- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
عودة الليبراليين إلى السلطة في الانتخابات العامة المغربية
وسط الإعلان عن تعيين الملياردير النافذ عزيز أخنوش رئيسًا جديدًا للحكومة، يجد رئيس الوزراء المغربي السابق نفسه إلى جانب "حزب العدالة والتنمية" الذي يرأسه أمام خسارة كبيرة للسلطة.
بعد أن تولى السلطة منذ العام 2011، ها هو "حزب العدالة والتنمية" ينهار، حيث تراجع عدد المقاعد التي يشغلها في البرلمان من 125 إلى 13 مقعدًا. ويكون بذلك متأخرًا إلى حدّ كبير عن أبرز منافسيه: "التجمع الوطني للأحرار" (102 مقعدًا)، و"حزب الأصالة والمعاصرة" (87 مقعدًا) و"حزب الاستقلال" الوسطي اليميني (81 مقعدًا) من أصل 395 مقعدًا.
وقد كانت هذه الانتكاسة التي واجهها الإسلاميون متوقعة؛ فـ"حزب العدالة والتنمية" كان قد وصل إلى نهاية الطريق خلال هذه الانتخابات حيث أن انسحابه من إدارة أزمة "كوفيد-19" لصالح ما يسمى بالوزارات السيادية على غرار المالية، التي يشغلها "التجمع الوطني للأحرار"، قد أقلق الشعب المغربي وأخافه. كما عجز الحزب نفسه عن معارضة التقارب الذي بادر إليه محمد السادس مع إسرائيل بهدف الحصول على اعتراف الولايات المتحدة بسيادة بلاده على الصحراء الغربية.
غير أن هذه الهزيمة هي في المقام الأول مؤشر على زيادة قوة "التجمع الوطني للأحرار" بقيادة الملياردير النافذ عزيز أخنوش المكلّف حاليًا بتشكيل حكومة جديدة. وكان "حزب العدالة والتنمية" على دراية بالتهديد الذي يطرحه التجمع، متهمًا أخنوش بـ"إغراق الساحة السياسية بالمال". وعلى نحو مماثل، نشر عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق والأمين العام السابق للحزب، في الخامس من أيلول/سبتمبر فيديو تحريضي ضد الملياردير زاعمًا أن هذا الأخير "ليس له ثقافة ولا إيديولوجيا ولا ماض تاريخي ولا حزب سياسي".
النجاحات الانتخابية
حقق "التجمع الوطني للأحرار" زيادة ملحوظة من 37 مقعدًا في 2016 إلى 102 هذا العام، يليه "حزب الأصالة والمعاصرة"، الذي أسسه المستشار الحالي للملك فؤاد عالي الهمة وفاز بـ87 مقعدًا – متراجعًا بعض الشيء عن 102 مقعدًا كان فاز بها قبل خمس سنوات. وسيكون "التجمع الوطني للأحرار" ممثلًا بشكل كبير ليس في مجلس النواب فحسب، بل أيضًا في مجالس الجماعات ومجالس الجهات، متخطيًا إلى حدّ كبير "حزب الأصالة والمعاصرة" الذي حافظ على مرتبته الثانية.
ويمكن فهم تراجع "حزب الأصالة والمعاصرة" على ضوء الحصة الانتخابية الجديدة التي تحدّ من نتائج الأحزاب الكبيرة. وهذه المرة، عجز هذا الحزب عن الفوز بأكثر من مقعد واحد في كل دائرة انتخابية، على عكس ما كانت عليه الحال في 2016. وقد وصف قائد الحزب عبد اللطيف وهبي النتائج بأنها "جدّ إيجابية رغم الظروف الصعبة التي مر بها الحزب بسبب ’ خلافات تنظيمية‘." أما بالنسبة لثالث أكبر حزب، " حزب الاستقلال"، فيبدو أن أمينه العام نزار بركة الذي حقق فوزًا سهلًا في إقليم العرائش راضٍ عن النتيجة في صندوق الاقتراع.
بدوره، عبّر إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، عن رضاه بمكانة حزبه و"بزيادة" عدد مقاعده، بعد تحول إيجابي في أعقاب أداء سيئ للغاية عاميْ 2011 و2016. صحيح أن الحزب فاز بـ 34 مقعدًا فقط، إلا أن ذلك يمثل زيادة بنسبة 70 في المائة مقارنةً بالانتخابات التشريعية السابقة. وكان الحزب، الذي زعزعت صفوفه خلافات داخلية، حاول قدر المستطاع خلال السنوات القليلة الماضية أن يقلب الصفحة من أجل فهم المستقبل بشكل أفضل.
من جهته، حافظ حزب "الحركة الشعبية" على مقاعده الثمانية والعشرين خلال الانتخابات التشريعية الحالية أيضًا، عاجزًا عن العودة إلى ثقله الانتخابي الذي كان يتمتع به قبل 2007. وكان أعضاء الحزب يعوّلون بشكل كبير على الحصة الانتخابية الجديدة، الأمر الذي مكّنهم بدون شك من الحفاظ على مكانتهم رغم أنه لم يسمح لهم بتحقيق النتيجة المرجوة.
ويأتي "حزب التقدم والاشتراكية" بعد "الحركة الشعبية"، حيث تمكّن من الفوز باثنين وعشرين مقعدًا، في زيادة ملحوظة عن السابق رغم الفشل الذريع لأمينه العام. وتمامًا مثل العثماني، مُني أمين عام الحزب نبيل بنعبد الله بهزيمة في الرباط. وستمكنه هذه التقدمات أخيرًا من تشكيل مجموعة برلمانية في المجلس.
يُذكر أن أبرز حزبين رابحين "التجمع الوطني للأحرار" و"حزب الأصالة والمعاصرة" هما ليبراليان إلى حدّ ما ويُنظر إليهما بأنه تجمعهما علاقات وطيدة بالقصر. أما المفاجأة الثالثة، فهي أن "حزب الاستقلال" اليميني القومي المحافظ، حقق قفزة من 46 مقعدًا في 2016 إلى 81 مقعدًا. ولا شكّ في أن هذه النتائج تسرّ بشكل كبير الملك محمد السادس الذي طوى صفحة الإسلاميين التي فتحها "الربيع العربي" في 2011 خلال الانتخابات.
هذا وقام الملك محمد السادس بتعيين أخنوش لتشكيل حكومة لولاية تدوم خمس سنوات، خلفًا للعثماني. وكان المغرب في 2011 اعتمد دستورًا جديدًا منح بموجبه صلاحيات واسعة لكل من البرلمان والحكومة. غير أن القرارات والتوجيهات في القطاعات الرئيسية لا تزال تأتي من مبادرات الملك.
وإذ شغل منصب وزير الفلاحة منذ العام 2007، لعب زعيم حزب "التجمع الوطني للأحرار" عزيز أخنوش دورًا رئيسيًا في الحكومة السابقة، حيث تولى حقائب مهمة كالاقتصاد والمالية والصناعة. ويوم الخميس 9 أيلول/سبتمبر، اعتبر أن فوز حزبه هو "انتصار للديمقراطية" و"تعبير صريح عن الإرادة الشعبية للتغيير". من جهته، وصف "حزب العدالة والتنمية" نتائج الانتخابات بـ"غير الشاملة وغير المنطقية وبأنها لا تعكس مكانة الحزب على الساحة السياسية".
ردود "حزب العدالة والتنمية"
ربما لم يدرك "حزب العدالة والتنمية" ما كان ينتظره إلا في اللحظة الأخيرة، أي قبل أسبوع من إطلاق الحملة الانتخابية رسميًا. ففي 25 آب/أغسطس، حين أُقفل باب الترشيحات، اكتشف أنه لم ينجح في طرح أسماء مرشحين في كافة الدوائر الانتخابية، إذ إن الانتخابات التشريعية كانت متزامنة مع الانتخابات البلدية وانتخابات مجالس الجهات.
وتأكد مدى السخط في المدن التي كانت سمحت للحزب بإحداث فرق خلال جولتيْ الانتخابات التشريعية السابقتين. وفي حين كان يُفترض أن يعوّل الحزب الإسلامي على قاعدة انتخابية مخلصة ومتأهبة، عانى "حزب العدالة والتنمية" انتكاسة كبيرة بسبب نسبة الاقتراع الضئيلة.
في المقابل، بدأ "التجمع الوطني للأحرار" حملته في مرحلة مبكرة للغاية. فقط أطلق برنامج "100 يوم، 100 مدينة" في تشرين الثاني/نوفمبر، بغرض الاستماع إلى آراء واقتراحات ساكنة المدن، خاصة الصغرى والمتوسطة. وكان يتمّ تحديث هذه الحملة التي أُطلقت منذ فترة طويلة بشكل منتظم على صفحته على موقع "فيسبوك" وأُنفق بموجبها 300 ألف دولار. أما على شبكات مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، فقد عوّل الحزب على برنامج يتماشى مع هذه المسائل.
وعلى ضوء خسارتها في الانتخابات، تحمّلت قيادة "حزب العدالة والتنمية" "كامل المسؤولية" وقدّمت استقالتها بعد ظهر الخميس 9 أيلول/سبتمبر. ومن بين المستقيلين، سعد الدين العثماني، أمين عام الحزب ورئيس الحكومة السابق، الذي لم يتمكن من تأمين إعادة انتخابه كنائب في أوساط قاعدته الانتخابية في الرباط. وكان عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق والأمين العام السابق للحزب، قد دعا العثماني إلى الاستقالة من القيادة في وقت سابق من ذلك اليوم قائلًا "بعد اطلاعي على الهزيمة المؤلمة التي مُني بها حزبنا، (...) أرى [أن] يتحمل الأمين العام مسؤوليته ويقدّم استقالته من رئاسة الحزب". واستنادًا إلى بيان منفصل، سينتقل الحزب الآن إلى المعارضة، وهو "مكانه الطبيعي".
وفي هذا السياق، يتساءل المراقبون عما إذا كانت هزيمة الحزب المروعة في الانتخابات ستؤدي إلى انهياره. وستكون الأيام القليلة المقبلة صعبة للغاية بالنسبة للحزب، إذ شكّل سقوطه مفاجأة فعلية لأكثر المراقبين الداخليين اطلاعًا أو حتى تشاؤمًا، الذين لم يتوقعوا تراجع ثقله الانتخابي بهذا القدر. وسيكون لهزيمة "حزب العدالة والتنمية" أثر كبير على مستقبله، ولا سيما أنه لن يكون قادرًا حتى على تشكيل مجموعة برلمانية في مجلس النواب.
رغم ازدياد المشاركة، لا تزال النسبة منخفضة
افتقرت الحملة الانتخابية في المغرب إلى نسبة مشاركة كبيرة بسبب القيود المفروضة لمكافحة "كوفيد-19" وسخط قسم من الناخبين إزاء الطبقة السياسية، ما أدّى إلى مخاوف من مستويات امتناع كبيرة عن التصويت. مع ذلك، أعلنت وزارة الداخلية أن معدل المشاركة الوطنية بلغ 50.35 في المائة مقابل 43 في المائة خلال الانتخابات السابقة، ويعزى السبب جزئيًا إلى شمولية الانتخابات المحلية الأكثر شعبية في المرة الأولى. وتتمثل العبرة الأخرى في أن خيار إجراء انتخابات مزدوجة في اليوم نفسه – لانتخاب نواب في البرلمان وأعضاء في مجالس الجهات والجماعات – أثبت أنه مخيّب للآمال. غير أن نسبة المشاركة كانت مرتفعة نسبيًا في المناطق الجنوبية في البلاد، التي شملت أراضي الصحراء الجنوبية المتنازع عليها.
كما أنها المرة الأولى التي سيتم فيها احتساب توزيع المقاعد في مجلس النواب على أساس عدد الناخبين المسجلين وليس عدد المصوتين الإجمالي. ومن المتوقع أن ترتدّ طريقة الحساب الجديدة هذه سلبًا على الأحزاب الكبرى لصالح الأحزاب الأصغر حجمًا. وحده "حزب العدالة والتنمية" اعترض عليها معتبرًا أنه "ظُلم".
مع ذلك، شهدت القوائم الانتخابية تسجيل أكثر من 3 ملايين ناخب جديد بالمقارنة مع عام 2016، علمًا بأن الناخبين يقربون من 18 مليون، في زيادة بنسبة 14.5 في المائة 17983490 مقابل 15702592 في 2016.
ومن العوامل الأخرى الجديرة بالملاحظة هي زيادة متوسط عدد المرشحين لكل مقعد. وصل متوسط عدد المرشحين إلى خمسة مرشحين لكل مقعد في انتخابات مجالس الجماعات و15 في مجالس الجهات و17 في مجلس النواب.
كذلك، ازداد عدد المرشحات – اللواتي يمثلن 34.17 في المائة من إجمالي عدد المرشحين للمقاعد في مجلس النواب، و30 في المائة من إجمالي عدد المرشحين لمجالس الجماعات و40 في المائة لمجالس الجهات.
"انتصار الديمقراطية في المملكة"
بعد الانتخابات، سيتعين على كافة الأحزاب السياسية اعتماد ميثاق قائم على التقرير الذي أعدّه وقدّمه الملك في أيار/مايو الفائت. ويهدف "النموذج التنموي الجديد" إلى كبح التفاوتات الهائلة في البلاد. ويشير التقرير إلى أن "نسبة العشرة في المائة الأكثر ثراءً من المغربيين لا تزال تملك ثروة تزيد بواقع 11 مرة عن نسبة العشرة في المائة الأكثر فقرًا". وبعد المصاعب الاقتصادية التي خلفتها الجائحة، توقّع "البنك الدولي" أن يزداد إجمالي الناتج المحلي في المغرب بنسبة 4.6 في المائة في 2021 و3.4 في المائة في 2022 – وهو رقم يأمل الملك محمد السادس أن يتضاعف بحلول 2035.
إلى ذلك، وصف وهبي زعيم "حزب الأصالة والمعاصرة" الانتخابات بأنها "انتصار للديمقراطية في المملكة". في المقابل، أشار سعد الدين العثماني من "حزب العدالة والتنمية" إلى عدم تسليم تقارير الانتخابات في بعض مراكز الاقتراع. ويقول الآن إن هذا الأمر يحول دون تأكيد النتائج الفعلية للانتخابات ومعرفة النتائج الفعلية للعملية الانتخابية.
غير أن رئيس بعثة المراقبين في جمعية "سيركل أوجين دولاكروا" التي تجمع العديد من المسؤولين المنتخبين الفرنسيين، أشار إلى مساعي حشد الناخبين لهذه الانتخابات الثلاثية. فضلًا عن ذلك، أفادت بعثة "جامعة الدول العربية"، التي شاركت في مراقبة الانتخابات، أن هذه الانتخابات الثلاثية أُجريت "بما يتماشى مع أحكام الإطار القانوني للعملية الانتخابية والمعايير والموجبات الدولية"، مشددةً على أن "هذه الانتخابات سمحت للناخبين بتنفيذ واجبهم الانتخابي بحرية". كما شدّدت على أنه لم يتم رصد أي مخالفة يمكنها التأثير بشكل جذري على نتائج هذه الانتخابات، وأعربت عن رضاها عن التحضير لهذه العملية وتنظيمها، والتي بحسب البيان أُجريت بطريقة هادئة ومنظمة. من جهته، قال "البرلمان العربي" إن الانتخابات أُجريت بحيادية وشفافية، وانضباط، وسلاسة، وأمن.
كما أثنت صبرا بانو، مديرة "جندر كونسيرنز إنترناشيونال"، على المغرب لخوضه التحدي الكبير المتمثل بتنظيم ثلاثة انتخابات في اليوم نفسه على الرغم من الظروف الاستثنائية المرتبطة بجائحة "كوفيد-19"، وشكرت السلطات على تسهيل مهمة المراقبين الدوليين.
والآن، أتى دور "التجمع الوطني للأحرار" لإجراء مفاوضات من أجل تشكيل الائتلاف الحكومي المقبل. وكان زعيم الحزب قد صرّح في التاسع من أيلول/سبتمبر خلال إحاطة صحفية قائلًا: "نحن على استعداد للعمل بثقة ومسؤولية مع كافة الأحزاب التي تشاركنا رؤيتها وبرنامجها"، وأوضح أن الهدف الأساسي هو تقديم البديل الذي يطمح إليه المغربيون. وسيكون برنامج الحزب الانتخابي هو أساس المفاوضات مع الأحزاب السياسية الأخرى من أجل بناء أغلبية قوية ومتجانسة. ويعتبر أخنوش أنه يتعين على الحكومة الجديدة أن "تطوي صفحة الماضي".