مع وجود العرب في المقدمة، تزداد الدعوات التي تُطلقها مختلف الجهات المعارِضة على غرار منظمة "مجاهدي خلق الإيرانية"، التي تُعدّ الركن الأساسي في "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية"، لتغيير النظام في الجمهورية الإسلامية.
"أنت يا سيدة مريم رجوي، "إن جهودكم كي يتخلص شعبكم من سرطان الخمينية هي ملحمة تاريخية ستبقى ... في سجل التاريخ “
هذه كانت كلمات سموّ الأمير تركي الفيصل
حضرت بصفة مراقب في التاسع من تموز (يوليو) 2016 تجمعا في باريس: تحدث فيه الأمير السعودي تركي الفيصل، السفير السابق في واشنطن والرئيس السابق للاستخبارات الذي لم يعد يتولّى أي منصب رسمي حاليًا - موجها كلمته إلى السيدة مريم رجوي الرئيسة المنتخبة لـ “لمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية". إن ما يسمى "خيار تركي" ــ وهو تغيير النظام في إيران ــ قد وضع ضغوطا على طهران. وعندما هتف الجمهور " الشعب يريد تغيير النظام"، إنضم الأمير إليهم في الهتاف قائلا بالعربية، "وأنا أيضا أريد تغيير النظام" في إيران، وأدى قول ألأمير هذا إلى هياج الحضور.
ومع وجود العرب في المقدمة، تزداد الدعوات التي تُطلقها مختلف الجهات المعارِضة على غرار منظمة "مجاهدي خلق الإيرانية"، التي تُعدّ الركن الأساسي في "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية"، لتغيير النظام في الجمهورية الإسلامية. ورغم أن الصراع العربي مع إيران كان طائفيًا عمومًا، إلا أن تركي الفيصل قد نقل الدول العربية إلى ما هو أبعد من الصراع الطائفي وإلى مستوى استراتيجي، وقد أصبح النزاع مع إيران اليوم نزاعا حول إيران الثورية. ومع التأييد القوي الذي يحظى به "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية " في الكونغرس الأميركي وفي البرلمانات الأوروبية وفي البرلمان الأوروبي أيضا، فقد حان الوقت كي ينضم الغرب إلى هذا الائتلاف.
خيار الأمير تركي الفيصل
تناولت كيم غطاس في مقالها بعنوان "الحرب الباردة بين السعودية وإيران تحتدم" الحرب الباردة الجديدة في سياق المفاوضات الضيّق بين إيران والقوى العظمى حول ملف طهران النووي. وقد عبر الأمير عن ازدياد حدة تلك الحرب الباردة ضد إيران. "إيران والولايات المتحدة: حضارة مشتركة تشهها السياسات ـ والهوية ـ الثورية"، وإن ما جاء على لسان تركي قد حوى فكرة قبول المخاطرة وذلك ضد طبيعة السعوديين التي تنفر تاريخيا من المخاطرة. ما يشير إلى احتدام وتيرة الحرب الباردة ضدّ إيران الثورية. وقال الأمير تركي" إن السياسات الإيرانية في نظام الخميني منذ 1979 تقوم دستوريا على مبدأ تصدير الثورة، وتخرق سيادات الدول باسم " تأييد الضعفاء والمستضعفين". وإذا نظرنا إلى العراق ولبنان وسوريا واليمن: فقد تحول العراق من بلد سني إلى بلد يسيطر عليه الشيعة وانتقل من مدار الرياض إلى المدار الإيراني. وقد كان هذا التغيير انتكاسة كبرى للرياض وهدية استراتيجية غير متوقعة لطهران حيث تحولت بغداد من عدو لإيران إلى حليف.
وقد سرد تركي كيف أن الخميني قد انتقل من جذور إيران الثقافية العظيمة وسار على السياسات الثورية المشينة، ما جعل إيران تسلك مسارًا تصادميًا مع المملكة العربية السعودية. كما سلّط الضوء على التحالف التاريخي مع الشعب الإيراني، ما ساهم في نقل موقف السعودية بشكل أكبر من الصدامات الطائفية السطحيّة إلى التغنّي بالثقافة الفارسية: فقد أثنى على "الثقافة والإسهامات الفارسية التي لا يمكن إنكار دورها في إعلاء العالم الإسلامي إلى جانب ما يزخر به التراث الفارسي من إنجازات علمية وثقافية". وبذلك يكون الأمير قد خصّ الثوريين الذين يتولّون الحكم في إيران بكلماته العدائية وليس الشعب الفارسي.
يشار إلى أن الصحافة العربية غطّت خطاب الأمير تركي الفيصل، وقد تمّ نقل المؤتمر مباشرةً على عدة قنوات إخبارية عربية، منها المحطتين السعوديتين " العربية" و"الحدث"، ومحطة أبو ظبي "سكاي نيوز"، إضافة إلى عدد من الصحف اليومية في السعودية والعالم العربي والتي نشرت تقارير على صفحاتها الأولى وأرفقت العديد منها بالصور. ويُظهر ردّ الفعل الإيجابي في العالم العربي إزاء الخطاب تعطّشًا إلى بديل عن كبار العلماء الدين يحملون لقب آية الله كسبيل إلى مواجهة الخطر المتنامي الذي تطرحه إيران.
الطريق إلى التقدّم
وقال الأمير تركي : "لم يجلب نظام الخميني سوى الدمار والطائفية والنزاع وسفك الدماء ـ ليس فقط للشعب الإيراني، ولكن للشرق الأوسط ككل. وليس هذه هو طريق السير قدما". فما هو الطريق إذن؟
تكمن الخطوة الأولى في الحدّ من "تعاون" الولايات المتحدة مع إيران بشكل حاسم. ومن المرجّح أن تعتمد كلينتون نهجًا أكثر تشدّدًا كما فعلت خلال المحادثات التمهيدية للاتفاق النووي عندما كانت وزيرة للخارجية. وإذا قامت إيران بخروقات كبيرة للاتفاق، فإن رقابة الكونغرس ستجعل من الصعب على الرئيس القادم أن يستمر في التواصل مع إيران. وإذا تم انتخاب دونالد ترامب، فكان قد تعهد بإعادة التفاوض حول البرنامج النووي الإيراني، وهو أمر لا يصبّ في مصلحة التعاون مع الجمهورية الإسلامية عمومًا. ولكن تجمعا من الحزبين في الكونغرس يمكن أن يضع قيودا على الرئيس القادم وأن يقلل من احتمالات التواصل مع إيران.
وكان التعاون مع النظام الإيراني قد شجّع طهران على زيادة انتهاكات حقوق الإنسان داخليا. وحتى خلال عهد الرئيس "المعتدل" حسن روحاني، تمّ إعدام أكثر من 2600 شخص، وواجهت الأقليات الدينية والإثنية قيودًا لم تنفكّ تزداد، وتدهورت الأوضاع في السجون. وقد أسفر التعاون مع إيران عن انتهاكات لحقوق الإنسان من دون أي اعتراض أو محاولة ردع من الغرب.
ثانيًا، على الولايات المتحدة تشديد العقوبات القائمة. وتعيد هذه الخطوة التذكير بالدبلوماسية القسرية التي مارسها الديمقراطيين والتي أتت بالإيرانيين إلى مائدة المفاوضات. غير أن العقوبات وحدها غير كافية لإبقاء النظام الإيراني في بيت الطاعة. لذلك، قبل عطلة صيف العام 2016، أقرّ مجلس النواب الأمريكي ثلاثة مشاريع قوانين جديدة ضدّ إيران: حظر حصول الجمهورية الإسلامية على الدولار خارج النظام المالي الأمريكي، فرض عقوبات على أي قطاع في الاقتصاد الإيراني على علاقة مباشرة أو غير مباشرة ببرنامج إيران للصواريخ البالتسية، ومنع واشنطن من شراء الماء الثقيل من إيران. يُذكر أنه لتشديد العقوبات الكثير من الإيجابيات والقليل من السلبيات: من المستبعد أن تخاطر طهران بالمكافأة التي حصلت عليها نتيجة الاتفاق النووي بسبب عقوبات مالية مماثلة.
ثالثًا، لا بدّ من أن نشجّع تغيير النظام، لأن العقوبات وحدها غير كافية لدفع النظام إلى مواصلة الالتزام بشروط الاتفاق. وما يدعم علنًا المعارَضة الإيرانية الهادفة إلى تغيير النظام هو "خيار تركي الفيصل"، وذلك الذي يضمن الالتزام بالشروط على المدى الطويل على أفضل وجه نظرًا إلى أن المنشقين لا يؤيّدون امتلاك البلاد أسلحة نووية.
لمَ هذه الرغبة في تغيير النظام؟
إن تمكين الشعب الإيراني يفترض أن ائتلاف المجموعات المعارضة لديه ما يكفي من الأتباع داخل إيران لإسقاط النظام، كما حصل في العام 1979. غير أن هذا الأمر يطرح العواقب المحتملة لتغيير النظام: هل سيبقى مسالمًا؟ ويستشهد النقّاد في هذا السياق بوضع إيران في العام 1979، وكذلك ليبيا ومصر وسوريا في 2011، حيث سرعان ما تحوّلت كافة التظاهرات السلمية إلى أعمال عنف وأساءت بالتالي إلى معنى تغيير النظام من الداخل.
بيد أن دعم التغيير الديمقراطي في إيران لا يعني بالضرورة تكرار تجربة مصر أو ليبيا اللتيْن افتقرتا إلى بدائل ديمقراطية لملء الفراغ. فقد سيطر المعارضون الإسلاميون على السلطة أقلّه في أجزاء من كل دولة عربية قوّضت فيها انتفاضة شعبية عمل الحكومة. لكن وضع إيران سيكون مختلفًا.
فبخلاف بعض الدول الأخرى في الشرق الأوسط التي اختبرت تغييرًا في النظام، تمتلك إيران أهم مكوّنات النجاح: بديل عملي قابل للحياة. فالإسلاميون موجودون في السلطة أساسًا، وثمة حركة معارِضة مناهضة للإسلاميين ذات منصة واضحة موالية للغرب. وبإشارة من الغرب، سيصبح المعارضون الإيرانيون قادرين على مواجهة النظام واستبداله بواسطة عملية انتقال سياسي سلمية مقارنةً بدول أخرى. ما هو الدليل الذي يدعم هذا التأكيد؟ لقد قام طلاب جامعة جورج تاون وزملائهم في "لجنة السياسة الإيرانية" بدراسة تحت إشرافي لتقييم شعبية المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومجموعات إيرانية معارضة أخرى ومن ضمنها تنظيمات لا تدعو إلى تغيير النظام. وعبر اللجوء إلى ما كتبته "وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء" (إرنا) خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني/يناير إلى كانون الأول/ديسمبر 2005، أجرينا تحليلًا لمحتواها وخلُصنا إلى أن "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية"/"مجاهدي خلق" شكّل موضوع النقاش الأبرز حيث تمّ التطرّق إليه بواقع أربع مرات تقريبًا أكثر من كافة مجموعات المعارَضة الأخرى مجتمعةً.
هذا وقمنا بتحديث دراسة العام 2005 عبر اللجوء إلى العدد الكبير من الهجمات التي شنّتها قوات "الحرس الثوري الإيراني" أو وكلاء إيران ضدّ "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية". وثانيةً، تمّ استهداف مجموعة كيانات "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية" أكثر من الأقليات الثائرة الأخرى في إيران. فضلًا عن ذلك، يقدّم النظام الإيراني على نحو منتظم عروضًا في كافة أنحاء البلاد لإقناع الإيرانيين بالإحجام عن إيلاء أي اهتمام إلى "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية".
فلو لم يكن النظام يخشى هذا المجلس إلى حدّ كبير، لما كان أولاه هذا القدر من الاهتمام. أضف إلى ذلك، لن تستخدم إيران رأسمالها السياسي مع الحكومات الأجنبية مطالبةً إياها بقمع المجموعة أو السعي إلى تدمير معسكر أشرف/ليبرتي في العراق، حيث تمّ إرسال معارضي "مجاهدي خلق" إلى المنفى في ليبرتي لغاية 9 أيلول/سبتمبر 2016.
ماذا عن بدائل "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية"، على غرار ما يُسمّى بـ "الحركة الخضراء"، التي تمكّنت من حثّ مئات الآلاف من الإيرانيين على النزول إلى الشارع والمشاركة في تظاهرات عام 2009؟ يَعتبرها البعض المعارَضة الرئيسية للنظام. وبخلاف "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية"، تقبل "الحركة الخضراء" بالحكم الديني، في مؤشر بالكاد يدلّ على معارَضة هذه "الحركة" للنظام. وبالنسبة إلى أبرز عضوييْن في الحركة، وهما رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي ورئيس المجلس السابق مهدي كروبي، فيرغبان في تطبيق الدستور بحذافيره، ما يعني أنهما يقبلان بالحكم الديني. كما أشاد موسوي بالمرشد الأعلى الحالي للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي والمرشد الأول للثورة روح الله الخميني. وأخيرًا، ومنذ شباط/فبراير 2011، تمّ وضع كل من موسوي وكروبي تحت الإقامة الجبرية المشدّدة، وهذا ليس بمؤشر على أنه يجب أخذ "الحركة الخضراء" على محمل الجدّ.
ومما لا شكّ فيه أن الأغلبية الساحقة من المسؤولين السابقين والمحللين في شركات، يشكون في أن لذلك الائتلاف القدرة على الإطاحة بالنظام. غير أنه في حال كان الغرب سيوفّر الخطاب العلني والدعم التقني لتغيير النظام، يمكن تعزيز صفوف مجموعة منظمات "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية" الحالية لتشمل الأقليات، كما حصل حين أسقط الشعب الإيراني حكم الشاه.
فقد أظهرت انتفاضة العام 2009 أن الملايين في إيران كانوا يرغبون في تغيير النظام، وهو هدف يسعى إليه "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية" الذي دفع أعضاؤه أثمانًا غير متكافئة لمشاركتهم في هذا التحرّك. وحاليًا، تقدّم بعض الحكومات العربية الدعم للمنشقين الإيرانيين إذ ترى أن النظام الثوري العدو بات على أبوابها. ونظرًا إلى أن الأمير يسعى إلى إعادة رسم المسار التاريخي، فهذا هو الوقت المناسب كي ينضمّ الغرب إلى الائتلاف الذي قد يحدّد ملامح المستقبل.