- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
إعادة إعمار المجتمع: مفتاح النجاح لمشروع قرى إعادة التوطين السورية الجديدة في تركيا
تمثل خطة أردوغان لبناء قرى سكنية في سوريا خطوة مهمة للاجئين السوريين، حيث يجب على الأطراف المعنية المساعدة في جعل المشروع يؤتي ثماره وضمان استمراره.
في مطلع شهر أيار/مايو 2022، افتتح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو قرية سكنية مبنية من "الطوب"، قرب بلدة سرمدا السورية، القريبة من الحدود التركية - السورية، وأخرى في منطقة "كللي". وتشمل تلك القرى، التي تقع في مناطق سيطرة الفصائل المقربة لتركيا، مشروعا قال الرئيس رجب طيب أردوغان، إنه يهدف الى إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. وقد صرح أردوغان خلال افتتاح القرى الجديدة انه تم بناء أكثر من 57000 منزلا للسوريين في محافظة إدلب وذلك بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني المحلية والعالمية، مؤكدا أنه سيتم أيضًا تشييد البنية التحتية السكنية الأساسية في المنطقة.
تم تصميم هذه القرى كبديل للمخيمات بهدف إيواء النازحين السوريين وتأمين ظروف ملائمة للحياة، تساهم في تشجيعهم على العودة لبلادهم. وقد كشف أردوغان مؤخراً، عن تحضير أنقرة لمشروع في الشمال السوري، يتيح العودة الطوعية لمليون لاجئ سوري يعيشون في تركيا إلى بلادهم، وهم شريحة كبيرة مكونة من 3.6 مليون لاجئ سوري يقيمون حاليًا في تركيا. كما أوضح أن المشروع سيقام في 13 منطقة في الشمال السوري (قرب مدن إعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض) الحدودية، وأنه سيوفر كل الاحتياجات اللازمة للعيش الكريم من سكن ومدارس ومستشفيات.
يتزامن الإعلان عن هذا المشروع، مع تزايد النبذ الأوروبي للاجئين السوريين، بحجة أن الوضع أصبح آمناً في سورية، وتزايد أعداد اللاجئين الأوكرانيين، نتيجة الحرب الأوكرانية – الروسية، والذي عبر عنه الرئيس التشيكي مؤخرا ميلوش زئمان مؤكداًأن بلاده ستستمر في دعم اللاجئين الأوكرانيين، كما فضّلهم على اللاجئين السوريين، لأن "اللاجئين الأوكرانيين هم من النساء والأطفال، بينما بقي الرجال يقاتلون في بلادهم، بينما اللاجئين السوريين هم من فئة الرجال الذين تركوا زوجاتهم وأطفالهم خلفهم في سوريا" حسب تعبيره.
رغم تأخر الإعلان عن المشروع التركي والبدء في تنفيذه، فإن أهميته تكمن في المساعدة على التخفيف من معاناة ملايين السوريين الذين هربوا من لظى القصف، والمعارك التي لم تهدأ على الساحة السورية منذ أكثر من عشر سنوات، وأدت إلى هروب أكثر من سبعة ملايين سوري إلى الخارج. من جهة أخرى، يمكن للمشروع أن يكون بداية الخلاص، وحلاً للازمة التي يمر بها اللاجئون مع حلول كل شتاء، حيث تطمر الثلوج المخيمات، وتجرف السيول الخيام، ويقتل البرد الأطفال والمسنين.
يمكن أيضا أن يساهم المشروع - والمشاريع المستقبلية الأخرى المماثلة - في ضمان التوزيع العادل للمساعدات الإنسانية، التي توفرها الأمم المتحدة، والدول الأجنبية الأخرى، ومنظمات المجتمع المدني الدولية، التي ينخر توزيعها فساد بعض العاملين (حسب تقارير الأمم المتحدة ومصادر إعلامية عالمية)، الذين تاجروا بمواد الإغاثة، ولم يوصلوها لمستحقيها.
ومع ذلك، وحتى يتسنى للسوريين العودة الدائمة إلى ديارهم داخل سوريا، وحتى يُكتب لهذا المشروع الهام النجاح - يجب اتخاذ عدة خطوات من قبل الجهات الفاعلة الرئيسية.
وفى هذا السياق، لابد أن تدعم الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها القوة الأكثر أهمية في الشمال السوري(من خلال تواجدها العسكري الفاعل) إصدار قرارات ملزمة لجميع أطراف الصراع، على إيقاف القصف، والعمليات العسكرية في مناطق إنشاء المنازل البديلة عن الخيام، وعدم تحويل المناطق التي يعاد أعمارها إلى ساحات للمعارك، وهذا يخلق جوا من الطمأنينة، يمكنه أن يكون دافعا للسوريين للعودة، وعاملاً مساعداً على الاستقرار الأمني في مناطق شمال سوريا، التي ستقام فيها هذه المشاريع الإسكانية. ومن الضروري أيضاً تعميم هذه التجربة، بحيث لا تقتصر على المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المدعومة من تركيا، بل ولتشمل المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد)، المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية.
ينبغي أيضا توفير آلية لتسهيل عودة هؤلاء اللاجئين من دول اللجوء، خاصة من لبنان، الذي يقطن فيه نسبة كبيرة من سكان الشمال السوري، الذين يعانون كثيرا من الدعوات العنصرية المستمرة، والبازارات السياسية اللبنانية، والجرائم التي ترتكب بحقهم، وسرقة أموال المساعدات الإنسانية الأممية.
وفى ما يتعلق بعملية التنفيذ، يجب أن تتمتع تلك المنازل البديلة بخدمات متكاملة من مدارس، ومستوصفات، ومشافي، وأسواق، وصرف صحي، و كهرباء، ومصافي ماء...الخ، وينبغي أيضا أن يركز التمويل الدولي على إقامة دورات مهنية، وتقديم قروض صغيرة ميسرة، وإقامة ورش إنتاج، والتوجه لعمليات تأهيل ودعم نفسي، وأنشطة تربوية، وإنجاز مناهج دراسية معاصرة، لا تشجع على التطرف والعنصرية. ويجب العمل على إعادة الكوادر السورية من أطباء، وممرضين، ومعلمين، وقضاة، ومحامين، (تُقدر أعدادهم بعشرات الألوف) من الذين سهل نظام الأسد عمليات تهجيرهم، وتوفير الظروف التي تشجعهم على العودة. ومن ثم، فإن توفير تلك الخدمات الرئيسية من شأنه أن يضمن أن جميع المناطق السكنية الجديدة في سوريا ستكون قادرة على العمل كوحدات مدنية.
بالإضافة الى ذلك، يمكن أن يجلب الاستثمار في هذه المناطق من سوريا عوائد كبيرة للشعب السوري ككل، فالشمال السوري "سلة سورية الغذائية"، وقد خربت الحرب البنى التحتية للإنتاج الزراعي، مما يستدعي العمل على صيانة قنوات الري، وتوفير البذار، والآليات الزراعية ومختلف متطلبات الإنتاج الزراعي، إضافة إلى توفير أسواق، محلية وخارجية، لتصريف المنتجات. وبالطبع، سيسمح هذا المشروع لسوريا بالبدء مرة أخرى في الاعتماد على الزراعة المحلية، خاصة في ظل النقص الحاد في الحبوب على مستوى العالم.
وفى ما يتعلق بالإدارة الرشيدة، يجب تسليم إدارة هذه المناطق لساكنيها، عبر توفير الظروف، التي تسمح لهم بانتخاب إدارات نزيهة ومحترفة، وبعيدة عن وصايات، الجهات المتدخلة، ووصاية أجسام المعارضة من ائتلاف وحكومة مؤقتة ومجلس سورية المدني، والمؤسسات التي تتبع لهم، وحمايتها من تجاوزات وفساد الفصائل العسكرية المتناحرة، المتواجدة في الشمال السوري، والتي تعمل على تغيير الوضع الديمغرافي في الشمال السوري. وبالمثل، يجب العمل على تشكيل أجسام قضائية، تعتمد القوانين المدنية، والجزائية المبنية على حكم القانون. ويجب أيضا تشكيل جهاز شرطة مدنية، لا وصاية عليه من قوى الأمر الواقع، والفصائل متعددة الولاءات التي تسيطر على مساحات شائعة من سوريا.
في الوقت نفسه، لابد من التأكيد على أن هذه المشاريع الإسكانية، ليست بديلا عن الحل السياسي النهائي، الذي يرفض تقسيم سورية، ويساعد على خلق مجتمع ديمقراطي مدني، ويؤمن عودة آمنة للاجئين والنازحين إلى مدنهم وبيوتهم، التي تم تهجيرهم منها.
وعلى الرغم من أن الجهود التي تُبذل تركياً لتوفير مساكن ملائمة للاجئين السوريين ليست بسيطة أو سهلة، ولن تؤتى ثمارها بين عشية وضحاها إلا أنه لا غنى عنها لإعادة الإعمار وتسهيل عودة اللاجئين السوريين الى بلادهم في المستقبل. إن توفير المتطلبات الأساسية للحياة المدنية سيضمن نجاح واستدامة هذا النوع من المشروعات، ويمكن أن يوفر شريان للحياة لهؤلاء اللاجئين. كما أن الاكتفاء ببناء المساكن وحده، دون متابعة أو مبادرة برنامجية أوسع، سيجعل من هذا المشروع نوعاً من "الحرث في الماء"، الذي لا يساهم في حل مشكلة اللاجئين السوريين من جذورها، ولا يساعد على تشجيع السوريين للعودة الى بلادهم.