- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الأبعاد الإلكترونية لاحتلال الموصل من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية»
شكلت عملية سقوط مدينة الموصل في 10 حزيران/يونيو 2014 ومن ثم محافظة نينوى بأكملها ومحافظات عراقية أخرى علامة فارقة في المعركة غير المتناظرة التي لم يألفها الجيش العراقي، ولم يتدرب عليها، ولم يكن في عقيدته العسكرية أي حسابات لمواجهة مثل هذه الأساليب. وقد اعتمدت المراحل التحضيرية التي اتبعها تنظيم «الدولة الإسلامية» للهجوم على الموصل على عدة أساليب، أهمها ما يصطلح عليه بإستراتيجية الصدمة والرعب والحرب النفسية والإعلامية وحرب العقول وتسويق الخبر وإدارة الرأي العام وتهيئة الأجواء لحالة الحسم الكبرى، بالإضافة إلى دور الشائعة المنظَّمة التي بدأ يروج لها التنظيم مما أدى - عبر هذه الآليات - إلى تحقيق أهداف كبيرة جدّاً. وقبل عملية سقوط الموصل أطلق تنظيم «داعش» موجة كبيرة من حملات الهجوم الإلكتروني المنظَّم عبر إصداراته التي أفزعت المؤسسات الأمنية العراقية في نينوى والمحافظات الأخرى. ونتيجة لذلك، ضعفت هذه المؤسسات بشكل ملحوظ - وانهارت في بعض الأحيان - مع استمرار تنظيم «الدولة الإسلامية» في نشر رسائله على نطاق واسع في صفوف القوات العراقية.
وقد مثل هذا التكتيك نهجاً جديداً لم يستخدمه تنظيم «داعش» بكفاءة في الماضي. فقد نجح التنظيم في إيقاع الهزيمة المعنوية قبل الهزيمة الفعلية على أرض المعركة. كما استفاد من تجربته في سوريا، التي تم تصديرها إلى العراق بهدف الاستيلاء على أراض جديدة من خلال الحرب الافتراضية. وهذا يطرح السؤال: هل تعلمت الحكومة العراقية وتحديداً المؤسسات الأمنية من هذا الدرس؟ وهل سيتم تطوير عقيدة افتراضية إلكترونية تكون مهمتها إدارة الحرب النفسية في أوقات الأزمات العسكرية؟
إن قيام تنظيم «الدولة الإسلامية» بتطوير هذا النموذج قبل سقوط الموصل وبعدها أدى إلى جعل العالم الافتراضي والحروب الجارية فيه وسطاً يشترك فيه الأفراد العاديون غير العسكريين - من مؤيدي التنظيم وأنصاره غير المقاتلين - في بيئة إلكترونية أصبح فيها جميع الأفراد يرسلون المعلومات ويستقبلونها من مصادر معروفة أو غير معروفة. وعلى وجه العموم، أنشأ التنظيم جيشاً إلكترونيّاً ضخماً يعمل على معالجة أهداف متعددة في مهمات منفصلة في إطار إستراتيجية شاملة. وتشمل هذه الاستراتيجية تصنيفات متقدمة من القوات متخصصة في الشؤون العسكرية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية. وهؤلاء الجنود هم الذين يقودون هذه الحرب التي تستهدف الأفراد العاديين من خلال وسائل الإعلام من أجل صياغة طريقة تفكيرهم ومراقبة الاتجاهات العامة فضلاً عن كافة أبعادها الدولية والإقليمية والمحلية.
وهناك أبعاد متعددة لحرب غير متكافئة، حيث أنشأ تنظيم «داعش» عدداً من الوحدات المتخصصة في مجال المواجهة الإلكترونية والحرب الافتراضية التي تنطوي على أبعاد نفسية ومعنوية متعددة. كما طور أيضاً تطبيقات ونشر شائعات مستهدفة، بالإضافة إلى تحضيره للمعارك العسكرية المباشرة. وكانت تلك التكتيكات ناجحة لأنه لم يتم تدريب القوات العراقية على مثل هذه الأنواع من القتال، كما لم يكن لدى العراق أي اهتمام على الإطلاق في هذا الجانب الإلكتروني أو أية هجمات إلكترونية حديثة للمواجهة.
وقبل الهجوم على الموصل نشر تنظيم «الدولة الإسلامية» أفلاماً وثائقية بعنوان "سلسلة صليل الصوارم" بأجزائها المتعددة وغيرها من الإصدارات الأخرى، تُظهر العمليات التي قام بها التنظيم في مختلف المناطق التي كانت تجري فيها المواجهات العسكرية التقليدية قبل سيطرته على مناطق واسعة من شمال العراق وأجزاء كبيرة من سوريا. وقد شملت تلك الأفلام الوثائقية رسائل نفسية ومعنوية إعلامية كبيرة أُرسلت بصورة احترافية لكي تخترق عقلية الجندي العراقي لتخويفه وتدميره نفسيّاً. وتعمل مثل هذه الأفلام كأدوات حرب إعلامية، وتبث شائعات عن هزائم الجيش الكبيرة في معارك متعددة وتضخّم عدد القتلى العراقيين، وبالتالي تقوّض العقيدة العسكرية الدفاعية والهجومية للجيش العراقي.
وقد اتبع تنظيم «داعش» هذه الإستراتيجية قبل سقوط الموصل من خلال تصويره عمليات قتل وإعدام جماعي وذبح ودفن جنود أحياء ونشر إصدارات إلكترونية وإيصالها إلى أكبر عدد من الناس عبر شبكات التواصل الاجتماعي. ولم تقابل هذه الحالة بعمليات إعادة تثبيت المعنويات العسكرية للجيش العراقي. ونتيجة لذلك، استطاع التنظيم أن يربح جزءاً من الحرب النفسية التي شكلت عاملاً مهمّاً في تقدُّمه في الموصل بسبب عدم وجود دفاعات عراقية تستطيع مواجهة هجماته، لا سيما الإصدارات الإلكترونية المتعلقة بعمليات اغتيال وقعت على طريق بغداد - الموصل وداخل المدينة في وضح النهار، فضلاً عن عمليات التفخيخ وزرع العبوات الناسفة. وباختصار، تمكن تنظيم «الدولة الإسلامية» من الاستفادة من التأثير الكبير للحرب النفسية والإعلامية التي شنها عبر شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها من الآليات في ظل اهتزاز كبير للمؤسسة الأمنية داخل المدينة.
وشكلت عملية صياغة الخبر وبثه إلكترونيّاً وفضائيّاً إحدى أهم الدعامات التي نظمها تنظيم «داعش» وعمل عليها في عملية احتلاله للموصل عبر التلاعب النفسي بالمنظومة الأمنية العراقية، وعبر بث الشائعات وحرب تسويق الانتصارات المزيفة وإيقاع الرعب الكبير في صفوف القوى الأمنية. ومثلت تلك التجربة نقلة حقيقية في عملية المواجهة ونوعاً جديداً لم يستخدمه التنظيم سابقاً بهذه الاحترافية العالية؛ إذ تمكَّن هنا من توفير أرضية قابلة للهزيمة دون مواجهة عسكرية كبيرة بفضل الحرب النفسية التي تعرض لها الجيش العراقي في الموصل. وجاءت هذه الاحترافية العالية لتنظيم «الدولة الإسلامية» نتيجة تجربة خاضها في سوريا، ومن ثم قام بتصديرها إلى العراق ليتمكن من التهام أراضٍ كثيرة متعددة عبر المواجهة الافتراضية.
وعلاوة على ذلك، لم تكن المؤسسة العسكرية العراقية على علم بآليات الحرب النفسية والإلكترونية نظراً لتركيزها فقط على المواجهة على أرض الواقع. وبفضل هذه العمليات الإلكترونية حقق تنظيم «الدولة الإسلامية» أهدافاً رئيسية قبل بدء المعركة، تلخصت في زرع الرعب والخوف في نفوس منتسبي القوات العراقية، ومن ثم تهيئتهم لهزيمة سلسة وسريعة على أرض المعركة.
علي أغوان هو مدرس مساعد في العلاقات الدولية في "جامعة بيان" في أربيل وباحث دكتوراه في "جامعة النهرين". وقد نُشرت هذه المقالة في الأصل من على موقع "منتدى فكرة".
"منتدى فكرة"