- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تعز مفتاح السلام في اليمن: فرصة لإنقاذ حياة ثلاثة ملايين شخص
أشار المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، مارتن غريفيث، في معرض بيانه الذي أدلى به في 17 تشرين الأول/ أكتوبر عن عملية السلام في اليمن إلى أهمية إحلال السلام في مدينة تعز المحاصرة حاليًا. وعلى الرغم من أن سكان تعز يقدّرون تعاطف السيد غريفيث، إلا أننا لا نريد من السيد جريفث كلماته. نحن بحاجة إلى تعاضد المجتمع الدولي واتحاده في دعم قضيتنا وأن يدعم بشدة مبادرات السلام المحلية من خلال الضغط على جميع الأطراف المتنازعة لإجبارهم على الالتزام بتحقيق السلام في هذه المدينة المنكوبة.
تعز هي مدينتي التي يعيش فيها أكثر من ثلاثة مليون نسمة قابعين تحت حصار قاسٍ فرضته عليهم جماعة الحوثي منذ أكثر من أربعة سنوات. يعاني سكان مدينتي الأمرّين، لا سيما بسبب الحصار الذين يعيق حركة الوكالات الإنسانية، وزادت معاناة الناس بسبب صعوبة المرور وأصبح الناس يتنقلون لمدة ساعات في طرق وعرة وخطرة للوصول إلى مناطق كانوا يصلونها في ظرف دقائق معدودة قبل الحرب.
كما أن المدينة تعرضت للاقتتال المسلح بشكل مستمر بين الأعداء تارة وبين المتحالفين تارة أخرى. فتدمرت البنية التحتية وانهارت الخدمات الاجتماعية واستهدف المدنيين والمدنيات بشكل عشوائي بالقصف والقنص والألغام دون أية مراعاة للقانون الدولي الإنساني مما أدى إلى تفاقم الحالة الإنسانية.
مؤخرا عاد إلينا بصيص من الأمل نتيجة مبادرة جديدة طرحتها شخصيات محلية نافذة تدعو إلى فتح ممر إنساني يتيح المرور الآمن للمساعدات والمدنيين. وقد رحّبت القيادات الحوثية بالاقتراح، مشيرةً إلى أنهم مستعدون لفتح ممر من هذا النوع. كما أعرب محافظ تعز، التابع لحكومة هادي اليمنية المعترف بها دوليًا، عن استعدادهم لرفع المتارس في حالة فتح الحوثيون لأي طريق من قبلهم. وقد وصلت الى تعز خلال الأيام الماضية لجنة وساطة محلية قادمة من صنعاء مشكلة من منظمات المجتمع المدني تحظى بقبول مبدئي من الطرفين للتفاهم حول فتح الطريق. وفي حين ينزع مواطنو تعز الذين يعانون ألم الحصار منذ سنوات إلى التساؤل حول نوايا جماعة الحوثي الحقيقية، إلا أنه يجب أخذ هذه المبادرة على محمل الجد ودعمها بشدة.
وهذه المبادرة ليست المبادرة المحلية الأولى فهناك عدة مبادرات محلية سابقة. كما عملت أنا بشكل مباشر على عدة مبادرات سابقة لدعم فتح المعابر الإنسانية، وحتى نعطي هذه المبادرة فرصة حقيقية للنجاح لابد من الاستفادة من الدروس السابقة وأسباب فشل حلحلة الأزمة في تعز. من أهمها تفعيل دور المجتمع الدولي وعلى رأسهم التحالف العربي والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ومكتب مبعوث الأمين العام لليمن للضغط والتعاطي الإيجابي مع هذه المبادرة المحلية وخلق تقدم في العملية السلمية.
فيما يبدو واعدًا بشأن هذه الجهود الأخيرة هو حدوثها في وقت نفد فيه صبر عامة الناس. فقد طفح الكيل بالنسبة لسكان تعز، وبات هؤلاء المواطنون يضغطون جديًا على صانعي القرار لوضع حدّ للوضع الحالي. وقد يكون للمتغيرات الإقليمية الأخيرة والاتفاق الأخير في الرياض بين حكومة هادي الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي له تأثير أكبر على ميل الحوثيون للتعاون بشكل أكبر في قضية فتح الطرق خاصة وأن هذا الاتفاق سوف يؤدي الى توحيد مواقف حكومة هادي مع المجلس الانتقالي على عدوهم المشترك، أي الحوثين. ونظرًا إلى اجتماع هذه العوامل، يبدو أن الأجواء السياسية والشعبية مؤاتية لاقتراح مماثل، ومن المحتمل أن تنجح هذه الجهود إذ ما تمّ بذلها بطريقة سليمة.
وتعود أسباب فشل المبادرات السابقة لفتح الطرق في تعز إلى أن المناخ السياسي سابقاً كان مشحوناً بشكل كبير ويتغذى على الصراع الإقليمي وبالتالي كثيراً ما تم استخدام تعز كورقة حرب لكلا الطرفين. واستخدمت كورقة مساومة أثناء مفاوضات السلام حيث كان يصر الحوثيون على أن فك حصار تعز لن يكون إلا مقابل فتح مطار صنعاء، وفي نفس الوقت كان التحالف والحكومة الشرعية تستغل تدهور الوضع الإنساني بسبب الحصار الذي يفرضه الحوثيين لتظهر انتهاكات الحوثيين لحقوق الإنسان، وذلك عوضا عن إيجاد حل حقيقي للازمة.
كما أن تشرذم اتخاذ القرار داخل مربع الشرعية كان يشتت عملية التواصل لفتح الطرق والتي كانت تتم عبر شخصيات عسكرية أو اجتماعية مختلفة مما أدي إلى وقوع خلافات بينها. فعدم توحيد القرار عبر السلطة المحلية واختزال لجنة التهدئة عبر تقاسم حزبي بين طرفي الحرب دون تمثيل شباب ونساء ومنظمات مدنية، فاقم من هذا التشرذم بالذات لأن التعاطي السابق مع ملف فتح المعابر بشكل عام كان من منطلق سياسي وليس إنساني. تلك الأسباب وغيرها أدت إلى فشل جميع المبادرات السابقة، الأمر الذي يجب أن نتلافاه بقوة في هذه المرحلة.
وعلى هذا الأساس، لم تحظَ مدينة تعز بما يكفي من الاهتمام العالمي. فعلى سبيل المثال، أشارت "اتفاقية ستوكهولهم" الأخيرة التي أجريت العام الفائت بشكل مبهم إلى الحاجة إلى إنشاء "لجنة مشتركة" للتفاهمات بشأن تعز، ولكنها لم تحدد أي تفاصيل حول آلية عمل اللجنة وكان تمثيلها مقتصراً على شخصيات محدودة لا تمثل جميع مكونات تعز السياسية والاجتماعية خاصة الشباب والنساء ومنظمات المجتمع المدني. كما أن هذه اللجنة، رغم مرور سنة على إنشائها إلا أنها لم تعقد ولا اجتماع واحد حتى الآن.
وبالتالي فإن الفرصة سانحة لعمل اختراق في قضية تعز. وأنا مؤمنة بأن مفتاح الحل والوصول للسلام في اليمن يبدأ من هذه المدينة، حيث أن الصراع في تعز يعكس بشكل مصغر ديناميكيات وتعقيدات الصراع على مستوى البلد بشكل كامل، وحلحلة الوضع في تعز سيؤثر على حلحلة الوضع في البلد كله.
ومن الناحية العملية، يجب دعم المبادرة الحالية من خلال جهود جدية لتجنب الوقوع فريسة الأخطاء السابقة، وذلك عبر أربعة مسارات متوازية للتصدي للتحديات وهي: مسار سياسي/ دبلوماسي ومسار إنساني ومسار اجتماعي ومسار أمني. وتتوفر في كل فئة من هذه الفئات جهات مؤثرة بارزة محليًا ودوليًا عليها العمل معًا، ولا بدّ من إيلاء الأولوية للقيام بهذا بطريقة منظمة ومنسقة.
وفي ما يتعلق بالمسار السياسي، يجب على "التحالف العربي" وسفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن للأمم المتحدة ومبعوث الأمم المتحدة دعم المبادرات المحلية بصفتهم الجهات الضامنة لتنفيذ أي اتفاق محلي، والحرص على تمثيل كافة المكونات السياسية في تعز بما فيهم الشباب والنساء ومنظمات المجتمع المدني في المفاوضات. وتستطيع هذه الجهات الفاعلة استخدام استراتيجية العصا والجزرة للتمكن من الضغط على أعضاء اللجنة المشتركة في ستوكهولم للانعقاد السريع والوصول إلى اتفاق لفتح طريق واحد على الأقل ودعم المبادرة المحلية الجارية، وهذا يمكن أن يشكل خطوة أولية نحو رفع الحصار بالكامل.
أما الجهة الإنسانية فيجب أن تعمل بقيادة منظمات الإغاثة الدولية للمساعدة في زيادة الضغوط باتجاه إنهاء الحصار عبر إحضار المساعدات إلى مدينة تعز. وتستطيع منظمات الإغاثة من خلال وجودها الفعلي بالقرب من مدخل المعبر الذي سيتم فتحه والبقاء على جهوزية للدخول على الفور في حال تم التوصل إلى اتفاق والضغط على الجهات المتنازعة للإسراع في الاتفاق وتقديم التنازلات.
ويتطلب المسار الاجتماعي حشد شخصيات مقبولة ونافذة اجتماعيًا من الجانبين وإشراك النساء والشباب ومنظمات المجتمع المدني للإشراف والرقابة على تقدم العمل على فتح هذه المعابر. ويضمن إشراك هذه النماذج من الجهات المؤثرة المزيد من الشفافية وتمثيل المجتمع عمومًا، في حين يساعد في تسهيل مواصلة المفاوضات والحدّ من المعوقات السياسية المحتملة. وتعدّ هذه اللجان المحلية الموسعة الضمان الأنسب لتنفيذ الاتفاق السياسي بخصوص إنشاء ممرات آمنة على ارض الواقع، وستعمل على إبقائها مفتوحة لمواجهة أي عناصر تستفيد من الحصار وتسعى لإفشال الاتفاق.
وأخيرًا، يجب إجراء التنسيق بين الجهود الأمنية والعسكرية تحت إشراف مباشر من كل من السلطة المحلية التابعة للحكومة الشرعية والحوثيين الذين يشكلون سلطة الأمر الواقع على الساحة. ويجب تشكيل لجان أمنية مشتركة لضمان عبور سلس للمساعدات والمدنيين وكذلك تحديد الألغام التي زرعت حول المدينة ونزعها.
صحيح أن ملف تعز معقد، وصحيح أن هناك عدة مبادرات محلية فشلت من قبل، وصحيح أن جهود التهدئة في أوقات سابقة انهارت، إلا أنه يجب على المجتمع الدولي عدم الهروب نحو إطفاء النيران الصغيرة وإهمال النيران الكبيرة، وعدم اللجوء الى تبسيط الصراع وتفادي الخوض بتعقيدات المشهد كما يتوجب على المجتمع الدولي الانتباه إلى المشاكل الرئيسية التي تواجه المجتمعات في اليمن، بغض النظر عن مدى صعوبتها أو تعقيدها. أما فشل المبادرات السابقة فيجب أن تترجم لدروس نستفيد منها للنجاح في هذه المرة.
آن الأوان لرفع معاناة الناس وتحقيق السلام في تعز، ولن يتم ذلك إلا عبر الضغط الإقليمي والدولي والإرادة والنية الصادقة من القوى السياسية المحلية وتفعيل الدور الرقابي للمكونات المجتمعية من النساء والشباب ومنظمات المجتمع المدني. فالناس في تعز يستحقون السلام وأي سلام في تعز سوف ينعكس أثره على اليمن بشكل عام.