- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الانتخابات التركية: استفتاء حول مستقبل الجمهورية
رغم أن المعارضة التركية لديها فرصة حقيقية للإطاحة بأردوغان، إلا أن نجاحها بعيد عن أن يكون مضمونًا - حتى لو فازت في استطلاعات الرأي.
تحتفل تركيا هذا العام بمرور مئة عام على الجمهورية العلمانية التي ظهرت بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية في عام 1923. إلا أنّ نتائج الانتخابات التي ستجري هذا الأسبوع في 14 أيار/مايو ستكون مؤشرًا على ما إذا ستستمر الجمهورية في التخبط أم لا. هناك الكثير على المحك. فالكثير من مواطني تركيا البالغ عددهم 83 مليونًا يعتبرون هذه الانتخابات استفتاءً حول مستقبل تركيا بما فيه الخيار بين الديمقراطية واللا ديمقراطية وبين دولة علمانية ودولة إسلامية.
ويخوض الانتخابات منافسان رئيسيان هما الرئيس رجب طيب أردوغان وخصمه كمال قليجدار أوغلو، مرشح تحالف كبير مناهض لأردوغان يضم ستة أحزاب معارضة. ويسعى هذا التحالف إلى تعزيز سلطة البرلمان والتراجع عن الكثير من التعديلات الدستورية التي وضعها أردوغان للرئاسة الحالية. كما يعِد بتطوير النظام القضائي وتعزيز سيادة القانون وحرية التعبير والصحافة وإطلاق سراح السجناء السياسيين. وشمل المرشحون القومي المتطرف سنان أوغان والديمقراطي الاجتماعي محرم إينجه، ومن المتوقع أن يحصلا معًا على حوالي ستة أو سبعة في المئة من الأصوات - ولكن الأخير انسحب الآن، ما يشير إلى أن أوغلو سيحصد جزءًا كبيرًا من أصواته.
ثمة حقيقة واحدة لا جدال فيها: بناءً على الكثير من استطلاعات الرأي الأخيرة قد يخسر أردوغان، الذي يسيطر حاليًا على السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية معًا، الانتخابات. قد تدفع إخفاقات أردوغان الناخبين إلى الرغبة في إنهاء عهده. فالاقتصاد متدهور في البلد والخزانة فارغة والعملة في انخفاض. ويجب ألا ننسى عجز نظام أردوغان، المتسم بالخطاب الاستقطابي، في التصرف يوم 6 شباط/ فبراير واحتواء تأثيرات أكبر زلزال هزّ تركيا في تاريخها.
ويُعد هذا الزلزال المدمر مثالًا صارخًا على القضايا التي تحبط الناخبين الأتراك بشدة. فقد دعم أردوغان إلى حد كبير خلال عهده مشاريع البناء المختلفة كبناء الطرق والأنفاق والمطارات والمنازل، لكن الزلزال فضح مشاركته، بمساعدة خمسة من الأوليغارشيين المقربين منه، في أعمال بناء احتيالية. فالمباني التي انتُهكت فيها معايير السلامة انهارت مثل بيوت من الورق وسحقت الناس بداخلها. لذلك كانت الانتقادات الموجهة ضد أردوغان بسبب التصاريح التي منحها لتلك المشروعات لاذعة جدًا، مع أن الحكومة حاولت إسكات تلك الانتقادات التي اثيرت ضد طريقة الحكومة في ادارة تلك الكارثة. ويعرف أردوغان، الذي وصل إلى السلطة قبل عقدين من الزمن بسبب محاولة إنقاذ فاشلة في أعقاب زلزال آخر، جيدًا قوة تأثير هذا النوع من الإخفاق على الناخبين. وما زاد الطين بلة هو ضرب الزلزال محافظات كان أردوغان يتمتع فيها تقليديًا بأكبر قدر من الدعم. إن جهود الإنقاذ الفاشلة في هذه المناطق يمكن أن تكلف أردوغان الكثير.
كما أضعف أردوغان شعبيته بشدة بين الأكراد والنساء، أي الناخبين الذين ساعدوه ذات مرة في الوصول إلى السلطة. ومن المرجح أن يكون أردوغان قد أبعد بعض الناخبات بتصريحاته المهينة للنساء، لكن خسارة الأصوات الكردية مرجحة بشكل خاص. إن حكم أردوغان المدعوم من حزبَي الحركة القومية وهدى بار الإسلامي، اللذان يتبنان خطابا ينال من سمعة الأكراد، قد أغضب الأكراد داخل تركيا، كما أرعبهم دعم أنقرة للجماعات الإسلامية العنيفة في سوريا ضد وحدات حماية الشعب.
على الرغم من كل هذه التحديات التي يواجهها أردوغان والتي أكدتها استطلاعات الرأي، هناك قضية ملحة واحدة بدأ المراقبون مناقشتها في الأسابيع التي سبقت الانتخابات: ماذا لو لم يحترم أردوغان النتائج؟ إن تسليم رئيس بيرو السابق أليخاندرو توليدو ودخوله السجن بعد اتهامه بالفساد يُرسي سابقة مخيفة لأردوغان. وقد أشار الكثير من المراقبين إلى أن أردوغان لن يتخلى عن السلطة بسهولة، وإلى خطر محتمل من أن تقود النتائج جهاز الأمن الخاص لأردوغان المسمى "سادات" إلى حمل السلاح ليلة الانتخابات.
وحتى لو خسر أردوغان الانتخابات وقبِل بالنتائج، فلن تكون الحكومة الجديدة بالضرورة في موقف سهل. فقد غذّت سنوات سلطة أردوغان الاستياءات العرقية والدينية والسياسية في جميع المجالات، كما أن أسلَمَتَه التدريجية لتركيا قد أدت إلى استقطاب البلاد وزيادة التوترات فيه، كما جرّت توغلاته العسكرية في العراق وسوريا الدولة إلى مهام مكلفة وخطرة من دون أن تفضي إلى نتائج نهائية واضحة.
سيواجه التحالف المناهض لأردوغان، إذا وصل إلى السلطة، تحدياته الخاصة، وتحديدًا في مواجهة الأقلية الكردية في تركيا. وعلى الرغم من أن حزب الشعوب الديمقراطي، أكبر حزب مؤيد للأكراد في تركيا، قد أيّد قليجدار أوغلو في الانتخابات، لم يدخل الحزب في الائتلاف رسميًا. وفي المقابل، لا ترفض بعض أحزاب التحالف التي تناصر النظرة القومية المتطرفة والرؤية الكمالية، فكرة الحكم الذاتي الكردي أو على الأقل منح الأكراد المزيد من التحرر. وعلى الرغم من ذلك لا يريد أي من أحزاب التحالف أن يعترف الدستور التركي بحق الأكراد في ممارسة لغتهم وهويتهم. كما أن أحزاب التحالف العلمانية لا تعترف بعمليات الإبادة الجماعية للأرمن المسيحيين والآشوريين والسريان والكلدان واليونانيين البونتيك التي نُفّذت خلال الحرب العالمية الأولى.
وفما يتعلق بمسائل السياسة الخارجية، لم يقدم أي من أطراف التحالف أي خطة لسحب الجنود الأتراك من ليبيا والعراق أو من سوريا. وقد تبنت أحزاب التحالف، لتجنب فقدان دعم الأتراك القوميين، نفس السياسة الخارجية التي اتبعها أردوغان خلال حملته الانتخابية. وحاليا، ليس لدينا أي إجابات واضحة بالنسبة إلى نوع التغييرات في السياسة الخارجية، إن وُجدت، في ظل حكومة تركية جديدة بدون أردوغان. لذلك، وحتى لو خسر أردوغان الانتخابات، فإن كل هذه العوامل تشير إلى استمرار حالة تظل فيها الصراعات حاضرة في المشهد التركي.