- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الاقتتال داخل حزب نداء تونس: هل يمثل تهديدا للديمقراطية في تونس؟
تمثّل تونس قصة النجاح الديمقراطي الوحيدة في "الربيع العربي"، وقد حافظت على هذا اللقب طوال السنوات السبعة الأخيرة – إلا أنها لم تخلُ من بعض الاهتزازات. فتشكّل نسبة البطالة المتزايدة، والفساد والبيئة السياسية غير المستقرة بشكل عام تهديدًا ملحوظًا على نجاح الديمقراطية في تونس. فالصراع الجاري بين نجل الرئيس حافظ قائد السبسي ورئيس الوزراء يوسف الشاهد يمنع الدولة من الاستجابة إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد بشكلٍ فعال.
فقد أنشأ الدستور التونسي الذي تم عمله في عام 2014 نظامًا سياسيًا شبه برلماني يضع أسمى الصلاحيات التنفيذية في يد رئيس الحكومة، إذ يدير رئيس الجمهورية مسائل الدفاع والشؤون الخارجية، في حين يسيطر رئيس الحكومة على معظم القطاعات الأخرى. ونظرًا لهذا التوازن في السلطة، حكم رئيس جمهورية تونس الحالي الباجي قائد السبسي ورئيس حزب "حركة النهضة" الإسلامي راشد الغنوشي البلاد من خلال توافق سياسي غير خطي منذ إنشاء الدستور.
فقد استخدم السبسي شخصيته الكاريزمية ودعم حزب "حركة النهضة" لتعزيز صلاحياته الرئاسية المحدودة، إلا أن العجلة قد دارت اليوم في ظل دعم السبسي لنجله وتعيينه رئيسًا لحزب "نداء تونس" في أيار/مايو 2014. ومنذ ذلك الحين، عمدت حركة النهضة إلى تحويل دعمها إلى رئيس حكومة "نداء تونس"، الذي كان حتى وقت قريب عضوًا في الحركة. ونتيجة لذلك، ترك الصراع على السلطة داخل حزب نداء تونس معارضة منظمة لحزب النهضة داخل البرلمان.
وحقيقة الأمر أن حافظ قائد السبسي يفتقد إلى الشرعية السياسية، إذ لم يدخل هذا المجال إلا بعد أن فاز والده في الانتخابات الرئاسية. ويتخوف الكثير من التونسيين من صورة هذه العلاقة بين الأب وابنه، فلماذا قد يدخل حافظ قائد السبسي مجال السياسية إلا ليحاول أن يرث الرئاسة من والده؟
ويفيد عدد كبير من الإشارات بأن عدم الرضا عن استلام السبسي الابن قيادة حزب "نداء تونس" هو الذي دفع يوسف الشاهد إلى إعلان تأسيس حزب جديد في شهر أيلول/سبتمبر، ويرى المتحدث أحمد بن مصطفى أن هذا الحزب جاء ليوفّر الحد الأدنى من الاستقرار الحكومي. إلا أن هذه الحركة السياسية الجديدة تركز على هوية يوسف الشاهد من دون أن توفر المعلومات الكافية حول المنصة أو الأهداف السياسية للحزب، ما سيزيد من حيرة الناخبين في انتخابات عام 2019.
كما أن إندماج الاتحاد الوطني الحر، الذي أسسه سليم رياحي، مع نداء تونس في 14 تشرين الأول /أكتوبر، يشبه على نحو مماثل الخط الفاصل بين المنصات السياسية والشخصية. ويُشار إلى أن الرياحي رجل أعمال مثير للجدل مُنع من السفر وكان من المفترض أن تتم محاكمته على خلفية إصدار شيكات غير قانونية. وقد شكلت عملية الدمج هذه فضيحةً خصوصًا بعد أن أصبح الرياحي، الذي لم يكن يومًا عضوًا في حزب "نداء تونس"، الأمين العام للحزب. وعلى غرار حزب الشاهد الجديد، لا تتوافر أي معلومات حول منصة الحزب، ما يوفر فكرةً واضحة حول استمرارية هذا المشروع السياسي.
ولعل الأكثر إثارةً للقلق كان ردّ الرئيس على هذه التغيرات السياسية التي يقودها شخصيا داخل حزبه. فعوضًا عن محاسبة نجله إثر الانقسامات العميقة الناجمة عن قيادته، يبدو أن الرئيس غير متأثر بهذه الأحداث الاستقطابية بشكلٍ متزايد. أما بالنسبة إلى الناخبين التونسيين، فمن الواضح، على الرغم من النقص في المعلومات حول سياسة كل من الفريقين، أنّ النزاع بين حافظ قائد السبسي ورئيس الوزراء يوسف الشاهد لا يرتبط بتاتًا بمخاوفهم. إلا أنه يحق للشعب التونسي أن يرى النخبة السياسية تأخذ تطلعاته في عين الاعتبار، إذ إن هذه المسائل نفسها هي التي أدت إلى اشتعال الثورة في تونس في المقام الأول.
وتُعتبر الديمقراطية من الخيرات الأساسية، إلا أنها قد تصبح من الكماليات في نظر التونسيين أكثر منها من الأساسيات إذا استمر الصراع الداخل ما بين النخبة السياسية و إذا لم تتحسن الظروف الاقتصادية في البلاد. فمع وصول نسبة البطالة لدى الشباب في تونس إلى 36 في المئة، تتراجع أهمية الإصلاحات السياسية التي تم تحقيقها في السنوات السبعة الأخيرة في أعيُن شريحة كبيرة من الشباب. والأسوأ هو فقدان الإيمان في مستقبل الدولة، فقد هاجر أكثر من 4 آلاف شاب وشابة تونسيين بشكل غير قانوني في هذه السنة فحسب.
تحتاج الديمقراطية السليمة إلى أحزاب سياسية قوية وذات هيكلية واضحة. فيشكّل وجود حزبين سياسيين كبيرين وراسخين أساسًا لنجاح التجربة الديمقراطية، إذ يوفّر ذلك للحكومة القدرة على الحكم، وللمعارضة القدرة على أداء دورها داخل هيكل ديمقراطي. إلا أن هذه الدراما ما بين الشاهد والسبسي بعيدة كل البعد عن الواقع التونسي، إذ يبدو أن حزب "النهضة" هو الحزب القوي الوحيد على الساحة السياسية، حيث يقود الأفراد بدلاً من البرامج السياسية ويقود الأحداث بين أكبر الكتل العلمانية. ومن أجل معالجة هذا الوضع الخطير، يتعين على الأحزاب السياسية العلمانية أن توحّد جهودها وتجدّد منهجياتها. لتقديم بديل عملي للوضع الحالي. حتى الآن، فإن قيادة حافظ قائد السبسي لحزب نداء تونس لا تدفع الحزب إلا في الاتجاه المعاكس.