- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الاعتراف المتبادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين ضروري لتحقيق السلام
أشاد عمدة القدس مؤخرًا بالخطة الأمريكية لوقف تمويل الأونروا زاعمًا أن الوكالة تدرّس الأطفال الإرهاب في مدراسها، وأعطى مثالاً عن ذلك دلال المغربي – تلك المرأة العاملة لصالح "منظمة التحرير الفلسطينية" التي نفّذت هجومًا إرهابيًا عام 1978 قُتل فيه 35 إسرائيليًا مدنيًا – التي تُصوّر في كتب الأونروا على أنها بطلة قومية.
وصحيحٌ أن دلال المغربي ارتكبت عملاً إرهابيًا بقتلها للمدنيين، ولكنها في عيون الفلسطينيين ليست إرهابية، إنما بطلة ناضلت من أجل حرية شعبها. والواقع أن الفلسطينيين ينظرون إلى دلال المغربي بالطريقة نفسها التي ينظر فيها الإسرائيليون إلى مناحيم بيجن الذي ارتكب أعمالاً إرهابية بحق الشعب الفلسطيني خلال انتمائه لمنظمة "إرجون" الإرهابية، حيث كان مطلوبًا من السلطات البريطانية بتهمة تفجير فندق الملك داوود. لكن المشكلة في هذه الأحداث هي أن كل طرف ينظر إلى التاريخ من منظاره الخاص، فيما تحول العزّة الوطنية دون اعتراف كل طرف بأخطائه. فكل طرف يرسّخ روايته للأحداث من خلال وعيه الوطني الخاص ويجرّح الطرف الآخر. إلا أن هذا السلوك لا يوصل إلى أي نتيجة.
لذا لا بد من اعتراف متبادل بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي من أجل تحقيق المصالحة، ولا بد من حدوث المصالحة لتحقيق السلام الدائم. فمن وجهة النظر الإسرائيلية، يمكن فهم ممانعة الإقرار بمظالم الفلسطينيين. فالإقرار بها وبواقع أنهم أُخرجوا قسرًا من بيوتهم يؤدي إلى الإقرار بحقوقهم وتحديدًا حق العودة، وهذا الأخير يشكل كابوسًا بالنسبة للإسرائيليين لأنه سيخلّ بالتوازن الديموغرافي لصالح الفلسطينيين. ولكنّ في هذا الخوف مبالغ فيه. فالفلسطينيون المستقرون في أماكن أخرى من العالم لن يعودوا إلى ديارهم. أما في ما يخص الفلسطينيين القابعين في مخيمات اللاجئين في لبنان وسوريا والأردن ودول أخرى، فيمكن التوصل إلى تسوية بشأنهم مع الدول المضيفة لهم. و لكن حتى الان ، لم تجد إسرائيل نفسها مرغمةً على القيام بمثل هذا التنازل.
وبالتالي يترتب عن هذا الإقرار ثمن باهظ على الإسرائيليين، ولكنه ثمن السلام. ولهذا السبب، يجب على المجتمع الدولي أن يقرّ بمظالم الفلسطينيين بالطريقة نفسها التي أقر بها بمظالم الشعب اليهودي. ولا بد من الإقرار بنكبة عام 1948 التي غُصب فيها أبناء الشعب الفلسطيني على الخروج من بيوتهم. وتمامًا كما يعدّ الهولوكست حقيقةً لا تُنكر ولا جدال فيها، كذلك يجب أن تكون النكبة. فالغرب يرى حاليًا ذكرى 15 أيار/مايو يومًا سعيدًا وُلدت فيه دولةٌ للشعب اليهودي الذي عانى قرونًا من الاضطهاد في أوروبا. ولكن يجدر بالعالم الغربي أن يلقي نظرةً أعمق على الوجه الآخر من العملة، ويجدر بإسرائيل الاعتراف بالنكبة. فيوم 15 أيار/مايو هو أيضًا ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني. وإذا لم يتم الاعتراف بالنكبة، سيبقى السلام مجرد عقد على ورق يمكن الإخلال به متى سمحت الظروف. خمسٌ وعشرون سنة مرّت على معاهدة أوسلو، وما زلنا نفتقر إلى الحل، والدولة الفلسطينية عالقة في مفاوضات عقيمة لا نهاية لها.
وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيسهم في استقرار المنطقة بأسرها. فالرئيس أوباما قال في خطابه أمام الأمم المتحدة عام 2014: "يُفترض بالوضع في العراق وسوريا وليبيا أن يشفي الجميع من وهم أن الصراع العربي-الإسرائيلي هو المصدر الرئيسي للمشاكل في المنطقة". وقد جاء هذا التصريح بالتماشي مع النظرة الإسرائيلية التي تعتبر أن المشكلة الرئيسية في المنطقة هي الاقتتال بين العرب السنة والشيعة وأن لا دخل لإسرائيل في الصراع.
قد يكون كلام اوباماصحيحًا فالعنف الذي تشهده المنطقة اليوم سببه الاقتتال الطائفي.و لكن كل زعيم وكل ديكتاتور وكل إرهابي عرفته المنطقة استخدم القضية الفلسطينية لاكتساب الشرعية. فالإمام الخميني تبنّى تحرير القدس باعتباره الهدف الرئيسي في سياسته الخارجية، وهو ليس عربيًا حتى، ناهيك عن أن اسم اللواء الرئيسي في "الحرس الثوري الإيراني" هو "فيلق القدس". وعلى المنوال نفسه، بدأ صدام حسين بإطلاق صواريخ سكود على إسرائيل بعد اجتياحه الكويت عام 1991 لكسب الشرعية أمام الجماهير العربية، لا بل صوّر هذا الاجتياح كله على أنه مرحلة واحدة من خطة كبيرة لتحرير فلسطين.
أضف إلى ذلك أن الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله هو أيضًا برر تدخله في سوريا بالقول إن الطريق إلى القدس تمر من حلب. وحتى أبو بكر البغدادي تعهّد بالعودة إلى فلسطين حالما يقضي على أعدائه الفوريين. كل هؤلاء تبنّوا القضية الفلسطينية لأنها قضية عزيزة على قلوب المسلمين والعرب في كل مكان.
لكن في الحقيقة، لن يتحقق السلام إلا بتسوية لائقة وعادلة وقابلة للتطبيق للشعب الفلسطيني. فالحل المنصف للفلسطينيين سيجرّد التنظيمات الراديكالية من شرعيتها، في حين أن أي قرار يُفرض على الفلسطينيين ولا يأخذ في الحسبان تطلعاتهم القومية ولا يخدم إلا مصالح إسرائيل سيبوء حتمًا بالفشل. وهو لن يفشل فحسب، بل سيكون أداةً يستخدمها الإرهابيون لاكتساب الشرعية وتعبئة موجة جديدة من الجهاديين. فحتى مع اضمحلال تنظيم "داعش"، سينشأ حتمًا تنظيمٌ جديد، ويمكن الرهان بأنه، شأنه شأن التنظيمات التي سبقته، سوف يتبنى قضية فلسطين.