- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الفيدرالية هي الحل لبناء السلام في جنوب اليمن
في أحدث تطور للحرب الأهلية اليمنية التي دامت سنوات، أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي 25 نيسان/ أبريل بيان أعلن من خلاله الإدارة الذاتية في عدن ورفض عودة حكومة هادي من الرياض. ومع ذلك، تكافح الحكومة بالفعل للتعامل مع التحدي الحقيقي الأول والذي يتمثل في إدارة تفشي وباء كورونا في عدن، حتى الآن تم الإعلان رسمياً يوم الأربعاء عن خمس إصابات، وتشير التقارير على الأرض إلى نقص حاد في الموارد الطبية وإمكانية أن تصبح العديد من الحالات غير موثقة، بما في ذلك الوفيات.
خلال يومين من اتخاذ الانتقالي لقرار الإدارة الذاتية، أصدر المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث بيان عبر فيه عن قلقه، حيث دعا إلى التمسك باتفاق الرياض، وهو وثيقة مصالحة برعاية سعودية وقعت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه الإمارات العربية المتحدة، عقب سيطرةالمجلس الانتقالي على مدينة عدن في أغسطس 2019. كما دعا غريفيث في بيانه إلى الإسراع في تنفيذ اتفاق الرياض مضيفاً بأنه ينص على مشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي في المشاورات بشأن الحل السياسي النهائي لإنهاء الصراع في اليمن.
وفي حين يحظى هذا الاتفاق بتأييد إقليمي ودولي كبيرين واعتبره الكثير من المراقبين انتصاراً للدبلوماسية السعودية في احتواء الأزمة داخل جنوب اليمن، إلا إنه شمل صيغ غامضة ومدد زمنية غير واقعية لتنفيذ بعض البنود، مما أعاق تنفيذه خاصة وأن لكل من طرفيه هدف متباين عن الآخر. ففى حين يركز ممثلي الشرعية اهتمامهم على كيفية العودة إلى عدن وفرض سيطرتهم العسكرية والأمنية، كان المجلس الانتقالي الجنوبي مهتما أكثر بتقاسم السلطة السياسية من خلال إنشاء حكومة جديدة يُمثل فيها المجلس الانتقالي بقوة، أو عوضا عن ذلك، يطرح قضية الانفصال أمام المجتمع الدولي كحق سياسي لتقرير المصير.
فمن الناحية السياسية كان اتفاق الرياض ينص على تشكيل حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب في حين لم يتم الاتفاق على ماهي المكونات الجنوبية الأخرى التي يمكن أن تنافس الانتقالي في هذا التمثيل وما هي الحصص المعتمدة لكل مكون. وقد رأينا انعكاس تشتت الرأي السياسي الجنوبي بعد إعلان المجلس الانتقالي الأخير عن الادارة الذاتية في عدن، حيث رفضت المكونات السياسية الجنوبية هذا الإعلان. وفي نفس الوقت يرى المجلس الانتقالي أن طرف الشرعية نفسه منقسم ولا يوجد تجانس بين أقواله وأفعاله. بل أنه يتهم الشرعية بتفريخ كيانات سياسة جنوبية مناوئة للمجلس الانتقالي بدون أن يكون لها شعبية حقيقية في الجنوب ولا مصداقية بحسب قولهم.
ولكن يمكن القول بأن المطلب الشعبي الذي استند عليه المجلس الانتقالي في إعلانه الإدارة الذاتية الذي يشمل تسليم الرواتب وتوفير الخدمات هو العذر الذي استخدمه للمطالبة بالحكم الذاتي. كما يقدم المجلس الانتقالي نفسه على أنه الكيان الأكثر اهتمامًا بمصلحة الشعب، في حين يتهم حكومة هادي بالفساد وأنها تأخذ من إيرادات الجنوب لتصرفها على المناطق الشمالية ورواتب الحكومة وبالذات القطاع العسكري الذي يرون أن فيه أسماء وهمية كثيرة.
وبالمثل، كانت بنود اتفاق الرياض المتعلقة بالجيش - مثل سحب الأسلحة الثقيلة وإخراج الكيانات العسكرية من عدن والمدن الخاضعة لسيطرة حكومة هادي - طموحة وغامضة إلى حد ما. ومع ذلك، فشل الاتفاق في توضيح ماهية وأعداد المعدات والأسلحة الثقيلة التي سيتم سحبها ووضع الجبهات الأمامية أثناء السحب.
كما أن الاتفاق لا يأخذ في عين الاعتبار الحقائق على أرض الواقع، حيث لم يكن لحكومة هادي وجود عسكري قوي في عدن لمنافسة قوات المجلس الانتقالي. هذا الاختلال في الوجود العسكري هو ما سمح للمجلس الانتقالي بالسيطرة على عدن العام الماضي، كما سهل له الاستيلاء بسهولة على المدينة مرة أخرى. وقد رأينا بوادر هذا التمرد عندما رفض المجلس لانتقالي دخول قوات الحماية الرئاسية لعدن وتسليم السلاح بحسب الاتفاق. وقد برر الانتقالي رفضه لذلك باستمرار التحشيد العسكري من مأرب باتجاه شبوة والجنوب من قبل قوات الشرعية وأن هناك أسلحة موجودة لدى عناصر محسوبين على القاعدة في أبين وشبوة وفي حال قام الانتقالي بتسليم أسلحته فهو سيقع عرضة لهذه الجماعات.
وفي كل الأحوال، فإن اتفاق الرياض حتى بصيغته الغامضة لم يتم تنفيذه وقد يكون السبب الرئيسي بحسب ممثلي الشرعية غياب الضمانات الاقتصادية والعسكرية التي كان من الممكن تجبر الانتقالي على التنفيذ. بل بالعكس، ترى قيادة الشرعية أن الانتقالي استهتر برعاية المملكة لهذا الاتفاق ولم يكن جاداً في التنفيذ خاصة أنه استمر في ممارسة عمليات انتهاكات حقوق الإنسان والاعتقالات ومداهمة المنازل ونهب الأراضي. وقد تكون مسألة الضمانات هي النقطة الوحيدة التي اتفق عليها الطرفان بشأن رؤيتهم لاتفاق الرياض من خلال مقابلاتي مع ممثلين لهم وهي عدم قدرة المملكة على فرض تنفيذ الاتفاقية.
بطبيعة الحال، فإن جميع الأطراف تلوم بعضها البعض على التوترات الحالية، حيث تلقي حكومة هادي باللوم على المجلس الانتقالي لعدم أخذ الاتفاقية على محمل الجد. في حين زعم المجلس الانتقالي أن حكومة هادي لا تأخذ هذا الاتفاق على محمل الجد بما فيه الكفاية، وقامت بانتهاكه عدة مرات مما أدى لمطالبة المجلس الانتقالي بإحالة الأمر إلى المجتمع الدولي للتحكيم. وأمام هذا كله، ترى المملكة السعودية أن المسئولية الرئيسية لتنفيذ الاتفاق تقع على الأطراف الموقعة بالدرجة الأولى. وهذا ما أشار إليه بيان صدر يوم الاثنين 27 نيسان/أبريل من التحالف رداً على إعلان المجلس الانتقالي للإدارة الذاتية حيث نص البيان "أن التحالف اتخذ ولا يزال خطوات عملية ومنهجية لتنفيذ اتفاق الرياض وأن المسؤولية تقع على الأطراف الموقعة على الاتفاق لاتخاذ خطوات وطنية واضحة باتجاه تنفيذ بنوده.
ولكن بشكل عام، من خلال تتبع الجانب السعودي وآليات تعاطيه مع مشهد تنفيذ الاتفاق لا نجد أي وضوح في الرؤية لعملية التنفيذ بل الملاحظ أن الجانب السعودي يذهب إلى نفس المسار الذي ذهبت إليه دولة الإمارات في عدم فهم جذر المشكلة في اليمن مع فارق في درجة المرونة في التعاطي وميل السعودية إلى الحياد أحيانا أو محاولة إرضاء الانتقالي تارة وإرضاء الشرعية تارة أخرى. وبالرغم من أن بيان التحالف الأخير كما هو متوقع أكد "على ضرورة إلغاء أي خطوة تخالف اتفاق الرياض والعمل على التعجيل بتنفيذه." إلا أنه يمكن القول إن الشيء الجديد في البيان هو الدعوة إلى تشكيل حكومة الكفاءات السياسية حسب نص الاتفاق وممارسة عملها من العاصمة المؤقتة (عدن).
ومع ذلك، فان تخفيف التوترات واستعادة السلام في الجنوب يتطلب إعادة النظر في ترتيب بنود اتفاقية الرياض بطريقة عملية تسمح بسحب التوتر في عدن واستعادة المسار السياسي. قد تكون الخطوة الأولى، كما دعا بيان التحالف، هي تشكيل حكومة مصغرة مهنية يقوم باختيارها رئيس الوزراء من ضمن المكونات الجنوبية والشمالية بما فيهم الانتقالي وبشروط متفق عليها مسبقاً. وتعيين محافظ لعدن ومدير أمن.
ومن الأهمية بمكان، إنشاء حكومة كفاءات محلية في عدن تمثل مختلف المكونات السياسية في المحافظة، حيث ستتمتع هذه الحكومة المحلية بالاستقلالية في إدارة عدن فوفقا لمؤتمر الحوار الوطني 2013-2014، ينبغي اعطاء عدن صلاحيات ادارية واقتصادية وسياسية.
تعد هذه خطوة باتجاه نظام فيدرالي كامل في اليمن، وهو كما اتفقت عليه جميع المكونات السياسية وممثلي منظمات المجتمع المدني المستقلة خلال مؤتمر الحوار الوطني الذي أعطى صلاحيات لامركزية ونسبة من موارد عدن للحكومة المحلية من أجل البدء بتأسيس البنية التحية لعدن وتأهيلها لمواجهة التحديات الاقتصادية والتنموية. ولأجل أن يتم هذا يجب على الرئيس هادى استيعاب المجلس الانتقالي في هيئته الاستشارية والعمل على إصلاح الخلل التمثيلي في مجلسي النواب والشورى وأعادتهما إلى عدن ليؤسسا البنية التشريعية التي تخدم النظام الفيدرالي.
ولعل أصعب عملية في تنفيذ بنود الاتفاق هي عملية تسليم الأسلحة التابعة للانتقالي داخل عدن، حيث يرى الانتقالي أن هناك تعمد لإضعافه بطلب تسليم سلاحه وهيكلة قواته دون أن ينسحب ذلك على القوات المسلحة الأخرى في ساحل البحر الأحمر ومأرب. وبالتالي يصبح من المهم أن توسع دول التحالف دائرة تنفيذ الاتفاق في الجزء الخاص بإعادة هيكلة جميع الألوية العسكرية بما فيها قوات الحماية الرئاسية والتي يجب أن تبدأ إعادة الهيكلة منها حتى تتمكن الحكومة من الرجوع إلى عدن، وان يتم دمجها في استراتيجية موحدة تشمل الجيش التابع للشرعية واي كيانات عسكرية تدعمها دول التحالف ويكون ذلك استنادا لالتزام دول التحالف بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني في تأسيس الجيش الوطني.
علينا أن ندرك أن أساس النزاعات التي تدور في اليمن هو الصراع على السلطة والثروة، وبالتالي إن الذهاب إلى ترتيبات فيدرالية أمنية وسياسية لتنفيذ اتفاق الرياض كما نصت عليها المحددات الرئيسية لمخرجات الحوار الوطني عبر الجمع بين آلية من آليات الحكم المشترك على المستوى المركزي والحكم الذاتي على المستوى المحلي سوف يساعدنا على تنفيذ اتفاق الرياض دون الذهاب إلى معارك بين المركز والأطراف. وبمجرد معالجة هذه التحديات يمكننا العمل من أجل بناء السلام على مستوى اليمن.