- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
كيف تستغل الجماعات الإرهابية قضية القدس؟
25 يناير/كانون الثاني 2018
"أما أميركا فأقول لها ولشعبها كلمات معدودة اقسم بالله العظيم الذي رفع السماء بلا عمد لن تحلم أميركا ولا من يعيش في أميركا بالأمن قبل أن نعيشه واقعا في فلسطين وقبل أن تخرج جميع الجيوش الكافرة من ارض محمد والله أكبر والعزة للإسلام".
تلك هي الكلمات التي صرح بها أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة الراحل في عام 2001 بعد أيام على أحداث 11 سبتمبر، والتي توعد فيها الولايات المتحدة الأمريكية مستغلا القضية الفلسطينية كحجة ومسوغ لهذا التوعد، ومع كل تطور جديد في القضية الفلسطينية تخرج الجماعات بيانات وإصدارات تحذيرية وتهديدية.
وعلى نفس خطى أبيه منتصف العام الماضي أخرج تنظيم القاعدة إصدارا بعنوان " القدس عروس مهرها دمنا" يتحدث فيه "حمزة بن لادن" أفاد الإصدار أنه لابد من التركيز على بوابة سوريا كبوابة رئيسية لتحرير فلسطين، إلى جانب أن الأدبيات القاعدية تحتوي على العديد من النصوص والكتابات المتعلقة بالقضية الفلسطينية بوصفها الهدف الأكبر.
وفى عام 2013 حاول " توماس هيغامر وآخرون في دراسة بعنوان "تأثير فلسطين: دور الفلسطينيين في حركة الجهاد عبر الوطنية"، حيث خلص إلى أن تمثيل الفلسطينيين في تنظيم القاعدة ضئيل جدا مقارنة بغيره من الجنسيات، على الرغم من أن مسالة تحرير القدس كانت من ركائز تأسيس تنظيم القاعدة.
على الجانب الآخر لم يحظى الموقف الداعشي من القضية الفلسطينية باهتمام الباحثين والمحللين بصورة كبيرة ولكن في دراسة لها استنتجت الباحث الفلسطينية الهولندية "سمر بطراوي" أن تنظيم داعش لم يختلف عن تنظيم القاعدة في اهتمامه بالقضية الفلسطينية فقد كانت حاضرة وغالبا ما كانت تحت مسميات "بيت المقدس، أرض المسرى" وأخرج التنظيم في ذلك العديد من الإصدارات المرئية منها " رسالة إلى الآباء في ثالث الحرمين، رسالة إلى المجاهدين في بيت المقدس، أرهبوا اليهود يا أهل بيت المقدس، رسالة ترغيب ونصرة لأهلنا في أرض المسرى، واقترب الوعد، أين الثائرون في أرض فلسطين، أعيدوا الرعب إلى اليهود".
حقيقة الأمر أن الموقف الداعشي تخطى الحديث عن القضية والفلسطينية وأهميتها بالنسبة للتنظيم، بل توجه لانتقاد الحركات الداخلية كما جاء في أحد الإصدارات " لا تنتظروا من فتح ولا من حماس نصرةً... فلا تلتفتوا إليهم، ولا تنظروا إليهم، فإن تصريحاتهم وشعاراتهم فارغة لا خير فيها".
الأدهى من ذلك أن تنظيم داعش لم يكتفى بانتقاد الجماعات الداخلية وحسب بل رأى أن كل من يضع القضية الفلسطينية في أطار كونها قضية وطنية أو قومية يخرج القضية الفلسطينية من أطارها الرئيس ويضع من يرى ذلك في موضع العدو، وجاء في بعض إصداراته " إن الصراع مع اليهود هو صراع ديني وعقائدي، وليس قومياً أو وطنيًا أو على أرض أو على حدودٍ وضعها المستعمر."
وبالنظر إلى ردود الفعل من قبل الجماعات الجهادية عقب خطاب ترامب الأخير الذى قرر فيه نقل السفارة الأمريكية إلى القدس فقد ظهرت العديد من البيانات من تنظيمات كبرى وصغري تنتمي إلى السلفية الجهادية أبرزها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي نشر له بيان يوم 7 من الشهر الحالي دعي فيه المسلمين في كافة الأرجاء بالتحرك صوب القدس .أما تنظيم "داعش" فقد نشر في عدده 109 من جريدة النبأ مادة بعنوان "بيت المقدس إن أولياؤه إلا المتقون"، حيث صرح أن الحديث عن القدس فقط هو أمر لا يتخطى الشعارات من كل الداعين لذلك، ووضع التنظيم نفسه في موضع المدافع والمجاهد في سبيل جميع البلدان الإسلامية وليس القدس فقط .وتحت عنوان "الملتقى بيت المقدس" أصدرت حركة الشباب المجاهدين بيانا دعت فيه عموم المسلمين إلى الجهاد بالنفس أو المال، ومشيرا إلى أن التنظيم يوفر كافة سبل الدعم لمن يرغب ذلك من خلال إنشاء معسكرات التدريب على فنون القتال.
أما حركة حسم أو "حركة سواعد مصر"، فقد أصدرت أيضا بيان حول خطاب ترامب، دعت فيه لإحياء الانتفاضة مستغلة القضية الفلسطينية للتسويق لأفعالها في مصر ومؤكدة على أن القدس لن تحرر قبل تحرير القاهرة " وأعلنت أن هدفها الأسمى والأبعد هو تحرير المسجد الأقصى أو الاستشهاد على عتباته المقدسة ويقيننا أنه أبدأ لن تحرر القدس ما دامت القاهرة تحت الآسر". على الجانب الأخر وفي نفس الإطار الاستغلالي وفي سوريا نشرت حركة "هيئة تحرير الشام" بيان بعنوان " بيان حول إعلان القدس عاصمة لليهود" جاء فيه "وإننا في الشام نعبر عن وقوفنا مع قضية القدس، لأنها قضية كل المسلمين والأحرار والشرفاء في العالم...ولكن الطريق إلى القدس تبين أنه الطريق إلى كل مدينة سنية في سوريا في الوقت الذي ينعم فيه «الإسرائيلي» بالأمان، تعيش مدن الشام ويلات تدمير النظام وحلفائه لها".
ويبقى السؤال، ماذا تعني القضية الفلسطينية للتنظيمات الإرهابية؟
اتخذت الجماعات المتطرفة القضية الفلسطينية كذريعة قوية نحو جذب المزيد من المتطرفين، ولكن في عرف الجماعات الإرهابية تتوقف أهمية القضية عند تلك النقطة، حيث أنها تستغل كمسوغ للتجنيد، ثم يتم توجيه المجندين نحو القيام بعمليات في مناطق أخرى وأهداف مختلفة، بدافع أن المستهدفين سواء عدو قريب أو بعيد يشنون حربا على الإسلام والمسلمين فيتعمق لدى المجندين مفهوم العدو ويتسع من إسرائيل إلى سائر الدول التي تريد الجماعات وفقا لنطاق عملها استهدافها، وتتجاهل مع الوقت القضية الفلسطينية لتصبح مجرد شعارات إصدارات، مع ظهور بعض العمليات التي تتخذ من القضية دافع.
فعلى الرغم من حديث العديد من القيادات القاعدية بصورة بارزة حول فلسطين وكأنها متفردة عن غيرها من البقاع بلغة عاطفية متشددة خاصة أسامة بن لادن، إلا أن الرجل الثاني في القاعدة "أبو يحيى الليبي" كان لا ينظر لفلسطين نظرة مختلفة عن غيرها من البقاع والأماكن المستهدفة من قبل أتباع التنظيم والفكر السلفي الجهادي، كما جاء في إصداره " وقفات مع بيان العلماء حول غزّة."
ونستخلص من هذا كله أنّ الجهادَ إنما صارَ مشروعاً وواجباً في فلسطين لا لأمرٍ اختصت به عن سائرِ بلاد المسلمين المحتلة، فهذا الحكمُ الشرعيّ لم يثبت في حق فلسطين لبركة أرضها، ولا لوجود المسجد الأقصى فيها ولا لمزيّةٍ تعلقت بأهلها وإنما مردُّ ذلك ومدارهُ على كونها أرضاً للمسلمين داهمها العدو الكافر وبناءاً على ذك فحيثُ ما وجد هذا الأمر وتحقق هذا الوصف على أية بقعةٍ من البقاع الإسلامية تمر بنفس الظروف التي تمر بها فلسطين. وأضاف الليبي أن " كلُّ من أرادَ أن يُفرقَ بين بلدٍ وبلد أو أرضٍ وأرض أو جهةٍ وجهة، فإنه يُصادم إجماع العلماء القائمَ المحكم".
وأخيرا، إن مواقف تلك الجماعات من خطاب ترامب، تنذر بوجود عمليات قريبة في الولايات المتحدة والدول الحليفة من أجل القدس شكليا، ولتحقيق أهداف أخرى وفقا لمصالح كل جماعة بالأساس، ولكن الأخطر من تلك العمليات هو أنه مع كل تطور في الوضع بفلسطين تخرج العديد من التحليلات والآراء تنتقد الجماعات الإرهابية-الجهادية وتنتقد موقفهم من القضية الفلسطينية وغيابهم عن الساحة هناك.
وعلى الرغم من انه لا خلاف على أن تلك الجماعات جماعات إرهابية تصرفاتها وأفعالها لا تمد بصلة للصواب، حتي ولو وجهت مدافعها نحو "إسرائيل" ، إلا أن خطورة التساؤل عن دور تلك التنظيمات الجهادية في ما يخص القضية الفلسطينية ، تكمن في أنها ربما تدفع مثل هذه الجماعات أو جماعات إرهابية أخرى للتحول من مجرد الحديث عن القضية في الأدبيات والإصدارات الإعلامية لعمليات على الأرض على غرار تحرير بلاد الأفغان، خاصة وأن المنطقة تشهد تراجعا واضح وقرب نهاية للقيادة المركزية لتنظيم داعش، ربما تفتح مجالا أوسع لزيادة أعداد المنضمين لتلك الجماعات بدافع تحرير فلسطين، ربما يزيد من أعداد المتطرفين في المنطقة.
وربما تنطلق الجماعات الإرهابية من مبادئ "استغلال الظروف" وإعادة هيكلة ذاتها والتبلور في إطار القضية الفلسطينية خاصة وأن تنظيم مثل تنظيم القاعدة يريد العودة والسيطرة على المشهد مرة أخرى، لذا فأن طرح مثل هذه الأسئلة يمكن أن يترجم في إطار عرف الجماعات الإرهابية كنوع من أنواع الدعم، وكمدخل لنشاط جديد في الوقت الذي تستفز فيه تصريحات ترامب مشاعر المسلمين في مناطق متفرقة.
وهنا يجدر الإشارة بان الحكومات العربية وكذلك حركة حماس ترفض بصورة قاطعة تواجد عناصر للسلفية الجهادية بفلسطين، ولعل هذا ظهر بوضوح في إسناد مهمة الحوار مع الشباب التابعين لتلك الجماعات بفلسطين إلى القيادي بحماس "يونس الأسطل" الذي تبني السنوات الماضية عقد حوار مع أتباع السلفية الجهادية لدفعهم نحو انتهاج الفكر الوسطي والبعد عن العنف، كما ظهر أيضا في العمليات الأمنية تجاه الجماعات المنتمية للسلفية الجهادية عقب تنفيذ أحد عناصرها عملية إرهابية على الحدود المصرية الفلسطينية بتفجير نفسه حاجز الأمن الفلسطيني في أغسطس 2017.
وبالتالي، يجب على وسائل الإعلام أن تشرح وتحذر وتعمم الوعي للتأكيد على أن هذه الجماعات تستخدم فقط القضية الفلسطينية كذريعة لتجنيد المقاتلين الذين يقومون بعمليات خارجية لا صلة لها بالقضية أو تلك التي تؤثر داخليا على حياة المواطنين الفلسطينيين.