- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الدبلوماسية الاقتصادية الإستراتيجية المفقودة في حكومة الكاظمي
تفتقر الحكومة العراقية الحالية إلى سياسة قوية من الدبلوماسية الاقتصادية اللازمة لتحسين علاقاتها الاقتصادية الدولية، وبالتالي تحسين ظروفها الاقتصادية المحلية. ومن ثم، يجب على العراق الإسراع في إقامة علاقات متوازنة مع جيرانه الإقليميين والقوى العالمية لإطلاق العنان لإمكاناته وقوته العاملة وتقليل تبعيته الإقليمية. ومع ذلك، وفي خضم الأزمة الاقتصادية الحالية في العراق، لا توجد استراتيجية واضحة لتحقيق هذه الأهداف.
قطع العراقيون خطوات مهمة نحو الاستقرار على المدى الطويل بعد إعلان النصر على تنظيم "داعش" في عام 2017. وبعد أن قام العراقيون بتأمين بلادهم وأعادوا العمل في مؤسسات الدولة، سعوا لتحقيق نمو اقتصادي يقوده القطاع الخاص، ودعوا المستثمرين المحليين والدوليين باستمرار إلى استكشاف الأسواق العراقية والاستثمار فيها. وبعد أشهر من الجدل واستقالة حكومة السيد عادل عبد المهدي، ظهرت حكومة عراقية جديدة واعدة بقيادة السيد مصطفى الكاظمي مع فرصة لدعم حركة الإصلاح الاقتصادي في العراق لمواجهة أزمة انهيار أسعار النفط والقضاء على بعض بؤر الفساد.
وفى ظل تراجع أسعار النفط، نجد أن حكومة الكاظمي قد أصبحت مجبرة على المضي قدماً في دعم حركة الإصلاح الاقتصادي خاصة أن الاقتصاد العراقي يعتمد يشكل أحادي على مداخيل النفط وحالة عدم اليقين التي يمر بها الاقتصاد العالمي التي زادت من حدة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وما تلاها من مؤثرات جائحة كورونا. كما أن برنامج الإصلاح الاقتصادي للكاظمي منذ البداية تضمن إجراء إصلاحات بيروقراطية ومواجهة ظاهرة الفساد التي تشكل تحديا كبيرا لعملية التنمية والنمو الاقتصادي في العراق.
والواقع أن العراق لا يزال مقيد بمشاكله الداخلية، بما في ذلك مطالبات الإعلان عن موعد انتخابات مبكرة، ذلك الى جانب الخلل الذي يعاني منه نظامه السياسي، والأمني المتمثل في سيطرة المليشيات الموالية لإيران، وبطيء سياسات الإصلاح. ومن ثم، انعكست تلك التحديات الاقتصادية على السياسية الخارجية للعراق والتي أصبحت تنأى بنفسها عن النزاعات وتتجنب الدخول في صراعات خارجية.
هناك الكثير ما يتعين على الحكومة العراقية الجديدة القيام به منها إعادة النظر عن كثب في مبادئها وأساليبها وسياساتها وأن تخلق سياسة خارجية عراقية تعمل بوتيرة متصاعدة مع الأحداث الداخلية والخارجية. ومع ذلك، تبقى تلك الاستراتيجية مفقودة في البرنامج الحكومي. فالدبلوماسية الاقتصادية بالنسبة للعراقيين هي عملية استغلال لكل ما تتيحه الدبلوماسية التقليدية من قنوات اتصال وأطر للتعاون مع البلدان الأجنبية بهدف دعم الاقتصاد وتحفيزه من خلال البحث عن أسواق جديدة للمنتج المحلى وتشجيع رجال الأعمال والمؤسسات الأجنبية على الاستثمار في العراق. وبناء على ذلك، يمكن للدبلوماسية الفعالة أن تخلق بيئة خارجية من شأنها أن تساعد العراق على حل مشاكله الداخلية.
وحتى يتسنى لمؤسسة الدبلوماسية الاقتصادية في العراق تحقيق أهدافها ومكتسباتها سيما في تعزيز تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي، يجب على الإدارة العراقية الأخذ بالإصلاحات الاقتصادية التي نادى بها مراراً نائب رئيس مجلس الوزراء السيد علي علاوي؛ إذ إن طرق المشاركة القديمة في السياسة الخارجية في القرن العشرين أصبحت غير فعالة بنحوٍ متزايد وينصب التركيز الآن على دمج الدبلوماسية الاقتصادية مع السياسة الخارجية للدولة، والنأي به عن التبعية الإقليمية.
يتمثل أحد المكونات الرئيسية للدبلوماسية الاقتصادية في إقامة علاقة متوازنة بين القوى الكبرى إلى تأمين المساعدة الدولية - سواء المنح أو القروض أو الاستثمار الأجنبي المباشر - لتلبية تطلعاته الإنمائية المحلية، وهو أحد أكبر التحديات التي تواجه الدبلوماسية الاقتصادية العراقية. وكما كان الحال في الماضي، سيتعين على العراق تحقيق توازن في التعامل مع جيرانه تركيا، وإيران والسعودية. في الوقت نفسه، يجب على العراق العمل بجد للحفاظ على علاقات ودية مع القوى الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة وتفعيل اتفاقية الإطار الاستراتيجي بكامل محاورها فضلاً عن الاستفادة من اتفاقية الصين والعراق التي وقعت في فترة رئاسة عبد المهدي.
وبعد زيارة الكاظمي الى واشنطن في شهر أغسطس الماضي، يبدوا أن رئيس الوزراء قد أدرك أن هناك ضرورة للاستفادة من خبرات الولايات المتحدة الاقتصادية خاصة في مجال الطاقة والغاز والتخلص من التبعية الإيرانية في مجالات الزراعة والاقتصاد والصناعة والطاقة. والى جانب التعاون مع الولايات المتحدة، يحب على العراق الشروع في تفعيل وتقوية علاقاته الاقتصادية مع دول الجوار خاصة الدول الخليجية، ولن يتحقق ذلك إلا إذا تخلص العراق من التبعية الاقتصادية لإيران. فمنذ اشتداد العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إيران، تسعى إيران بشكل حثيث للخروج من ورطتها الاقتصادية عبر العراق للتخفيف من خسارتها المالية. ويبدوا أن الكاظمي يدرك ذلك تمام الإدراك، فبحسب مصادر، حملت زيارة الكاظمي في أواخر يوليو الماضي رسالة مفادها "أن مواصلة العراق لعب دور المنقذ الاقتصادي في ظل العقوبات يجب أن تقابله مساعدة طهران على ضبط الميليشيات".
يحتاج العراق قبل كل شيء إلى إعادة ضبط مفهوم الدبلوماسية الاقتصادية. وهو يدرك حالياً المفهوم على أنه استخدام أدوات السياسة الخارجية لتحقيق مكاسب اقتصادية ولتأمين المصالح الوطنية، والتي تتضمن بالطبع أهداف السياسة الخارجية. وهذا يعني أنه بصرف النظر عن تكليف وزارة الخارجية بتفويضات للأهداف الاقتصادية، فإنها تحتاج أيضاً إلى استخدام أدوات اقتصادية لتحقيق أهدافها من خلال وجود سلطتها الخاصة في صياغة السياسة الاقتصادية أو من خلال تنسيق السياسات الاقتصادية مع الوزارات الأخرى ذات الصلة.
وفقا لذلك، يحتاج العراق إلى خارطة طريق سياسية قوية لأولوياته الاقتصادية والجيوستراتيجية من أجل أن يكون قادر على تسخير الموارد الاقتصادية والطاقة الإبداعية لسكانه ومعاجلة البطالة التي تعصف بالأفراد الذين يدخلون سن العمل، والظهور كقوة تعمل على إنفاذ القانون وتحقيق العدالة على الأقل لضمان استمرار العملية السياسية التي تهدد جميع أركانها بين الحين والآخر. إن تشكيل دبلوماسية ناجحة تساهم في دفع عجلة النمو في العراق يتطلب أن يكون العراق متسق في خطابه وأفعاله من خلال تحرير أسواقه المحلية للقطاع الخاص والعمل بشكل متسق على وفق نظرية الاعتماد المتبادل سيما على الصعيد الإقليمي.