- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الأردن يوجّه التجارة الحدودية، وسوريا تضغط
من بين جميع العلاقات الثنائية بين الدول العربية، إنّ العلاقة الأردنية-السورية هي الأكثر احتدامًا. فقد تميزت الروابط التي تجمع بين البلدين منذ سبعينيات القرن المنصرم بدرجات متفاوتة من الفتور المتبادل والعداء العلني حتى، ما يعكس بروز "حزب البعث" وحافظ الأسد. إلا أنه وبشكل غير متوقع، دفعت حالة عدم الاستقرار الاقتصادي الأخيرة الأردن إلى مقاربة الحرب السورية بشكلٍ محايد، وقد تدفع هذه المخاوف الاقتصادية ذاتها الأردن إلى التقرب أكثر من نظام الأسد في المستقبل القريب.
وقد انكسر جليد "الحرب الباردة" بين عمّان ودمشق، ليتم تحييد ظاهريًا سنوات طويلة من الصراع. فالنجاحات الواضحة التي حققها نظام الأسد مؤخرًا في استعادة جزء كبير من جنوب غرب سوريا تدعو إلى التساؤل بشأن مستقبل العلاقة الأردنية-السورية، لا سيّما في ظل التنويهات الواضحة بأن نظام الأسد غير راضٍ عن الوضع الراهن لهذه العلاقة.
وطوال فترة النزاع، وكما هو متوقع، كانت المملكة الهاشمية أكثر قلقًا حيال حماية صمودها المحلي منها على استمرار النظام السوري أو انهياره. وقد سعت عمّان بنشاط إلى التوصل إلى تسوية سياسية إقليمية ودولية لإنهاء الصراع السوري لأنها توقعت التأثير التخريبي لحرب طويلة الأمد على حدودها.
وقد تزامن اندلاع الثورة السورية في ١٥ آذار/ مارس ٢٠١١ مع فترة يشوبها عدم استقرار سياسي في الأردن أيضًا، ما رسم معالم الصورة التي تعامل بها الأردن مع الأزمة السورية في المراحل المبكرة، إذ يعكس التحذير المؤسسي سياسة الاحتواء التي انتهجها الأردن خلال "الربيع العربي"، فضلاً عن الاختلافات في الرأي خلال تلك الفترة بين المؤسسات السياسية والأمنية في الأردن حول احتمال بقاء الأسد في موقعه في السلطة. وفي هذا الإطار، حدّت عمّان من دورها في استقبال اللاجئين والجنود المنشقين، وأدلت بتصريحات سياسية محدودة على وسائل الإعلام الغربية تنتقد فيها نظام الأسد.
أما من حيث الإجراءات المتخذة، فلم يمارس الأردن إلا ضغوطات بسيطة على النظام السوري مقارنةً بالدول العربية الأخرى. ففي عام ٢٠١١، طلبت عمّان من "جامعة الدول العربية" إعفاءها من قطع العلاقات مع سوريا وفرض عقوبات اقتصادية عليها - حيث قُدّرت التجارة الثنائية بين البلدين بـ ٦٠٠ مليون دولار أمريكي، إذ تمثل سوريا الشريك التجاري العربي الأكبر بالنسبة للأردن.
وارتأى المسؤولون الأردنيون أيضًا ضرورة إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحةً بين المسؤولين الأمنيين والعسكريين نظرًا للمخاوف الأمنية المتعلقة بالإرهاب. فمنذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، خشي الأردن من أن أي صراع في سوريا سيساعد المسلحين والجهاديين على الحدود الأردنية على توسيع معاركهم داخل الأراضي الأردنية الشمالية. كما نشأ الخوف الثانوي من وقوع رد انتقامي وانتشار العنف أيًا كانت نتيجة الصراع القائم – سواء كانت انسحاب المعارضة أو انهيار النظام – بالتشجيع على الحياد بالرغم من الضغوطات الإقليمية والدولية لاتخاذ إجراءات ضد نظام الأسد.
وفي أيلول/سبتمبر ٢٠١٥، كشفت معلومات مسرّبة أن الأردن قد طلب وساطةً روسيةً لفتح قنوات التواصل وتعزيز التنسيق الأمني مع النظام السوري. وقد تُوّج هذا المسعى بعدة زيارات لبعثات أمنية سورية إلى الأردن. وفي عام ٢٠١٨، مهّد التنسيق الأمني بين الأردن وسوريا الطريق أمام آفاق الانفتاح الاقتصادي بعد زيارة وفد يمثل "غرفة صناعة الأردن إلى دمشق". ولكن يبدو أن هناك احتمالاً متزايدًا بأن يدفع الأردن ثمنًا دبلوماسيًا مقابل تجديد روابطه الاقتصادية مع سوريا.
دمشق توجه الرسائل إلى عمّان
وفي نهاية شهر حزيران/يونيو من هذا العام، تردّدت شائعات في الأوساط السياسية الأردنية المقربة من الحكومة السورية تفيد بأنه بمجرد أن يستعيد الجيش السوري معبر نصيب-جابر مع الأردن، لن يعيد النظام السوري فتح الحدود ويعيدها إلى ما كانت عليه قبل الحرب، إلا في حال التوصل إلى تفاهم استراتيجي شامل مع الأردن.
وقد أعطت دمشق الضوء الأخضر لروسيا للمضي قدمًا في إبرام التفاهمات مع جميع الأطراف، ومن بينها الأردن وإسرائيل. إلا أنه لم يتم حتى الآن مناقشة آلية إعادة فتح المعبر مع الأردن أو توقيته، على الرغم من استعداد الأردن اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى لإعادة فتح المعبر وتشغيله لأنه يخدم الاقتصاد الأردني.
وتوضح تصريحات الأسد والمقابلات التي يجريها مع المحطات التلفزيونية الأجنبية أن دمشق أقل اهتمامًا بفتح الحدود مع الأردن منها من إبرام اتفاقية أمنية وسياسية وعسكرية واقتصادية شاملة تمهّد الطريق أمام المصالحة بين الحكومتين. ويبدو أن الحكومة السورية تبحث عن صفقة كاملة مقابل العلاقات الثنائية مع الأردن، تشمل عودة اللاجئين وعملية إعادة الإعمار. علاوةً على ذلك، تسعى إلى إجبار الأردن على قبول عودة السفراء وفتح فصل جديد للعلاقات الثنائية التي تدهورت خلال الحرب السورية. فسيتطلب اتخاذ مثل هذه الخطوة اعتراف الأردن بأن الأسد هو الرئيس الشرعي لسوريا.
وعلى الرغم من تصريحات الأردن الرسمية بأن علاقات عمّان مع دمشق لم تتوقف أبدًا على المستويين العسكري والدبلوماسي، إلا أن تلك التصريحات التي تنادى بتوثيق العلاقات بين البلدين، لا تصب في مصلحة الدبلوماسية الأردنية. ومع ذلك، أدرك النظام السوري أن "مشروع مارشال سوري" بدأ يتبلور من خلال التمويل الذي قدّمه حلفاء الحكومة السورية، أي روسيا والصين وإيران. ويمكن لدمشق أن تستخدم دعمها الدولي للاستفادة من منافع اقتصادية كوسيلة ضغط ضد عمّان التي تعاني بدورها من ضغوطاتٍ اقتصادية وتلقت دعمًا جزئيًا من خلال القروض الخليجية والدولية.
وتعود المصالح السورية في ربط استئناف التبادل الاقتصادي والتجاري باتفاق استراتيجي شامل بين البلدين إلى شعور سوريا بالأمن الاقتصادي، على الرغم من سنوات الصراع الطويلة التي عانت منها البلاد. لذا فإن المهمة الدبلوماسية الأردنية في ما يخص إعادة فتح معبر نصيب-جابر ستكون صعبةً للغاية. ولذلك، حاول الأردن تحقيق التوازن في علاقاته مع جميع الأطراف المعنية طوال النزاع السوري. أمّا بالنسبة إلى الأسد المنتصر حديثًا، فقد لا يكون هذا الحياد كافيًا.
وفي حين أن المفاوضات المفتوحة قد تكون الثمن الذي على الأردن دفعه للحكومة السورية، لن يرضى الأردنيون بهذه العلاقة بسهولة. إلا أنّ السياسيين الأردنيين يعتبرون أن الناس قد وصلوا إلى مرحلة الاستياء واليأس في ما يتعلق بنتيجة الحرب السورية. فقد خلُص عدد كبير من الأردنيين، وحتى بعض السوريين، إلى أنه بعد مقتل أكثر من ٤٢٠ ألف شخص، إن نهاية حرب دامت ثماني سنوات أفضل من استمرارها، حتى ولو كان هذا الترتيب يشمل الأسد.
وباختصار، تطالب دمشق بإضفاء الشرعية السياسية على التبادل الاقتصادي. وسواء كانت عمّان ستقبل بهذه الصفقة أم لا، فإن وضع المعبر بين الأردن وسوريا يظل مقياسًا لعلاقاتهما الثنائية المستقبلية. وسيكمن التحدي في ردم الثغرة السياسية مع دمشق مع الحفاظ على العلاقات مع الشركاء الاستراتيجيين الحاليين، وهي استراتيجية تتطلب قدرًا كبيرًا من المرونة والدبلوماسية من جانب الحكومة الأردنية.