- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
ردود الفعل العربية إزاء خطة ترامب للسلام: تحليل وتوصيات
يوم الثلاثاء، كشفت إدارة ترامب النقاب عن الجزء السياسي من خطة السلام للشرق الأوسط التي طال انتظارها، بعد مرور ستة أشهر على محاولتها إشراك الدول العربية بشكل علني من خلال ورشة المنامة التي عُقدت في البحرين حول خطة السلام وقدمّت اقتراحات تضمنت استثمارات ومشاريع بنية تحتية في فلسطين بقيمة 50 مليار دولار. وأشارت الوثيقة المؤلفة من 80 صفحة إلى القدس على أنها "العاصمة الموحدة لإسرائيل"، لكنها تحدثت أيضًا عن قيام دولة فلسطينية جديدة منزوعة السلاح في غزة وحوالى ثلثي أراضي الضفة الغربية. وخلال خطابه في البيت الأبيض، شكر الرئيس ترامب دولة الإمارات وعُمان والبحرين التي حضر سفراؤها الحفل إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على دعمها لجهود السلام هذه. غير أنه لا بدّ من تسليط الضوء على المسؤولين الرئيسيين الذين لم يحضروا، بمن فيهم المسؤولون الفلسطينيون والأردنيون، حيث سارع الطرفان لاحقًا إلى رفض الخطة.
وبالفعل، تنقسم ردود الفعل العربية لغاية الآن إلى 3 مجموعات: مجموعة الداعمين بتحفظ، ومجموعة المعارضين ومجموعة ملتزمي الصمت. فمصر والسعودية والإمارات والبحرين وعُمان وقطر والمغرب هي من بين الدول المؤيدة الخطة، رغم أن لديها تحفظات مختلفة كبيرة حيالها؛ أما الأردن وفلسطين والعراق والجزائر، فهي من بين الدول المعارضة. وحتى أن بعض الجماعات الميليشياوية على غرار الحوثيين في اليمن وتنظيم "داعش" تحاول تعبئة المسلمين في كافة أنحاء العالم لإحباط هذه الخطة. هذا وتتألف مجموعة الدول التي فضلت التزام الصمت من بعض دول شمال أفريقيا، في استثناء بارز ومتناقض للمغرب والجزائر. وبالنسبة للدول الأخرى، جاء رد ليبيا والسودان خجولًا، إن وجد – بما أن البلدين يشهدان حاليًا مراحل انتقالية سياسية مهمة وصعوبات اقتصادية كبيرة.
وتعكس هذه الاستجابات المتنوعة المناخ السياسي الحالي في الشرق الأوسط والتشرذم السياسي العميق بين الدول العربية بشأن الأزمات في سوريا والعراق وليبيا واليمن. ومنذ انتفاضة "الربيع العربي" في عام 2011، شهدت المنطقة حروبًا أهلية وصراعات داخلية وتدخلات دولية. وبالتالي، خسر الدعم العربي للقضية الفلسطينية زخمه ولم تعد هذه القضية تتصدر أجندات معظم القادة العرب المثقلين حاليًا بمشاكل وتهديدات محلية لا تنتهي. وقد ساهمت ظروف مماثلة بشكل كبير في الاختلافات الراهن في الخطاب العربي بشأن القضية الفلسطينية.
غير أن إيران هي نجمة أساسية جديدة إنما لا تزال خافتة في هذه الصورة الفلكية. فالدول العربية الأشد خوفًا من إيران ورغبةً بحماية أمريكية منها، ولا سيما دول مجلس التعاون الخليجي، هي التي تُعرب حاليًا عن دعم حذر للاقتراح الأمريكي. في المقابل، فإن الدول العربية الخاضعة لهيمنة إيران أساسًا – ألا وهي العراق وسوريا ولبنان واليمن – هي الأشد معارضةً للخطة التي أعلنت عنها الولايات المتحدة حديثًا.
وتساهم الانقسامات بين الدول العربية في تشكيل ظاهرة غريبة تسترعي الانتباه: إن تعليقات الدول العربية العلنية حول خطة السلام، سواء من خلال بيانات رسمية أو عبر وسائل الإعلام، لم تحصد بشكل عام سوى اهتمام وجيز. فيوم الإعلان عن الخطة، كانت التغطية والتعليقات واسعة الانتشار في أنحاء المنطقة. لكن في اليوم التالي، أصبحت جميع هذه التعليقات هامشية إلى حدّ كبير، باستثناء تلك المتداولة بين الفلسطينيين أنفسهم. وتشير التصريحات العلنية المتحفظة بشكل ملحوظ من جانب الدول العربية حول خطة ترامب للسلام إلى عزمها الكبير على تجنب أي جدال أو خلاف داخلي لا داعي له.
وفي إطار هذا الاتجاه الفائق الحذر، صدر عرض تمهيدي محتمل عن الاجتماع الطارئ الذي ستعقده الجامعة العربية خلال نهاية الأسبوع حول هذا الموضوع عن أمينها العام، وزير الخارجية المصري السابق أحمد أبو الغيط. فقد انتقد الخطة باعتبارها مبادرة أحادية، مؤكدًا على أن سلامًا عادلًا ودائمًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين يقوم على رغبة الطرفين وليس طرف واحد. وأضاف أن قراءة أولى لخطة الرئيس دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط تشير إلى خسارة الفلسطينيين الكثير من حققوهم الشرعية، موضحًا أن الجامعة العربية "تدرس الرؤية الأمريكية بدقة. ونحن منفتحون على أي جهود جدية لإحلال السلام". ("الجمهورية").
مصر ودول مجلس التعاون الخليجي والمغرب: اهتمام متحفظ بالخطة
لكن الجدير بالملاحظة أن الرد المصري الرسمي كان بمثابة دعم متحفظ للخطة. فقد أصدر وزير الخارجية المصري الحالي بيانًا صحفيًا دعا فيه الإسرائيليين والفلسطينيين إلى الدراسة المتأنية للرؤية الأمريكية. كما دعا الطرفين إلى فتح قنوات الحوار لاستئناف المفاوضات برعاية أمريكية، من أجل التوصل إلى اتفاق يلبي تطلعات وآمال الشعبيْن في تحقيق السلام الشامل والعادل فيما بينهما، ويؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
وعلى نحو مماثل، أعربت وزارة الخارجية السعودية عن تقديرها لجهود إدارة ترامب لتطوير خطة شاملة للسلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وشجع بيان الخارجية أيضًا على البدء في مفاوضات مباشرة للسلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ومناقشة الخطة ومعالجة أي خلافات حول أي من جوانب الخطة. غير أن البيان شدّد على الجهود الكبيرة التي سبق للمملكة أن بذلتها، بما فيها مبادرة السلام العربية عام 2002. وفي السياق نفسه، وبحسب أخبار محطة "قناة 13" و"وكالة الأنباء الفلسطينية"، اتصل العاهل السعودي الملك سلمان بعباس مباشرة مؤكدًا أن "قضيتكم هي قضيتنا وقضية العرب والمسلمين، ونحن معكم".
وجدير بالذكر أن الجريدة السعودية التي تتخذ من جدة مقراً لها قد نشرت بياناً صادرا عن المجلس العربي للتكامل الإقليمي - وهو مجلس مستقل يشجع الحوار بين الدول العربية وإسرائيل –وذلك ردا على خطة ترامب للسلام والاحتجاجات الشعبية اللاحقة التي اندلعت في بعض أجزاء من العالم العربي. وقد دعي البيان إلى ضرورة "الحوار والمشاركة بين جميع الأطراف في المنطقة سواء بين الإسرائيليين وجيرانهم، أو حتى بين الجيران في البلدة الواحدة الذين يختلفون في الطائفة، أو العرق".
أما الإمارات العربية المتحدة، فرحبت بخطة ترامب، وقال سفيرها إلى واشنطن، يوسف العتيبة الذي كان حاضرًا أثناء كشف الرئيس الأمريكي عنها – في تصريح له على موقع "تويتر" إن "الإمارات العربية المتحدة تقدّر الجهود المستمرة التي بذلتها الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق سلام فلسطيني-إسرائيلي"، مضيفًا أن "الإمارات تعتقد أن الفلسطينيين والإسرائيليين قادرين على تحقيق سلام دائم وتعايش حقيقي بدعم من المجتمع الدولي".
وعلى غرار العتيبة، حضر سفير البحرين إلى الولايات المتحدة المؤتمر الصحفي الذي عقده ترامب لإعلان خطة السلام، في خطوة تُظهر تأييد بلاده لها. وقد تأكّد هذا التأييد من خلال بيان صدر مؤخرًا عن وزارة الشؤون الخارجية البحرينية، أثنت بموجبه على جهود إدارة ترامب للتوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى استعادة الحقوق المشروعة كافة للشعب الفلسطيني وإقامة دولة مستقلة. كما أثنى البيان على الجهود الأمريكية المبذولة في سبيل تحريك عملية السلام.
وفي حالة الدولتين الخليجيتين الأخريين – الكويت وقطر – أثنت البيانات الصادرة عن وزارة الخارجية في كل من البلدين على هذا المسعى مع تسليط الضوء في الوقت نفسه على الحاجة إلى الالتزام بحدود العام 1967. فقد أعلنت وزارة الشؤون الخارجية الكويتية أنها تقدّر إلى حدّ كبير جهود الولايات المتحدة الرامية إلى حل القضية الفلسطينية ووضع حدّ للصراع العربي-الإسرائيلي القائم منذ أكثر من سبعين سنة. واعتبر البيان الصراع سببًا لمعاناة الشعب الفلسطيني ومشكلة قضت على الأمن والاستقرار في المنطقة. غير أن الوزارة أكّدت من جديد أنه لا يمكن التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية من دون الالتزام بالقرارات الدولية ذات الصلة والتي شدّدت على قيام دولة مستقلة وسيادية ضمن حدود الرابع من حزيران/يونيو من العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
هذا ويمكن وصف تصريحات قطر على خطة السلام التي أعلن عنها ترامب بأنها أكثر تباينًا حتى. فقد أصدرت وزارة الخارجية القطرية بيانًا صحفيًا رحبت فيه بالجهود التي بذلتها كافة الأطراف من أجل تحقيق سلام عادل ومستدام، وأعربت عن تقديرها لمساعي الإدارة الأمريكية الحالية من أجل إيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي، ودعت كافة الأطراف المعنية إلى خوض مفاوضات مباشرة. كما شدّد البيان على أن تكون كافة الحلول "متماشية مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة". غير أنه بخلاف السعودية ومصر، طالبت قطر بدولة فلسطينية "ضمن حدود 1967، تشمل القدس الشرقية". وسلّط البيان الضوء أيضًا على الحاجة إلى ضمّ حق الفلسطينيين في العودة إلى أراضي ما قبل 1948 – وهو مطلب يقوّض صراحةً النقاط الرئيسية في خطة السلام المقترحة.
في الوقت نفسه، عرضت قناة "الجزيرة" التلفزيونية الممولة من دولة قطر سيلًا من التعليقات السلبية للغاية بأسلوبها المعتاد. ومن بين ضيوف آخرين، عرضت تعليقًا لوزير الشؤون الخارجية الأردني السابق مروان المعشر يقول فيه إن "إسرائيل والولايات المتحدة لا ترغبان بدولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، كما أن إسرائيل لا ترغب في استمرار وجود أغلبية فلسطينية داخل الأراضي التي تسيطر عليها". وأضاف أن "نية إسرائيل الرئيسية هي خلق الظروف الضرورية لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية والطلب من الأردن أن يدير تلك المناطق". حتى أن التعليقات الأخرى على هذه القناة لاذعة على نحو أكبر، مع ميل تغلب عليه سمات الجماعات الإسلامية/"حماس"/"الإخوان المسلمين".
وأخيرُا، برز المغرب على أنه الدولة الوحيدة الشمال أفريقية التي أدلت بتعليقات مؤيدة للخطة عبر بيان صدر عن وزارة خارجيتها. وقد شدد البيان على أن المغرب سيدرس تفاصيل خطة السلام الإسرائيلية-الفلسطينية بعناية كبيرة، وأعرب عن تقديره لجهود واشنطن. فضلًا عن ذلك، أشار وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى أننا "ندعو إلى حوار بناء من أجل إحلال السلام".
الرفض الفلسطيني
بالنسبة إلى المعسكر المعارض، شغلَ الفلسطينيون الخط الأمامي. ففورًا بعد أن كشف الرئيس ترامب عن خطّته للسلام، رفضها قائد "السلطة الفلسطينية" محمود عبّاس بشدّة، معلّقًا أن الخطة "لن تمرّ وستذهب إلى مزبلة التاريخ". كما رفض تصريح ترامب بأن القدس ستبقى "عاصمة إسرائيل غير القابلة للتجزئة"، وأكّد أن القدس ليست للبيع أو للمساومة. وهدّد عبّاس أيضًا باتّخاذ إجراءات من أجل إنهاء "الدور الوظيفي" الذي تضطلع به "السلطة الفلسطينية" (القدس العربي). وطلبَ رسميًّا أن تعقد "جامعة الدول العربية" دورة غير عاديّة على المستوى الوزاري، من أجل بحث سبل مواجهة ما يُدعى "صفقة القرن" (الحياة الجديدة).
على نحوٍ مشابه، أعلنت حركة "حماس" التي تسيطر على قطاع غزّة عن رفضها خطة ترامب، مشيرةً في بيانٍ لها إلى أنها لن تقبل ببديلٍ عن القدس كعاصمة لدولة فلسطين. وأعلن أيضًا نائب رئيس "حماس" خليل الحيّة أن الحركة لن تقبل المساس بحق العودة.
أكّدت "شبكة قدس الإخبارية" أنّ كلًّا من ترامب ونتنياهو كانا بحاجة ماسة إلى الإعلان عن الصفقة لأسبابٍ سياسية محلية صرف. فبالنسبة إلى ترامب، الذي يواجه حاليًّا محاكمةً قد تقلص فرصه في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، قد تساعد الخطة في تجاوز هذه العوائق. وعلى نحوٍ مشابه، أشارت الخطة إلى أن نتنياهو يتوق إلى إعلانها حتى تساعده على الفوز في الانتخابات الإسرائيلية القادمة وتمنع محاكمته الوشيكة بسبب تهم الفساد. وعلاوةً على ذلك، أشار المقال إلى أن نتنياهو يخشى أيضًا من واقع أنه في حال خسر ترامب إعادة انتخابه، سيحرم ذلك إسرائيل من فرصة تاريخية لا تحدث إلا مرةً في العمر.
لم يشكّل الرفض الفلسطيني للخطة مفاجأةً، بما أن الفلسطينيين رفضوا عدة مبادرات سلام في الماضي على أنها لا تلبي حاجات الشعب الفلسطيني. بالإضافة إلى ذلك، سيصعب على الفلسطينيين التلاقي نظرًا إلى الانقسامات الداخلية العميقة داخل المجتمع الفلسطيني، حيث تستخدم مختلف المجموعات نسخاتٍ متنوّعة من "النضال". وبالتالي، الخيار الأسهل هو رفض الخطة. ويشعر الفلسطينيون أيضًا أن عدة دول عربية، بما فيها مصر ودول الخليج، قامت تقريبًا بهجرهم. ووسّعت هذه الأحداث هوّة غياب الثقة بين الفلسطينيين وجزءٍ كبير من العالَم العربي، ما دفعهم إلى رفض أي تسوية تفرضها عليهم الولايات المتحدة والدول العربية التي تؤيّد اتّفاق السلام.
الجوار الأردني المتردد
في حين لا يرفض الأردن الخطة الأمريكية مباشرةً، يصرّ على إبقاء بعض الشروط السابقة لأي اتفاقية سلام جديدة مع إسرائيل. فقبل يوميْن من إطلاق الخطة، ظهر ملك الأردن عبدالله على "قناة المملكة" وعلّق على "صفقة القرن" الخاصة بالإدارة الأمريكية قائلًا: "موقفنا معروفٌ جدًّا. لن نوافق على أي اقتراحات تأتي على حسابنا".
على مستوى بروتوكولي أدنى، وصفَ رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة خطة ترامب للسلام على أنها "مشؤومة، ويوم أسود للقضية الفلسطينية يذكّرنا بوعد بلفور". وأضاف أن معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن باتت على المحك، وأنه "المفروض مخاطبة الأمم المتحدة وكل المجتمعات الدولية والعمل على فضح التعديات الإسرائيلية". وأصدر وزير الخارجية الأردني أيضًا بيانًا يطلب فيه قيام دولة فلسطينية مستقلة على خطوط 4 حزيران/يونيو 1967 مع القدس الشرقية كعاصمة لها. وأشار البيان أيضًا إلى أنه لا يمكن التوصل إلى إعمال الحقوق المشروعة للفلسطينيين إلا عبر حل الدولتيْن.
في بيانٍ منفصلٍ، أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن موقف الملك عبدالله تجاه القضية الفلسطينية غير متزعزع، ودعا إلى الشروع بمفاوضات مباشرة من أجل حلّ كافة قضايا الوضع النهائي وفقًا للشروط المرجعية القائمة ومبادرة السلام العربية والقانون الدولي. وانتقدت وسائل الإعلام الأردنية أيضًا بشدة هذه الخطة. فعلى سبيل المثال، علّقت صحيفة "الرأي" معتبرةً أن ترامب تجاهل تمامًا كافة المبادرات الأوروبية والأمريكية والأممية، وأنه يتعامل مع المنطقة بعقلية "التاجر". لذلك، على الدول العربية أن ترفض بأجمعها هذه الخطة التي لا تحقق تطلعات الشعب الفلسطيني.
تنبثق تحفظات الأردن بشأن خطة ترامب للسلام عن خوفه من الاضطرار بسببها إلى تشكيل موطنٍ للاجئين الفلسطينيين وتعكير التوازن الديموغرافي في البلد، فيتحوّل في النهاية إلى دولة فلسطينية. كما يخشى الأردن من إمكانية أن تباشر إسرائيل بخطة ترامب وتُلحِق وادي الأردن، بالإضافة إلى مستوطنات أخرى محددة بموجب الخطة، فتفصل بالتالي الأردن عن الضفة الغربية.
المعارضة الجزائرية والتونسية من مسافة بعيدة
ليست الهواجس المشابهة هي التي تشكّل حافزًا للبلد الجزائري البعيد، لكن طالما كان هذا البلد معقلًا للصوت الذي ينادي بالخطاب القومي العربي المتشدد. لذا أكّد الجزائريون على رفضهم للصفقة، مشيرين إلى الدعم المستمر للقضية الفلسطينية. ولفت وزير الخارجية الانتباه إلى أهمية رص الصف الفلسطيني، ودعا إلى تنسيق العمل العربي والدولي المشترك من أجل تجاوز هذه الصفقة.
مع أن الرئاسة ووزارة الشؤون الخارجية التونسيتيْن لم تعلّقا على الخطة، أصدر البرلمان التونسي بيانًا هاجم فيه خطة ترامب بشدة، ناعتًا إياها بأنها "عنصرية" و"مخزية". ودعا البيان البرلمانات العربية والدولية والإسلامية الداعمة للحق الفلسطيني إلى إدانة هذا السلوك العدائي. كما دعا البيان وزارة الشؤون الخارجية التونسية وكافة القوى المدنية في تونس إلى توحيد جهودها من أجل وضع حدٍّ للمخطط الذي يهدف إلى تشريع الاحتلال والظلم وسرقة الأراضي والحقوق الفلسطينية. ويطلب المجلس النيابي أيضًا من "جامعة الدول العربية" و"منظمة التعاون الإسلامي" اتخاذ قرارٍ موحّدٍ للحيلولة دون تنفيذ هذا المخطط المشؤوم.
المعسكر الخاضع للتأثير الإيراني، وصورته المعكوسة في تنظيم "الدولة الإسلامية"
لاقت هذه الخطة رفضًا من العراق الذي يعاني حاليًّا من الهيمنة السياسية والاقتصادية الإيرانية. فزعم النائب الأوّل لرئيس مجلس النواب العراقي حسن كريم الكعبي في بيانٍ صحافي أنّ "إعلان صفقة السلام في هذا التوقيت المشبوه سيؤدي إلى اندلاع تصعيدٍ جديدٍ وانهيار كل مؤشرات السلام والأمن في المنطقة". حتى أن عمّار الحكيم، رئيس "تيار الحكمة الوطني" المعتدل نسبيًّا، دعا "مجلس الأمن" و"الأمم المتحدة" و"التعاون الإسلامي" و"جامعة الدول العربية" إلى اتخاذ "موقف تاريخي" من صفقة القرن. وأضاف في بيانٍ صحافي أن "القدس كانت ولا زالت وستبقى قضيتنا الإنسانية والإسلامية والعربية، ولا يمكن مصادرتها أو احتكارها أو بيعها في أسواق المساومات والصفقات والمزايدات الانتخابية تحت أي ذريعة. فعلى من توهّم وتآمر على تصفية القضية الفلسطينية أن يعي أنّ المرء، كما لا يمكن أن يتنازل عن كرامته، فإنه لا يمكن أن يتنازل عن هويته".
بما أن كلًّا من العراق ولبنان وسوريا يبقى جزئيًا تحت سيطرة إيران – ونظرًا إلى تاريخ إيران في التحكم بالقضية الفلسطينية من أجل تعزيز طموحاتها التوسعية الخاصة وهيمنتها الإقليمية – لا يشكل الرفض الرسمي لصفقة ترامب الذي أعربت عنه كافة الجهات الثلاث أمرًا مثيرًا للدهشة. فبالنسبة إلى إيران، إن أي حل محتمل للنزاع سيقوّض مصداقية رسالتها المتعلّقة بـ"المقاومة" ويحرمها من أداة نفوذ مهمة في المنطقة تُستمَدّ من القضية الفلسطينية.
انتهزت الميليشيات المسلّحة والحركات المتطرفة أيضًا فرصة التعليق على الخطة. ففي اليمن، انتقد محمد علي الحوثي، المتحدث باسم الحركة الإسلامية الشيعية الزيدية المعروفة بـ"أنصار الله" أو الحوثيين، هذه الصفقة بشدة ووصفها بأنها "أوهام ولن تغيّر شيئًا من واقع الوعي العربي والإسلامي بمركزية القضية الفلسطينية" التي تدعم أيضًا ميليشيا الحوثيين في اليمن (وكالة الصحافة اليمنية).
قبل يومٍ من إعلان ترامب، هاجمه أيضًا المتحدث باسم تنظيم "الدولة الإسلامية" أبو حمزة القرشي في رسالة صوتية مدّتها 37 دقيقة. فطلب من "المسلمين في فلسطين وكافة البلدان" "أن يكونوا رأس حربةٍ في قتال اليهود وإفشال مخططاتهم كصفقة قرنهم"، منتقدًا أيضًا إيران و"حماس" (الجزيرة).
التبعات المتعلقة بالسياسات
بالانتقال من تحليل السياسات إلى إعطاء التوصيات، يعتقد المؤلّف أن إدارة ترامب لا تنوي فرض خطتها على الدول العربية. فهي مجرّد اقتراح وتخضع بالتالي للتفاوض والتسوية. وهكذا، لن يؤدي الرفض المباشر للخطة إلا إلى طريقٍ مسدودٍ بصورة دائمة. ويصحّ هذا الأمر أكثر فأكثر نظرًا إلى الانقسامات العميقة بين العرب، التي تستبعد تحقيق الفعالية في اتّباع أيّ نهجٍ بديل. ذلك، في الاجتماع القادم الذي ستعقده "جامعة الدول العربية" بشكلٍ طارئ، والمقرر في 1 شباط/فبراير 2020، لا يجوز أن تُضيع البلدان العربية وقتها في انتقاد الخطة وإدانتها. بل عليها بالأحرى العمل معًا من أجل التنسيق مع كلا الجهتيْن الأمريكية والإسرائيلية، ومناقشة نقاط الخلاف الكثيرة بهدف التوصل إلى التسوية تحديدًا، وأخيرًا وضع حدٍّ لهذا النزاع اللامتناهي.