الأيزيديون العراقيون: بين مطرقة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" وسندان "حزب العمال الكردستاني"

في الثالث من آب/أغسطس 2014، اجتاح تنظيم "داعش" سنجار – وهي قضاء في محافظة نينوى شمالي العراق. وأسفر الاجتياح عن خطف واستعباد آلاف النساء والأطفال الأيزيديين وعن مقتل أكثر من خمسة آلاف أيزيدي. واستنادًا إلى الأمم المتحدة، لا يزال نحو ثلاثة آلاف من النساء والفتيات المخطوفات مفقودات بعد الاتجار بهن واستعبادهن في مناطق أخرى خاضعة لسيطرة "داعش". وبالنسبة لجماعة واجهت محاولات لا تحصى لإبادتها، تواصلت آثار هذه المأساة الأخيرة على جماعة الأقلية الإثنية-الدينية المختلفة هذه بسبب معتقداتها، لغاية يومنا هذا. ومن المقدّر أنه من بين أكثر من نصف مليون أيزيدي ممن يعيشون في هذه المنطقة، لا تزال نسبة كبيرة تعيش في مخيمات للاجئين بإدارة "حكومة إقليم كردستان". وبعد ست سنوات على هجوم "داعش" على الأيزيديين، تبدو الجماعة معرضة لمواجهة جولة أخرى من التهديدات إذ أصبح وضع سنجار نفسها محط خلاف.

وفي الآونة الأخيرة، أصبح الأيزيديون عالقين بين مطرقة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" - أكبر حزب في "حكومة إقليم كردستان" - وسندان "حزب العمال الكردستاني"، وهو منظمة صنفتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وتركيا إرهابية. ورغم أن "الحزب الديمقراطي الكردستاني" يسيطر عمومًا على المنطقة، لدى "حزب العمال الكردستاني" أكثر من 5 آلاف عنصر متمركزًا في المناطق الجبلية الوعرة في الإقليم، حيث أن الفراغ في السلطة الذي خلفه تنظيم "داعش" سمح بتعزيز تواجد "حزب العمال الكردستاني".

منطقة متنازع عليها

تعتبر سنجار، التي يطلق عليها الأكراد تسمية "شنغال"، تابعة إداريًا لمحافظة نينوى ولكنها من بين الأراضي الأربع عشرة التي تتنازع عليها بغداد وإربيل، والتي لا بدّ من تحديد وضعها استنادًا إلى المادة 140 من الدستور العراقي. فحين انهار نظام صدام حسين في العام 2003، أرسل "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" مقاتليهما إلى هذه الأراضي المتنازع عليها، بما فيها سنجار، لبسط السيطرة الفعلية. وبينما سيطر "الاتحاد الوطني الكردستاني" على المناطق الممتدة من كركوك في الجنوب الشرقي باتجاه إيران، هيمن "الحزب الديمقراطي الكردستاني" على المنطقة الممتدة من شمال كركوك حتى الحدود السورية. وعليه، أصبحت سنجار خاضعة لقوات "البيشمركة" التابعة لـ"الحزب الديمقراطي الكردستاني".

وحين اجتاح تنظيم "داعش" سنجار في العام 2014، انسحب الآلاف من قوات "البيشمركة" من دون مقاومة. وإذ استغل "حزب العمال الكردستاني" هذه الثغرة الأمنية، توجه إلى سنجار وفتح ممرًا آمنًا للأشخاص الهاربين من "داعش" من خلال إقامة خط دفاع في جبل سنجار. وتمكن بعدها من ترسيخ موطئ قدم له على الأرض ليحمي من خلاله الأيزيديين من التنظيم. وبعيد ذلك، أنشأ الحزب "وحدات مقاومة سنجار" و"وحدات نساء سنجار"، ما أدى إلى تأسيس "المجلس الديمقراطي المستقل في سنجار" و"حزب الحرية والديمقراطية الأيزيدي"، وهو الجناح السياسي لـ"وحدات مقاومة سنجار".

وردًا على ذلك، وبغية توطيد علاقاته مع الشيوخ والأمراء الأيزيديين وقوات "البيشمركة" السابقة، جمع "الحزب الديمقراطي الكردستاني" مئات الأيزيديين في قوة ائتلافية واحدة ضمن "البيشمركة" وخاضعة لقيادة قاسم شيشو. ومع ذلك، فمن الصعب القول إن تلك الجهود قد ساهمت في تحسين العلاقات المتوترة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني الأيزيديين. ورغم أن "التحالف الدولي" والجيش العراقي وقوات "البيشمركة" أخرجت "داعش" من سنجار في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، أصر "حزب العمال الكردستاني" على تواجده في المنطقة.

وقد ساهمت مساعي "حزب العمال الكردستاني" المستمرة لإنشاء ممر بين سنجار وقنديل وشمالي سوريا، في تقويض العلاقات المتوترة أساسًا بين "الحزب الديمقراطي الكردستاني" وحزب العمال. فهذا الأخير اتهم رئيس "حكومة إقليم كردستان" السابق وقائد "الحزب الديمقراطي الكردستاني" مسعود بارزاني بأنه ديكتاتور، كما اتهم الحزب بالتعاون مع "داعش". فضلًا عن ذلك، زاد "حزب العمال الكردستاني"، الذي سيطر على أكثر من 500 قرية في الإقليم، وتيرة أنشطته في الآونة الأخيرة لزعزعة سيطرة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في شمال العراق وسنجار.

كذلك، تعقّدت الأمور بسبب مساعي "الحزب الديمقراطي الكردستاني" الفاشلة لضمان استقلال المنطقة الكلي. فعقب استفتاء الاستقلال الذي أجرته "حكومة إقليم كردستان" في 25 أيلول/سبتمبر 2017، اضطرت قوات "البيشمركة" مرة أخرى إلى الانسحاب من المناطق المتنازع عليها، على غرار كركوك وسنجار، ما ألحق ضررًا أكبر بصورة الحزب في أوساط المجتمع الأيزيدي. وحتى اليوم، ساهم النفوذ المتزايد لقوات "الحشد الشعبي" المدعومة من إيران في سنجار ودعمها لـ "وحدات مقاومة سنجار" المدعومة من "حزب العمال الكردستاني" بعزل "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بشكل أكبر في المنطقة. فهذا الأخير غير قادر على وضع سنجار تحت سيطرة قوات "البيشمركة" من خلال طرد "حزب العمال الكردستاني" من المنطقة. الأمر الذي أدى إلى تحجيم مجالات النفوذ الاجتماعي والسياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، في الموازاة، بدأ وجود "الحشد الشعبي" ذي الأغلبية الشيعية بطرح تهديد جديد على الأيزيديين، حيث ترتبط قوات شيشو المدعوم من الحزب الديمقراطي الكردستاني بعلاقة متوترة مع المنتسبين إلى حزب العمال الكردستاني والحشد الشعبي، الذي ارتكب انتهاكات مروعة ضد المدنيين في مناطق الحرب، وثقتها جماعات حقوق الإنسان. كما زُعم أن الحشد الشعبي قد اختطف العديد من الأيزيديين وأجبر المواطنين على التحدث باللغة العربية في سنجار.

اتفاق سنجار يصعّد حدة التوترات

يبدو أن حكومة بغداد، التي ترى الصراع بين الأكراد على أنه فرصة، راضية عن دور "الحشد الشعبي" في سنجار. غير أن تركيا تدخلت بدورها في المنطقة بسبب الوجود المستمر لـ"حزب العمال الكردستاني"، مؤكدةً أنها لن تسمح بأن تصبح سنجار "قنديل ثانية" – في إشارة إلى جبال قنديل شمالي العراق، التي بقيت لعقود مقرًا للحزب في العراق. ولا شك في أن العمليات التي شنتها تركيا مؤخرًا ضد "حزب العمال الكردستاني" في شمال العراق وسنجار، والتي هدفت إلى إنهاء وجود الحزب، قد زادت التوترات بين "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"حزب العمال الكردستاني".   

ومنذ ذلك الحين، أصبح دعم "حكومة إقليم كردستان" الذي بدأ ضمنيًا لعمليات تركيا ضد "حزب العمال الكردستاني" علنيًا. فقد خلّفت الضغوط العملياتية التي مارستها أنقرة ضد الحزب أثرًا واضحًا على بغداد، حيث أعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي عن إبرام اتفاق مع حكومة الإقليم في 9 تشرين الأول/أكتوبر من أجل "إرساء الاستقرار وإعادة الأوضاع إلى طبيعتها" في سنجار، وهو اتفاق أُبرم تحت إشراف جينين هينيس-بلاسخارت، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق وحظي بدعم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وتركيا. ولكن نظرًا إلى هدفها الرئيسي المتمثل بإخراج "حزب العمال الكردستاني" وقوات "الحشد الشعبي" من الإقليم، من المرجح أن تزيد عملياتها العسكرية على الأرض، وهو أمر يراه الأيزيديون الذين يسكنون في المنطقة بمثابة تهديد كبير.  

ومن غير المستغرب أن تكون وتيرة التوترات بين "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"حزب العمال الكردستاني" قد واصلت تصاعدها في أعقاب الاتفاق. ففي 8 تشرين الأول/أكتوبر، وجّه "الحزب الديمقراطي الكردستاني" أصابع الاتهام إلى "حزب العمال الكردستاني" جراء اغتيال غازي صالح، وهو مسؤول أمني يعمل على معبر سرزيري الحدودي في محافظة دهوك. وفي 26 تشرين الأول/أكتوبر، ازدادت وتيرة الضغوط حين أعلن "مجلس أمن إقليم كردستان" أنه تمّ إلقاء القبض على 12 عضوًا من "حزب العمال الكردستاني" خلال إعدادهم لشنّ هجوم إرهابي على بعثة دبلوماسية أجنبية في إربيل. وردًا على ذلك، أعلن الحزب مسؤوليته عن هجوم استهدف خط أنابيب تابع لحكومة الإقليم يصل إلى تركيا قرب محافظة مردين، ما تسبّب بتعليق صادرات النفط وكبّدها خسائر قُدّرت قيمتها بمئة مليون دولار. وفي وقت سابق من تشرين الثاني/نوفمبر، لقي مقاتلان من قوات "البيشمركة" حتفهما عندما قام "حزب العمال الكردستاني" بتفجير قنبلة مزروعة على جانب الطريق في محافظة دهوك.

ورغم أن الحكومة المركزية العراقية أرسلت كتيبتين من الشرطة الاتحادية إلى سنجار في 20 تشرين الثاني/نوفمبر عملًا بالاتفاق من أجل الحفاظ على الهدوء، استمرت المناقشات حول كيفية إدارة انسحاب الجماعات التابعة لـ"حزب العمال الكردستاني" من القضاء. وكان قائد "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في سنجار قادر قاجاغ زعم أساسًا أن الأدلة على إخلاء "حزب العمال الكردستاني" لبعض المواقع ليست سوى "تمثيلية" للعرض.

وفي وقت أصبحت فيه العدائية بين "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"حزب العمال الكردستاني" أكثر وضوحًا، واجه الأيزيديون في سنجار صعوبات كبيرة. فحتى قبل دخول "داعش"، تعرّض الأيزيديون مرارًا للاعتداءات بسبب معتقداتهم. وكان باشاوات الموصل وبغداد وديار بكر والأمراء الأكراد المحليون متورطين جميعًا في المجزرة التي ارتُكبت بحق الأيزيديين في الحقبة العثمانية. وبقيت سنجار في وضع ضعيف خلال فترة الانتداب، في حين كان الأيزيديون هدفًا لحملة تعريب نظمها نظام "البعث" تحت مسمى الإصلاح الزراعي منذ 1969. وعليه، لدى الكثير من الأيزيديين سبب وجيه للخوف من أن تنامي التوترات في منطقة سنجار سيجعلهم في نهاية المطاف يدفعون الثمن.  

وتشير التقديرات حاليًا إلى أن 350 ألف أيزيدي ممن يعيشون في المخيمات لا يمكنهم العودة إلى ديارهم بسبب مشاكل الأمن والبنية التحتية التي تضاف إلى التوترات المذكورة. ويعيد الصراع الكردي الذي نشأ مؤخرًا التذكير بالمعركة التي دارت بين "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" شمالي العراق في تسعينيات القرن الماضي، والتي أسفرت عن مقتل مئات المدنيين والجنود الذين كانوا يتحاربون للسيطرة على الأرض. وفي 2 تشرين الثاني/نوفمبر، قال الرئيس الكردي السابق مسعود برزاني إن "التاريخ يشهد على أننا اعتبرنا أن الحرب بين الأكراد هي حرام [محرمة دينيًا]". غير أن رفض "حزب العمال الكردستاني الانسحاب من الإقليم بموجب اتفاق سنجار وتنامي التوترات مع "الحزب الديمقراطي الكردستاني" قد يزداد حدّة، وتدرك الأقلية الأيزيدية أنها هدف مشترك خلال فترات التوترات في سنجار.