- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
واقع التطبيع مع الأسد: وجهات نظر السوريين
يُثير سباق التطبيع، التركي من طرف والسعودي من طرف آخر، مع نظام الأسد في سوريا غضباً كبيراً في أوساط المعارضة السورية، الجالية السورية في الخارج، حيث يشكك الكثير منهم في عملية التطبيع والمصالح المتضاربة الكامنة وراءها.
أما بالنسبة للحالة التركية على سبيل المثال، يدفع التهديد المتصور من قبل اكراد سوريا -لا سيما قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قبل الولايات المتحدة - باتجاه تعزيز العلاقات بين أنقرة والنظام السوري. أما بالنسبة للسعودية، يعتقد الكثير من السوريين أن المحرك الرئيسي لتطبيع المملكة مع النظام يرجع إلى سعيها للحفاظ على نفوذها بين العشائر البدوية في سوريا واسترضاء حليفها الحالي إيران.
بالفعل، خرج السوريون داخل وخارج البلاد للتظاهر ضد هذا التطبيع. ومع ذلك، شكلت الأجندات المتباينة لمختلف مجموعات المعارضة السورية عائقا نحو تشكيل منصة موحدة في سعيها للتواصل مع المجتمعين الدولي والإقليمي للحصول على التأييد المناسب لقضيتها.
لكن السؤال الحقيقي الذي يوجهنا إزاء هذه التطورات يتعلّق أكثر بمدى رغبة نظام الأسد وقدرته الفعلية على التقيد بالشروط التي وضعتها الجامعة العربية لقبول عودته إليها، خاصة فيما يتعلّق بملف اللاجئين وملف مخدر الكبتاغون.
هل يرضى نظام الأسد بعودة اللاجئين؟
يرتبط ملف اللاجئين السوريين في نظر الكثير من الخبراء، بسياسات تهجير قسري متعمّدة حاول من خلالها النظام التخلّص من الحواضن الشعبية الثائرة ضده منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011. واستنادا لذلك، كيف يمكن لنا أن نتخيل الآن أن يسمح النظام بعودة هذه الحواضن دون استياء أو انتقام؟
في حال تم السماح للاجئين السوريين بالعودة لبلادهم، فإنهم على أقل تقدير، سيقومون بالمطالبة بممتلكاتهم التي تم الاستيلاء عليها من قبل النظام من خلال إصدار القانون رقم عشرة وقوانين أخرى أباحت تجريد المعارضين من ممتلكاتهم وإعادة توزيعها على نخبة من الموالين للنظام، بل، ووفق مصادر خاصة، تم منح بعض هذه الممتلكات لأنصار حزب الله ولمهاجرين إيرانيين وفدوا عبر السنين الماضية إلى سوريا.
من ناحية أخرى، وفي حال تجاوز العقبات السابقة، فما زال العديد من السوريين يشككون في قدرة سوريا في هذه المرحلة على التكيف مع الضغوط المتزايدة التي سيضعها ملف عودة اللاجئين على بناها التحتية المنهارة أصلاً.
معالجة أزمة الكبتاغون بواقعية
حوّل نظام الأسد سوريا من دولة نامية إلى مقاطعة مكرّسة لتصنيع المخدرات يمثل فيها إنتاج وتهريب الكبتاغون شريان حياة عائلة الأسد والمصدر الأساسي لتمويل بقاءه وامداده بالعملة الأجنبية في ظل التدهور الاقتصادي الشديد الذي تعيشه البلد. إذ تشكّل عائدات المخدرات المورد الذي لا بديل عنه للنظام في سعيه لبسط سيطرته على مليشيات مرتزقته، وعلى المؤسسات الأمنية المختلفة، وعلى الفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري والتي يقودها شقيق الرئيس السوري ماهر الأسد.
ووفقاً لأحدث الدراسات حول الأمر، تشير الإحصاءات إلى وجود أكثر من 160 عصابة تعمل على تهريب المخدرات، فيما تشير تسريبات سورية إلى وجود حوالي مئة مكبس لإنتاج المخدرات في جنوب سورية فقط.
ويؤكد مصدر قريب من النظام أن علمية إنتاج وتهريب الكبتاغون تجري وفق هيكلية منظمة تذكرنا بطريقة إدارة المؤسسات الأمنية المتشابكة ببعضها بطريقة معقدة، وتحت إشراف ما يمكن أن يطلق عليه اسم "إدارة عامة لشؤون الكبتاغون" والتي يشرف عليها بدورها ماهر الأسد بشكل مباشر. "لا أحد يستطيع الإفلات من هذا الترتيب المحكم المتصل أو الوشاية به، الجميع متورطون والجميع مستفيدون".
كما ويتم تناقل أن الغارات الأردنية على مركزين لإنتاج المخدرات داخل الأراضي السورية جاء بالتعاون مع النظام السوري كطريقة لإظهار حسن نوايا النظام مع تصاعد عملة التطبيع. لكن الخطوة بالوقت نفسه تهدف إلى تصفية حسابات مع بعض أزلام النظام وإلى إعادة رصّ صفوفه منعاً من انفراط منظومة السيطرة التي ينتهجها في سياساته مع حلقاته الأضيق، كما هي طريقته المعتادة في ادارة شؤونه. وفى ما يتعلق بالسياسة الخارجية، أصبح الكبتاغون يمثل ورقة ضغط في يد نظام الاسد تضمن أن يكون له اليد العليا خلال المفاوضات مع جيرانه العرب.
كيف سيرد السوريون على التطبيع العربي؟
رغم التشرذم الذي تعاني منه المعارضة السورية، إلا أنها ترفض بشدة التطبيع العربي الحالي مع نظام الأسد. من ناحية أخرى، أشادت البروباغندا الرسمية بالانتصار الذي حققه الاسد جراء صموده أمام الصعوبات، واستمرار كفاحه كقائد للمقاومة المناهضة لإسرائيل. وفى السياق ذاته، ساعدت المقابلات العديدة التي أُجريت مع سوريين داخل البلاد في إبراز الطريقة التي يُنظر بها إلى هذا التحرك نحو التطبيع.
وبحسب باحث مقيم في سوريا، " بدأت حملتهم هذه عبر تناقل وتسريب مجموعة من التصريحات التي تصنف تحت بند السرية لبناء رأي عام سوري تمهيدًا لقبول هذا التقارب "، كما شملت الحملة إجراء تغييرات سطحية في شبكة النظام “بحيث تُستبعد الوجوه المرتبطة بفترة الأزمة السابقة. في نهاية المطاف، أعلن الباحث أن "الباقي سيبقى كما هو".
علاوة على ذلك، وصف أحد مؤيدي الأسد من داخل سوريا التطبيع العربي بأنه "مشروع عديم الجدوى" نظرا لفشل الأسد في الوفاء بمتطلبات جيرانه العرب. ويسخر السوريون أيضاً من عودة الأسد خال الوفاض من القمة العربية، إذ لم يجلب معه لا حقائب أموال ولا استثمارات عربية يمكن لها أن تساهم في تخفيف الأزمة المعيشية الخانقة التي تمر بها البلاد، أو في دعم الليرة السورية التي تواصل انهيارها.
وحول هذا، تقول مديرة مؤسسة تعليمية في الداخل: "كنا نأمل ببعض البحبوحة وانخفاض في الأسعار وتوفر أكثر للخدمات، ولكن عاد الأسد من القمة بحقيبة مليئة بارتفاع جديد لأسعار السلع الأساسية والغاز والبنزين وانقطاع أطول لتيار الكهرباء." وتضيف "أصبحنا نعرف أن المواطن لن يحصل على شيء أبداً،" قبل أن تضحك ساخرة مضيفة "ماعدا فساتين جديدة لـ " سيدة اليانسون"، أي السيدة الأولى أسماء الأسد - في حفلات قطاف الوردة الدمشقية من الصحراء."
لقد بات واضحًا للسوريين أن الأمل في الخلاص القريب يتلاشى، خاصة في ظل ما يسمى بالعالم المتعدد الأقطاب. من زاوية أخرى، أشار أحد السوريين، في معرض التكهن باستراتيجيات القوى الإقليمية في عصر التطبيع هذا، إلى أن انخراط المملكة في عملية التطبيع جاءت على الارجح تماشياً مع تقاربها مع إيران، وخوفًا من أي أعمال انتقامية ايرانية قد تستهدف الأراضي السعودية. ومن ثم، تنظر المملكة للتطبيع على انه سيحافظ على مصالحها الخاصة، حتى لو جاء ذلك على حساب الشعب السوري.
بالنظر إلى المسارات المتباينة نحو التطبيع التي تتبعها دول مثل تركيا والمملكة العربية السعودية، يشعر السوريون أيضًا بالقلق من أنهم سيعلقون في المنتصف، وذلك في ظل تضارب أولويات وأجندات عمليات التطبيع المنفصلة، التي سيدفع السوريين ثمنها مرة أخرى.
الموقف من السياسية الأمريكية
أما فيما يتعلق بالموقف الأمريكي من التطبيع، فيُثمن سوريو الخارج استمرار الرفض الأمريكي لهذا الأمر ودعوة الإدارة الأمريكية الدول المسارعة إلى التقارب مع الأسد بالتوقف، خاصة بعد مداولات الكونغرس الأخيرة حول مشروع قانون كبتاغون الأسد. كما يطالب هؤلاء السوريون باستمرار العمل بقانون قيصر وضبط وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين لها خارج الأقنية المتصلة بنظام الأسد.
رغم الاحتمالات القاتمة التي تنتظرهم، يعتقد معظم المعارضين السوريين أن محاولات التطبيع معه لن تعود إلا بالفشل، وذلك لمعرفتهم بالعقلية الأسدية الكيدية ولأن الأسد لا يمكن أن يتراجع عن المكاسب التي حققها والتي تشكّل بالنسبة له نصراً استراتيجياً، خاصة التغيير الديموغرافي الذي أجراه في البلاد جراء سياسات التهجير القسري. كما أن السوريون على ثقة بأن الأسد لن يفي بأي من الشروط المسبقة التي وضعتها الجامعة العربية، بما في ذلك إعادة اللاجئين السوريين إلى الوطن، ووقف إنتاج مخدر الكبتاغون والتهريب، والتنسيق بهدف السيطرة على الميليشيات وإجراء إصلاحات حقيقية.
ومع ذلك، سيكون استمرار دعم واشنطن وحلفاء آخرين أمرًا حاسمًا في تمكين السوريين داخل البلاد وخارجها، وجعل صوتهم مسموعا، مما يضمن عدم ضياع مطالب ومخاوف الشعب السوري.