- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
استطلاعات جديدة: سكان الضفة الغربية يعارضون الثورة المسلحة والمحادثات مع الولايات المتحدة على السواء
يرسم استطلاعين جديدين للرأي العام أجريا في فلسطين في تشرين الأول/أكتوبر صورةً مختلطةً بشكلٍ مفاجئ حول المواقف الشعبية لدى الـ 2.5 مليون فلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وكانت المفاجأة الكبرى أنه في الكثير من المسائل المتعلقة بعملية السلام، يعبّر هؤلاء الفلسطينيين عن رأي سياسي أكثر تشددًا من إخوانهم في غزة (راجعوا مقالي الأخير بعنوان "سكان غزة يريدون وظائف، وليس عصابات حماس"). وفي الوقت عينه، عبر فقط ربع سكان الضفة الغربية عن رغبتهم في استئناف المحادثات مع الولايات المتحدة الهادفة إلى التوصل إلى استجابة سلمية لمشاكلهم، بينما عبر ربع سكان الضفة الغربية عن رغبتهم في "صراع مسلح" ضد إسرائيل الآن.
وإنّ تداعيات هذه النتائج واضحة بالنسبة إلى صناع السياسات الأمريكيين. فلن يولّد الضغط على "السلطة الفلسطينية" للعودة إلى طاولة الحوار، ناهيك عن القيام بالتنازلات، ردودَ فعل إيجابية في الضفة الغربية، وقد يأتي حتى بنتائج عكسية. إلا أن التخوف من انفجار الغضب في تلك المنطقة قد يكون مغلوطًا، إذ إنّ المواقف الشعبية في الواقع أكثر تقبلًا للتدخلات الاقتصادية الأمريكية في غزة، وربما يجب تركيز الجهود الأمريكية الأكثر إلحاحًا هنا.
ويتماشى رفض معظم سكان الضفة الغربية للمقاومة العنيفة ضد إسرائيل مع أولوياتهم الشخصية الحالية، إذ يقول معظمهم إن أولى أولوياتهم هي إما "عيش حياة عائلية سليمة" (49 في المئة) وإما "تحقيق المدخول الكافي للعيش برخاء" (38 في المئة)، عوضًا عن "العمل على بناء دولة فلسطينية" (11 في المئة). وحتى لدى سؤالهم عن ثاني أولوياتهم، لم يختَر سوى 23 في المئة هذا الخيار السياسي.
فمن أجل التقدم نحو الأهداف الوطنية الفلسطينية، يفضل معظم سكان الضفة الغربية "المقاومة السلمية" والاعتراف الدولي، وحتى التفاوض مع إسرائيل، شرط أن تقدّم هذه الأخيرة بعض التنازلات. وجاءت الخيارات الثلاثة الأولى في هذه الفئة، ونال كل منها ربع الإجابات، على الشكل الآتي: فتح طريق سريع يسمح لسكان الضفة الغربية تفادي الحواجز في القدس؛ وقف بناء المستوطنات خارج الجدار؛ أو وقف العنف. بالمقارنة، نزل خيارَي "تحرير الأسرى" و"مشاركة القدس كعاصمة" إلى مراتب أدنى في لائحة إجراءات حسن النية المرغوب فيها من جانب إسرائيل.
والجدير بالذكر أن أحد الخيارات السياسية الفلسطينية الأخرى الذي لقى دعمًا شعبيًا كبيرًا، ولو أنه نادرًا ما تم إدراجه في الاستطلاعات السابقة هو الآتي: "العمل السياسي عن كثب مع الفلسطينيين داخل الحدود المرسومة عام 1948". ففي استطلاعَي الرأي المُشار إليهما في المقال الراهن، يدعم ثلاثة أرباع سكان الضفة الغربية هذا الموقف، واعتبر من بينهم نحو الثلث أن هذه الخطوة قد تحمل نتائج "إيجابية جدًا". ونظرًا للنشاط القومي الأخير الذي نشب لدى الحوالى مليونَي مواطن عربي في إسرائيل، وتواجد ما يعادل عددهم تقريبًا على الجهة الأخرى من الخط الأخضر (الخيالي جدًا) في الضفة الغربية، يجب إجراء دراسة أعمق لهذا التوجه في الاستطلاعات المستقبلية والتحاليل الأخرى.
أما بالنسبة إلى الدور الأمريكي، يأتي رفض المحادثات مع الولايات المتحدة ليعكس الآمال الفلسطينية الضئيلة المعلقة على هذه المقاربة. فلا يرى إلا 11 في المئة أنّ الرئيس ترامب "سوف يبذل جهدًا حقيقيًا للمساعدة على حل المشكلة الفلسطينية". ولدى سؤالهم عما يرغبون في أن تفعله الولايات المتحدة من أجلهم، اختار نصف المستطلَعين "البقاء خارج الشؤون الفلسطينية والشرق أوسطية ككل!" (وعلى العكس، لا يشكل أصحاب هذا الخيار إلا 16 في المئة في غزة). وكان الخيار الثاني "ممارسة الضغط على إسرائيل لتقوم بالتنازلات إلى الفلسطينيين"، ونال هذا الخيار تأييد نسبة 22 في المئة من سكان الضفة الغربية.
وإلى جانب هذه المواقف السلبية، يبدو أن الوعي حول الضغوطات الأمريكية الأخيرة مرتفعًا. فيفيد ثلاثة أرباع السكان بأنهم سمعوا عن قطع التمويل عن الأنروا (غير أن 18 في المئة فحسب يظنون أن هذا الإجراء سيحدث تغييرات فعلية). حتى أنّ عددًا أكبر من السكان (82 في المئة) يعرفون بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس. ويقول معظمهم أنهم سمعوا عن إغلاق مكتب "منظمة التحرير الفلسطينية" في واشنطن. لكن تجدر الإشارة إلى أن 36 في المئة يقولون أنهم سمعوا عدة مرات عن "بدء مفاوضات أمريكية رسمية مع حركة "حماس""، وهو عنصر "سيطرة" وهمي تمامًا لا يتحدث عنه أحد غيرهم.
وللانتقال إلى مسألة أخرى، ولكن حقيقية بالقدر نفسه، يزعم أقل من نصف السكان (43 في المئة) أنهم على دراية بقانون "تيلور فورس" الذي يقضي بقطع التمويل عن "السلطة الفلسطينية" بسبب دفعها هذه الأموال لإرهابيين مُدانين. إلا أنه وفي سياق هذه المسألة المثيرة للجدل نفسها، توافق نسبة مماثلة وكبيرة بشكل مفاجئ على أنه يتعين على الحكومة الفلسطينية "إعطاء عائلات الأسرى منافع اجتماعية عادية مثل الجميع، وليس دفعات إضافية بحسب مدة الحكم أو طبيعة العمليات المسلحة". ويؤكد هذا الواقع على النتيجة المخالفة للتوقعات التي توصلنا إليها للمرة الأولى في الاستطلاع السابق الذي أجري في أيار/مايو 2017.
أما على المستوى التكتيكي، وبشكلٍ مفاجئ أيضًا، إن آراء الضفة الغربية أكثر ميلًا للقتال من الآراء الغزاوية المشار إليها في السابق. فعلى سبيل المثال، لا يريد سوى 36 في المئة من سكان الضفة الغربية أن تؤمن الشركات الإسرائيلية عددًا أكبر من الوظائف على أرضهم. وترغب نسبة أكبر بقليل (42 في المئة)، لكنها تبقى أقلية"، في "تواصل شخصي وحوار مع الإسرائيليين من أجل دعم الراغبين في تحقيق السلام".
وبتشاؤم أكبر، تؤيد على الأقل النسبة نفسها من السكان في أحد الاستطلاعين الأخيرين "إنهاء التنسيق الأمني مع إسرائيل". وكانت نتائج الاستطلاع الآخر، حيث اختار عدد أقل من المجيبين خيار "لا أعرف"، أسوأ حتى فيقول 63 في المئة أن وقف هذا التنسيق الأمني سيحمل أثرًا "إيجابيًا نوعًا ما".
والجدير بالذكر أيضًا أن مواقف سكان الضفة الغربية تجاه حكومتهم في رام الله مُشكِّكة للغاية أيضًا. فيُظهر الاستطلاعان أن الأغلبية الكبيرة (62-67 في المئة) تقول إنه وخلافًا لممارسات "السلطة الفلسطينية" الحالية، "يجب السماح لحركة "حماس" بأن تعمل سياسيًا في الضفة الغربية بشكل حر ومفتوح". ولدى سؤالهم عن مستقبل "السلطة الفلسطينية" المحتمل، لم يتوقع سوى 20 في المئة أن تبقى في السلطة كما هي اليوم تقريبًا. وتنقسم النسبة المتبقية بين مجموعة متنوعة من التوقعات الأخرى وهي: إما الفوضى وإما سيطرة حركة "حماس" أو السلطات المحلية أو حتى إسرائيل بشكل أكبر على الضفة الغربية. إلا أن 21 في المئة فقط من سكان الضفة الغربية يفضلون "حلّ "السلطة الفلسطينية" وإرغام إسرائيل على تحمّل المسؤولية الكاملة" على الأراضي كافة.
يستند التحليل أعلاه إلى نتائج استطلاعين مستقلين أجريا وجهًا لوجه على يد مستطلعَين متخصصَين فلسطينيَين محترميَن للغاية ومتواجدَين في رام الله وبيت ساحور طوال الفترة الممتدة من 3 إلى 19 تشرين الأول/أكتوبر. وقد استخدم كلاهما تقنيات الاحتمالية الجغرافية الاعتيادية، إذ أجريا مقابلات مع عيّنات تمثيلية مؤلفة من 732 و500 مستجيب على التوالي تم اختيارهم بشكل عشوائي. وإنّ التفاصيل المنهجية متوافرة لدينا عند الطلب.