- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الانتخابات الإسرائيلية تعكس مشاعر متناقضة لدى الفلسطينيين
خلّفت نتائج الانتخابات الإسرائيلية مشاعر متناقضة جمعت ما بين القليل من الإحباط والقليل من الأمل. فمن جهة، يشعر الفلسطينيون مثلي بالإحباط إذ يعتبرون أن الأمر سيّان بشأن عمليات السلام سواء فاز ائتلاف الأحزاب اليمينية المتطرفة بقيادة حزب "الليكود" أو ائتلاف الأحزاب الوسط بقيادة حزب "أزرق أبيض" أو سواء شكّلا كلاهما حكومة وحدة وطنية. اذ لم يطرح أي منهما مفاوضات السلام والتسويات السياسية في برنامجهما السياسي وأيّد كلاهما بسط السيادة الإسرائيلية على غور الأردن والمستعمرات في الضفة الغربية كما أجمعا على أن القدس الموحدة عاصمة إسرائيل كما لم يطرح أي منهما حل الدولتين.
ومع ذلك، يشير الخطاب شديد اللهجة الذي القاه بعض السياسيين الإسرائيليين ضد الناخبين العرب إلى بصيص من الامل في هذه الانتخابات. لم يشكّل الوعد الذي قطعه نتنياهو في اللحظات الأخيرة من حملته الانتخابية للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية العصا السحرية لهرولة الناخبين للتصويت له كما توقع، وهو وعد ببسط السيادة الإسرائيلية على غور الأردن والمنطقة الشمالية من البحر الميت، وضم "المستعمرات الاستيطانية كافة" في الضفة الغربية والمعاقل اليهودية في الخليل ومناطق أخرى. فقد واجه هذا الوعد بالمقابل إدانات دولية على نطاق واسع في حين أنه لم ينجح في تعزيز التصويت المؤيد للاستيطان ولا في كسب الأصوات التي يحتاج إليها نتنياهو للحصول على الأغلبية المطلوبة. ولم تؤثر أيضًا تحذيراته بأن إسرائيل بحاجة إلى رئيس قوي قادر على الوقوف في وجه خطة السلام التي صاغتها إدارة ترامب المعروفة بـ"صفقة القرن".
وفي المقابل، تشير نتائج الانتخابات وما تلاها من عملية تشكيل الحكومة إلى أن كلام نتنياهو المعادي للعرب قد أتى بنتائج عكسية. فقد دفعت تصريحاته المزيد من المواطنين العرب إلى صناديق التصويت بدلًا من تشجيع مناصريه على ذلك. ولم تحصل الأحزاب المتشددة التي تدعو إلى تأييد الاستيطان على الدعم الذي توقعته، ولم يكسب الحزب الذي أراد ترحيل الفلسطينيين على أصوات كافية لتأمين مقاعد في الكنيست.
ومع ذلك، استمر الخطاب المعادي للعرب بعد الانتخابات، ولا سيما من جانب نتنياهو. ونسمعه يخطب ردًّا على النتائج: "بما أننا أسسنا الآن الكتلة اليمينية، ليس لدينا سوى خيارين: إما حكومة بقيادتي أو حكومة خطرة معتمدة على الأحزاب العربية". وأضاف: "في هذا الوقت، أكثر من وقت مضى، وبخاصة بوجه التحديات الأمنية والسياسية القائمة، يجب عدم تشكيل حكومة تعتمد على أحزاب عربية معادية للصهيونية. ويجب علينا بذل أقصى الجهود لمنع تشكيل حكومة خطرة من هذا النوع". واستهدف خطاب نتنياهو أيضًا المواطنين العرب، مدونًا على منصة "فيسبوك": "يريد العرب إبادتنا جميعًا من نساء وأطفال ورجال". إنه لتصريح مؤسف ومخيب للآمال فعلًا.
ولا يتوقف نتنياهو عن وصف الأقلية الفلسطينية العربية في إسرئيل بأنها خطر على أمن الدولة وسلامتها، على الرغم من ان هذه الأقلية الاثنية تشكل جزءًا من النسيج الديمقراطي الإسرائيلي ويقتضي الاعتراف بها والتعامل معها على هذا النحو كدولة الديمقراطية. ويشير خطاب نتنياهو الى مزاعم لا أساس لها من الصحة حول التلاعب بالانتخابات في المجتمع العربي. وتجدر الإشارة إلى أن المزاعم عن التلاعب في الانتخابات تنجم عادًة عن معارضين سياسيين فاشلين كطريقة لصرف النظر عن نتائجهم الرديئة لا عن أشخاص في سدة الحكم.
وتثبت هذه التصريحات والاتهامات أيضًا أن نتنياهو لم يتعلم من التداعيات السلبية لخطابه السابق في انتخابات عام 2015 من ان العري يهرولون للتصويت مما دفع العرب إلى التصويت بأعداد غير متوقعة. كما لم يتعلم من تجربة السياسيين الأمريكيين في السياسة الامريكية من امثال جورج والاس الذي عارض بشدة باعتباره الحاكم الديمقراطي لولاية ألاباما إلغاء الفصل العنصري ولكنه أجبر لاحقًا في حياته على الاعتذار من المجتمع الأفريقي الأمريكي عن موقفه العنصري. وفي حين أن المرء يبدي الاحترام للنظام القضائي كونه يحقق في قضايا مخالفة للقانون تتعلق برئيس الوزراء، الا أنه من الصعب فهم أولئك الناخبين الذين استمروا بتأييد سياسي يُحاكم بتهم فساد متعددة.
وعلى الرغم من (أو بسبب) هذا الخطاب العنصري، اختار الكثيرون من العرب المشاركة في الانتخابات بدلًا من مقاطعتها. وأصبح ائتلاف "اللائحة المشتركة" الحزب الثالث الأكبر في الكنيست بحصوله على ثلاثة عشر مقعدًا، وهو ائتلاف من أكبر أربع أحزاب سياسية تتألف بغالبيتها من العرب. ومن المتوقع أن يمكن هذا الوضع "اللائحة المشتركة" من تأدية دور بارز في إضافة مطلبين أساسيين إلى الأجندة الإسرائيلية: الأول، تجديد عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والثاني، تحسين الأحوال المعيشية للمجتمع العربي في إسرائيل.
أكدت الانتخابات الأخيرة أن المسار الذي يسلكه ائتلاف "اللائحة المشتركة" لتوحيد جبهته والمشاركة في الانتخابات هو القرار الصحيح وأن قرار الحركة الإسلامية لمقاطعة الانتخابات هو المسار الخطأ. وقد ارتفع عدد الناخبين بين الإسرائيليين العرب بنسبة كبيرة مقارنةً بالانتخابات السابقة، وأظهر الدور الذي أداه ائتلاف "اللائحة المشتركة" بعد ذلك انه رقم صعب في تشكيل الحكومة وأن التعاون لا المواجهة والمقاطعة هو الطريق إلى حصول المواطنين العرب في إسرائيل مستقبلًا على حقوقهم كمواطنين في النظام السياسي الإسرائيلي.
ولكن لا يزال الفلسطينيون يتطلعون إلى مستقبل انتخابات تدعو فيها الأحزاب الإسرائيلية إلى إنهاء الاحتلاء وحلّ الدولتين. قد يعترف المرء بأن المتشددين الفلسطينيين ساهموا في دفع السياسة الإسرائيلية إلى التطرف. ولكن يجب على المعتدلين الفلسطينيين إعادة دفة الحوار إلى الوسط بمواصلة الحوار مع المعتدلين الإسرائيليين لاستئناف مفاوضات السلام.
ولكن إلى أن تصبح هذه الحوارات جزءًا من الخطاب السياسي في الحملات الانتخابية، ستبقى الأقلية الداعية للسلام إلى حدّ ما مهمشة في العملية الديمقراطية. لم ترسخ نتائج الانتخابات الاسرائيلية الآراء السياسية لدى الفلسطينيين ولم تخفف من حدتها؛ فمنذ البداية، لم يتوقع الفلسطينيون أن تحدث النتائج الانتخابية أي تغييرات على مسيرة السلام. والى ذلك الحين، سيتعيّن على حل الدولتين انتظار انتخابات مستقبلية يبرز فيها زعيم إسرائيلي شجاع وملهم يسعى إلى تحقيق السلام العادل والشامل.