونا.
وعلى الرغم من العقوبات الأمريكية، توجد آليات تُمكّن إيران من استيراد السلع الطبية والإنسانية، وقد يتم فرض آليات إضافية قريباً. وفي 23 آذار/مارس، أعلنت وزارة الخارجية الكورية الجنوبية أنها تدرس سبل لتقديم الإغاثة الإنسانية لإيران. ويمكن أن يشمل ذلك إنشاء آلية مثل القناة السويسرية، التي تم افتتاحها الشهر الماضي بالاتفاق بين الولايات المتحدة وسويسرا لتسهيل التجارة من قبل الشركات السويسرية المتعلقة بالشؤون الإنسانية مع إيران. وتم تصميم القناة السويسرية، جزئياً، كحل بديل لـ "البنك المركزي الإيراني" الخاضع للعقوبات. لذا فإن الهدف الأساسي هو عدم احتياج كوريا الجنوبية حتى إلى إنشاء نسختها من القناة السويسرية لمساعدة إيران.
لكن إيران لا تزال تكافح من أجل الحصول على الإمدادات على الرغم من التغييرات الفنية التي من شأنها أن تسهل على إيران الوصول إلى حساباتها الخارجية، ورغم وجود آليات مصممة خصيصاً لضمان وصول الإمدادات الإنسانية إلى الشعب الإيراني.
وتشكّل البنوك الأجنبية العقبة الأكثر أهمية، حيث تشعر بالقلق من العقوبات الأمريكية وتميل إلى تجنب خطر تسهيل هذه المعاملات بدافع وفرة من الحذر. كما أن عودة إيران إلى القائمة السوداء لـ «مجموعة العمل المالي» في شباط/فبراير، تمثّل عقبة إضافية. وتتضمن العقوبات الأمريكية استثناءات إنسانية مدمّجة واسعة النطاق، كما يُسمح بمعدات الحماية الشخصية وأجهزة الإنعاش الرئوي على وجه التحديد. وعلى الرغم من أن وزارة الخزانة الأمريكية تسمح ببيع الأجهزة الطبية ذات الصلة، لإيران وستوفر تأكيدات للبنوك التي تسهل هذه المعاملات، إلا أن الخوف من العقوبات الأمريكية يشكّل رادعاً. وهناك ارتباك وقلق على نطاق واسع بشأن عدم مخالفة العقوبات الأمريكية حول إيران.
وبالتالي، يمكن لإدارة ترامب أن تفعل المزيد على صعيد الدبلوماسية العامة للإشارة إلى عدم نيتها وقف التعامل مع الشركات والمؤسسات لتعاونها مع إيران من أجل مواجهة تفشي فيروس كورونا. ويمكن لوزارة الخزانة الأمريكية إصدار توجيهات إضافية توضح السلع الإنسانية المسموح بها. وخلال هذه الأيام من العمل عن بُعد، يُعتبر تنظيم اجتماعٍ افتراضي يضمّ كبار المسؤولين خياراً بديهياً من أجل توضيح أن الإدارة الأمريكية لن تعرقل إمداد أو تمويل الأجهزة الطبية الضرورية لمعالجة مرضى الكورونا وتسليمها إلى إيران. ويمثل توسيع نطاق التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى إصدار بيان مقتضب من على منصة البيت الأبيض خلال جلسات الإحاطة اليومية التي يدلي بها "فريق عمل البيت الأبيض لمواجهة تفشي فيروس كورونا"، خطوات من السهل اتخاذها.
ويمكن للبيت الأبيض أيضاً أن يُظهر حسن نية تجاه الشعب الإيراني، بشكل منفصل عن سياسته القائمة على تغيير سلوك النظام، من خلال الدعم العلني لتسليم الإمدادات الإنسانية وعمل المنظمات غير الحكومية. وهناك سابقة لذلك. ففي عام 2003، أصدرت إدارة بوش تصريح عام لمدة 90 يوماً سهل عمل المنظمات غير الحكومية في إيران للمساعدة في جهود التعافي في أعقاب الزلزال الذي ضرب مدينة بم وأودى بحياة أكثر من 26 ألف شخص. وفي عام 2012، أصدرت إدارة أوباما "تصريح عام" لمدة 45 يوماً للسماح للمنظمات غير الحكومية بإرسال ما يصل إلى 300 ألف دولار إلى إيران للقيام بأنشطة إنسانية وإعادة الإعمار في أعقاب الزلازل الذي أودى بحياة أكثر من 260 شخصاً.
لقد رفضت إيران أساساً عروض المساعدات الأمريكية، ولكن على الإدارة في واشنطن مواصلة إيجاد سبل لإبلاغ قادة إيران بأن العرض حقيقي وثابت، إن لم يكن من خلال المساعدة المباشرة، فمن خلال الإشارة إلى استعداد الإدارة الأمريكية لتسهيل عمل المنظمات غير الحكومية. وقد أصبح العديد من عناصر هذه التصاريح المؤقتة للاستجابة للكوارث وأنشطة المنظمات غير الحكومية دائمة في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، لن يكون من غير المسبوق أن تُصدر وزارة الخزانة الأمريكية تصريح جديد يجمع التفويضات الحالية لتوضيح أنها تنطبق على الظروف الراهنة، أو لتوسيع بعض التفويضات، حتى لو لفترة زمنية محدودة. ويمكن لأعضاء الكونغرس الأمريكي المساعدة في ذلك، وهو الأمر بالنسبة للمنظمات الدولية وغير الحكومية التي تساعد إيران أساساً.
لقد تغيّر هيكل العقوبات الذي تقوده الولايات المتحدة بشكل كبير منذ أن نفذت إدارتا بوش وأوباما سياساتهما القائمة على الاستجابة للأزمات من منطلق إنساني وحسن نية، ليس فقط بسبب حملة الضغط الأقصى التي تشنها إدارة ترامب، بل من خلال إجراءات تشريعية أيضاً. ففي عام 2017، أقرّ الكونغرس "قانون مواجهة خصوم أمريكا من خلال العقوبات"، الذي دفع بالإدارة الأمركية إلى فرض عقوبات على «الحرس الثوري الإسلامي الإيراني» بموجب سلطات مكافحة الإرهاب. ومثّل ذلك توسعاً كبيراً في العقوبات المفروضة على إيران والمتعلقة بالأنشطة الإرهابية. وتُعتبر التقارير عن انخراط «الحرس الثوري» الإيراني مع وزارة الصحة الإيرانية في إنشاء عيادات متنقلة وإنتاج معدات طبية، تعقيداً إضافياً بالنسبة للولايات المتحدة والجهات العالمية الأخرى التي تريد مساعدة إيران.
ويركّز المجتمع الدولي بشكل صحيح على اتخاذ جميع الخطوات اللازمة للرد على وباء "كوفيد-19" وسط اتخاذ خطوات للاستعداد للرد على الموجة المقبلة. وفي حالة إيران، هناك مجموعة من الخطوات التي يمكن للولايات المتحدة القيام بها وينبغي لها اتخاذها - إن القيام بذلك يُعتبر قضية أمنية وواجباً أخلاقياً على حد سواء. ولكن تخفيف العقوبات لا ينبغي أن يكون على رأس قائمة هذه الإجراءات العلاجية.
كاثرين باور هي زميلة "بلومنستين كاتس فاميلي" في معهد واشنطن ومسؤولة سابقة في وزارة الخزانة الأمريكية عملت كملحقة مالية للوزارة في القدس والخليج. وهي أيضاً أستاذة مساعدة في "برنامج الدراسات الأمنية" في "كلية إدموند والش للخدمات الخارجية" بجامعة جورجتاون.
دانا سترول هي زميلة أقدم في "برنامج غيدولد للسياسة العربية" في معهد واشنطن وكانت سابقاً أحد كبار الموظفين في "لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي" لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا، وعملت سابقاً في شؤون سياسة الشرق الأوسط في مكتب وزير الدفاع الأمريكي.
"ذي هيل"