- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
إعادة العلاقات بين إسرائيل والأردن إلى المسار الصحيح
في 10 آذار/مارس، ألغى ولي العهد الأردني الأمير حسين بن عبد الله رحلةً للصلاة في المسجد الأقصى احتفالاً بالإسراء والمعراج . هناك جذور دبلوماسية وسياسية واقتصادية وحتى شخصية للتدهور الذي شوهد بين إسرائيل والأردن في السنوات الأخيرة، وكان تأثيرها الجماعي هو كبح مصالح الجميع، بما فيها مصالح واشنطن.
في 10 آذار/مارس، ألغى ولي العهد الأردني الأمير حسين بن عبد الله رحلةً للصلاة في المسجد الأقصى احتفالاً بالإسراء والمعراج، وهو عيد يخلّد فيه المسلمون ذكرى رحلة منتصف الليل للنبي محمد مِن مكّة إلى القدس في عام 621 م. وتدّعي التقارير الإسرائيلية أنّ الزيارة أُلغيت بسبب الخلاف حول عدد حرّاس أمن البلاط الملكي الأردني المسموح لهم بعبور الحدود. ومع ذلك، فوفقاً لمسؤولين أردنيين، طلبت إسرائيل وضع قيود غير مقبولة على المصلّين الفلسطينيين في الموقع أثناء الزيارة. وفي كلتا الحالتين، يزيد سوء التفاهم من تعقيد العلاقات بين إسرائيل والأردن، والتي اخذت تتدهور باطراد على الرغم من بعض المؤشرات الإيجابية.
لقد عاش البَلَدان في ظل اتفاقية سلام منذ توقيعهما على "معاهدة وادي عربة" في عام 1994؛ وشهدت العقود التي تلت ذلك مجموعة واسعة من التعاون متبادل المنفعة - كالعلاقات التجارية عبر الحدود التي توظف الآلاف من الأردنيين، وتوسيع مبيعات الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى المملكة، وتعاون وثيق في تخصيص الموارد المائية الشحيحة، وأكثر من ذلك. كما أقاما روابط استراتيجية مثمرة بشكل خاص (وإن لم تكن حميمة) فيما يتعلق بالعلاقات العسكرية وتبادل المعلومات الاستخباراتية.
لكن في السنوات الأخيرة، تدهورت العلاقة الحميمة التي كانت قائمة سابقاً بين الحكومتَين إلى حدٍّ كبير. ولطالما شكّلت قضية مقتل القاضي الأردني في عام 2014 عند مركز حدودي إسرائيلي على جسر ألنبي، والتي لم تُحلّ بعد، مصدرَ خلاف. وتفاقمت التوتّرات في عام 2017 عندما قَتل حارس أمن إسرائيلي مواطنيْن أردنيَّين - أحدهما مالك عقار بريء - أثناء الرد على هجوم إرهابي على السفارة الإسرائيلية في عمّان. ونتيجةً لذلك، تم إخلاء السفارة، وشعر البلاط الملكي بالقلق من تعامل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع تداعيات الحادث، من تسريب مكالمة هاتفية مع الحارس، إلى الترحيب به في منزل رئيس الوزراء كبطل. وردّت عمان بالإفصاح عن اسم الحارس ومعلومات شخصية، وهو خرق كبير للبروتوكول الدبلوماسي.
وفيما يتخطى هذه التفاقمات - التي تم تسهيلها جزئياً في كانون الثاني/يناير 2018 عندما وافقت إسرائيل على دفع 5 ملايين دولار كتعويضات وإعادة فتح السفارة - لا يزال الأردن يشعر بالإحباط لأن القدس تخلت عن التزامها من عام 2013 بالمشاركة في "مشروع النقل بين البحر الأحمر والبحر الميت" (المعروف أيضاً باسم "مشروع قناة البحرين الأحمر - الميت"/"مشروع قناة البحر الأحمر - البحر الميت"). وهذا المشروع، الذي سيوفر مياه الشرب المحلاة (المزالة ملوحتها) لكل من الضفة الغربية ومنطقة العقبة في المملكة، كان متصوراً في الأصل كمشروع تعاون إقليمي. إلّا أن إسرائيل رفضت الخطة في النهاية، معتبرة إياها "غير اقتصادية". وقد أدّى هذا القرار بعكس الموافقة إلى إضعاف حماس عمّان - وربما قوّضه بشكل نهائي - حول المشاركة في تعهدات أخرى مربحة مع إسرائيل، من بينها مشروع "بوابة الأردن"، الذي [كان من المتوقع أن يكون] مركز صناعي وتجاري ولوجستي وطبي عابر للحدود يقع بين اربد والناصرة.
وأثار بناء إسرائيل لـ "مطار رامون" بالقرب من إيلات جدلاً بين كلا البلدين أيضاً. وتم افتتاح المطار في عام 2019، ويبعد أقل من ستة أميال عن "مطار الملك حسين الدولي" في الأردن وأقل من نصف ميل من الحدود. وفي عام 2015، قدمت عمّان شكوى إلى "منظمة الطيران المدني الدولية" التابعة للأمم المتحدة ادّعت فيها أن قرب المسافة يمكن أن يعترض الممرات الجوية. ومع ذلك، لم تتم معالجة مخاوف المملكة بشكل هادف؛ ولا يشكّل الأمر مصدر إزعاج فحسب، بل فرصة مؤسفة ضائعة للتعاون التجاري.
وظهرت توتّرات أكثر خطورة في العام الماضي، عندما طرحت إسرائيل خططاً لضمّ أراضي في الضفّة الغربية ثم تراجعت عن هذه الخطوة. بالإضافة إلى ذلك، حدثت هذه المشاكل المعزولة على خلفية الاتهامات المستمرّة حول قضايا مختلفة، بما فيها دور الأردن الخاص في الحرم القدسي الشريف.
وأعرب المسؤولون الإسرائيليّون عن إحباطهم من العلاقة أيضاً. ويرد في رأس قائمة شكاواهم، تحفّظ الأردن الملحوظ تجاه المزيد من التعاون العَلَني منذ توقيع معاهدة السلام عام 1994، وترددها في الإفصاح علناً عن أي من مكاسب المملكة من السلام مع إسرائيل. كما يقولون أيضاً أنّ السلطات الأردنية تشتكي عادة من أمور مثل إمكانية الوصول اقتصاديّاً إلى الضفّة الغربية ولكن نادراً ما تقدّم اقتراحات عملية حول كيفية تحسين الوضع، وأن دبلوماسيتها بشأن القضايا الفلسطينية في المنتديات متعددة الأطراف عرضة للمبالغة غير المفيدة.
وقد يعود جزء من هذا التدهور في العلاقات إلى عوامل شخصية وتاريخية. ففي عام 1997، عندما كان الملك عبد الله لا يزال أميراً يترأس القوّات الخاصّة في المملكة، أمَر نتنياهو بالقيام بعملية، باءت بالفشل، لاغتيال زعيم «حماس» خالد مشعل على الأراضي الأردنية. وقد مرّ وقت طويل منذ ذلك الحين، ولكن الإهانة الظاهرة لسيادة عمّان أزعجت بالتأكيد الجندي والملك المستقبلي. ومهما كانت الحالة، لم يظهر العاهل الأردني أبداً أنه يطوّر علاقة شخصية جيدة مع نتنياهو، ويقال إن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يتحدث معه مباشرة منذ ثلاث سنوات. وفي 11 آذار/مارس، عزا وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس هذه الدينامية إلى "فشل حكومة نتنياهو".
وبغض النظر عن الجهة التي يقع عليها اللوم، فإن التدهور [في العلاقات] يثير القلق في واشنطن. وبقدر ما قد تكون "اتفاقيات إبراهيم" مع دول الخليج مفيدة، إلّا أن المنطقة بأكملها ستكون أقل أمناً واستقراراً إذا تم السماح لركائز السلام الأساسية التي أقيمت قبلها - معاهدات السلام مع مصر والأردن - بالتعثر. ويُعَدّ الأردن بمثابة العمق الاستراتيجي لإسرائيل في الشرق، ويشكّل تعاون المملكة مع القدس عاملاً رئيسياً في أي استراتيجية دفاعية تنتهجها الولايات المتّحدة في الشرق الأوسط وتقوم على نهج "عبر، ومع، ومن خلال".
ولضمان أن تكون هذه العلاقة ذات الأهمية الحاسمة قوية بما فيه الكفاية، على واشنطن اتخاذ الخطوات التالية لمساعدة أصدقائها القدامى على تجاوز هذه الدينامية غير المفيدة:
- حثّ الحكومتَين على إعادة إنشاء قنوات ممكَّنة من أجل حلّ أي نزاعات جديدة بسرعة وبصورة هادئة.
- التوسّط لحلّ مصادر الخلاف الثنائية العالقة حيثما أمكن ذلك.
- استكشاف طرق لضمان استفادة الأردن مباشرة من الديناميات الجديدة والفرص التي أوجدتها "اتفاقيات إبراهيم".
ديفيد شينكر التحق مؤخراً من جديد بمعهد واشنطن كزميل أقدم بعد أن شغل منصب "مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى" في إدارة ترامب. غيث العمري هو زميل أقدم في "برنامج إيروين ليفي فاميلي" التابع للمعهد حول العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل.