- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
هل تكسب السياسات الأمريكية في السعودية الأصدقاء وتؤثّر في الناس؟
مع جريمة القتل الإرهابية التي ارتكبها مؤخرًا متدربٌ سعودي في قاعدة بنساكولا الجوية التابعة للبحرية الأمريكية، يُعاد طرح أسئلة ملحة عن المواقف السعودية الشعبية حيال الولايات المتحدة. وقد شاءت الصدف أن تأتي الأجوبة من بيانات جديدة توصّل إليها استطلاع رأي سري أجري الشهر الماضي في المملكة العربية السعودية. وهذه الأجوبة ليست مطمئنة على الإطلاق.
فالسعوديون الذين يعتقدون اليوم بأهمية العلاقة الجيدة بين بلادهم والولايات المتحدة لا تتعدى نسبتهم الخمسة والعشرين في المائة. بالمقارنة معهم، أعربت النسبة ذاتها عن الموقف نفسه حيال العلاقات مع سوريا، فيما تعتبر نسبة أعلى – تبلغ 36 في المائة – أن العلاقات الجيدة مع روسيا مهمة، علمًا بأن هذه النسبة لم تتخطَ الستة في المائة بأواخر العام 2017. وهذه هي اليوم النسبة المتدنية نفسها التي تسجلها الشعبية الشخصية للرئيس ترامب لدى الشعب السعودي.
إفضلاً عن ذلك، وفي ما يتعلق بالمسائل الاجتماعية الحساسة، شهد العام الماضي بعض ردود الفعل الشعبية العنيفة على بعض الإصلاحات التي قامت بها الحكومة السعودية. ولا تزال الأغلبية تعتبر أنه على الحكومة مواصلة مساعي "تأمين الفرص والمساواة للمرأة" أو حتى بذل المزيد من الجهود في هذا الاتجاه، بيد أن هذه النسبة تراجعت من 71 إلى 64 في المائة. في المقابل، ارتفعت بعض الشيء النسبة التي تعتبر أن الرياض "تبالغ" في خطواتها المتعلقة بحقوق المرأة من 25 إلى 34 في المائة.
لكن المقلق أكثر هو أن الأقلية التي ترغب في "تفسير الإسلام بطريقة أكثر اعتدالاً وتسامحًا وحداثة" تراجعت بمقدار خمس نقاط لتقتصر على 20 في المائة. والأغلبية التي تعارض اليوم النسخة الأكثر اعتدالاً من الإسلام ارتفعت بالمقدار نفسه وبلغت 77 في المائة – من بينها نسبة 43 في المائة تعارض "بشدة". ولا يزال ربع السعوديين السُّنة يبدون بعض التعاطف مع جماعة "الإخوان المسلمين" الأصولية المتشددة – مع أن حكومتهم نفسها جرّمت هذه الجماعة وصنّفتها بالتنظيم "الإرهابي".
وثمة سؤالٌ جدلي مرتبط بما سبق وهو مسألة العلاقة بالديانات الأخرى. والمفاجئ هو أن نحو ثلثي السعودين يوافقون نوعًا ما على هذا الطرح: "يجب أن نبدي احترامًا أكبر تجاه مسيحيي العالم ونحسّن علاقتنا بهم". ولكن خمسة في المائة فقط من السعوديين يؤيدون هذا الطرح في ما يخص اليهود كما تبين من أجوبة المشاركين على سؤال مماثل عن هؤلاء.
على صعيد المسائل الاقتصادية الداخلية، بالكاد تغيرت المواقف خلال العام الفائت، وهنا أيضًا ظهر تذمّر ملحوظ من القطاع الخاص إزاء السلوك الرسمي. فالشعب السعودي لا يزال قلقًا من الفساد، حيث اعتبرت نسبة 60 في المائة – وكانت هذه النسبة هي نفسها تقريبًا العام الفائت – أن حكومتهم لا تبذل ما يكفي لمكافحة الفساد، فيما اعتبرت نسبة أقل بفارق ملحوظ (مع أنها لا تزال تناهز الأربعين في المائة) أن الحكومة السعودية لا تبذل جهودًا تُذكر "للتعامل مع مشاكلنا الاقتصادية المتزايدة والمحن اليومية التي يعيشها المواطن" أو "لتقاسم الأعباء الضريبية والموجبات الأخرى للدولة بطريقة عادلة".
الخبر السار في هذا الاستطلاع هو أن السعوديين لا يزالون ميّالين، في ما خص بعض المسائل الرئيسية المتعلقة بالسياسة الخارجية، إلى تأييد سياسات الولايات المتحدة وسياسات بلادهم. ويبقى موقف الرأي العام السعودي، شأنه شأن الحكومة السعودية، سلبيًا بشكل ساحق حيال إيران وآية الله الخامنئي و"حزب الله"، مع العلم بأن نسبة المواقف الإيجابية من هذه العناصر الثلاثة لا تتعدى الرقم الواحد (أي دون العشرة في المائة). فوحدها نسبة 8 في المائة ترى أنه من "المهم" للسعودية أن تكون على علاقة جيدة بإيران، فيما تقتصر نسبة المواقف المحبّذة للخامنئي على ستة في المائة، وتُعرب نسبة 7 في المائة فقط عن موقف إيجابي من "حزب الله".
وعند إلقاء نظرة عن كثب، يتبين أن الأقلية الشيعية التي تشكل نحو عشرة في المائة من السعوديين وتتجمع في المنطقة الشرقية المنتجة للنفط، تُبدي آراء أكثر تفاوتًا حول هذه المسائل. إذ يقول نصفهم أنه من المهم لبلادهم أن تكون على علاقة جيدة بإيران، بينما يُعرب النصف تقريبًا عن موقف إيجابي من "حزب الله"، مع أن 18 في المائة فقط من السعوديين الشيعة ينظرون نظرة "جيدة نوعًا ما" إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية آية الله الخامنئي.
علاوة على ذلك، ثمة خبرٌ سارّ آخر غير متوقع، وهو متعلق بالسؤال الصعب عن فلسطين وإسرائيل. يؤيد ثلثا السعوديين – كما كان عليه الحال في استطلاعاتي السنوية التي أجريتها في السنتين الماضيتين – هذه المقولة: "يجب على الدول العربية أن تؤدي دورًا جديدًا في محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين مع تزويد كلا الطرفين بالمحفزات اللازمة لتبنّي مواقف أكثر اعتدالاً". أما نسبة السعوديين الذين يُبدون موقفًا إيجابيًا من حركة "حماس" الفلسطينية، التي ترفض السلام مع إسرائيل، فلا تتعدى الـ22 في المائة. وحين طُلب من المشاركين الاختيار من لائحة أولويات ممكنة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، اختارت هذه النسبة المنخفضة نفسها خيار "الابتعاد عن المنطقة بأسرها أو أقله الانسحاب من معظمها". وإذا كان الإرهابي السعودي في بنساكولا قد أعرب عن شكوى عنيفة ضد الولايات المتحدة في هذا السؤال، فهو لا يمثل الأكثرية الكبرى من شعبه.
مع ذلك، لا تزال مظاهر تبنّي النسخة غير المتسامحة عن الإسلام، كما والنفور أو قلة الثقة حيال الولايات المتحدة، سائدة في صفوف الشعب السعودي. وفي حين أن الإصلاحات التي تقودها الحكومة السعودية، إلى جانب تحالفها مع واشنطن، تصب في مصلحة كلا البلدين، يبدو أن الطريق لا يزال طويلاً أمام كلا الجانبين، ليس لكسب تأييد الرأي العام الأمريكي فحسب، بل الرأي العام السعودي أيضًا.
أُجري هذا الاستطلاع خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر من قبل شركة إقليمية رائدة في أبحاث الأسواق التجارية، واستُخدمت فيها المقابلات الشخصية والتقنيات النموذجية للاختيار الجغرافي العشوائي من أجل الحصول على عينة تمثيلية وطنية من ألف مواطن سعودي. ويُذكر أنّ الكاتب سافر شخصيًا إلى المنطقة للتشاور مع مدراء المشروع وضمان السرية التامة وضوابط الجودة خلال فترة العمل الميداني، مع الإشارة إلى أن هامش الخطأ الإحصائي لعينة من هذا النوع يقارب الثلاثة في المائة.