- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الدور الأمريكي القادم في سوريا
تحتاج إدارة الرئيس دونالد ترامب اليوم لاتخاذ قرار نهائي في ما يخص استراتيجيتها في محاربة الإرهاب والحرب الدائرة في سوريا، فالكونغرس الأمريكي يحتاج لتلك القرارات للبت بمشروع الإنفاق الحكومي الذي تقدمت به إدارة ترامب على أن تتضمن هذه الاستراتيجية وصفا محددا للأهداف السياسية تجاه الحكومة السورية والأطراف الفاعلة في المنطقة.
أما ما تبقى من القوات العربية على الأرض السورية والتي ما زالت تحتفظ بالحد الأدنى من مبادئ الثورة تعاني من مصاعب كبيرة، ومخاطر قاتلة. فالموارد المالية المتاحة لا تغطى احتياجاتها الأساسية، والدعم العسكري الغير مستقر أساسا يتطلب العديد من التنازلات.
و لعل أخطر التحديات هو انتهازية الفصائل السلفية الجهادية و استغلالها عدم استقرار الدعم المقدم للفصائل الثورية لتفرض عليها التبعية لها في القول والفعل حتى ترضخ، والا فان الإسلاميين يبدؤون بحربهم واستهدافهم من حملات اعتقالات واغتيالات، وإعدامات للقادة ، كما فعل جيش الإسلام حين قرر تدمير جيش الأمة في الغوطة الشرقية، أو حتى الاشتباك المباشر كان له وجود في العديد من المناسبات منها ما فعلته فتح الشام النصرة سابقا في هجومها على الفرقة ١٣ احدى فرق الجيش الحر في إدلب، و استخدام جيش الإسلام الدبابات ضد فيلق الرحمن .
وحسب مسؤولون في البيت الأبيض فان وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان المشتركة يعارضون إرسال المزيد من القوات إلى سوريا. بينما يبرز جناح عسكري داخل البنتاغون يسعى لإنتاج نسخة أكثر قوة من التي تم اعتمادها خلال إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. على رأس هذا الجناح يبرز الجنرال ماك ماستر، مستشار الأمن القوي الذي يعتمد في خطته على ما خبره من معارك ضد الميلشيات المتطرفة في العراق، خلال عمله المباشر مع الجنرال ديفيد بترايوس. وتدرك الولايات المتحدة أنها لا تواجه تنظيماً متراصّاً هناك ممثَّلاً بتنظيم القاعدة، بل نسيجاً معقّداً من الميليشيات المحلية، إذ يؤمن كل من ماك ماستر وديفيد بترايوس أن استخدام تلك الاختلافات سيخلق فرص للتعاون مع شركاء محتملين في مواجهة الأعداء المشتركين الأشد تطرفاً. ويتمثّل هدفهم في تهميش المتطرفين العنفيين، داحِضين ادّعاءهم بأنهم يتكلّمون باسم الإسلام، وذلك عبر تسليط الضوء على الهوّة التي تفصل بينهم وبين الغالبية الساحقة من المسلمين.
ويعمل بترايوس جاهدا على إقناع الرئيس بتبني خطته التي اقترحها في عام 2015، والتي تقضى بمحاولة فصل "المجموعات التي يمكن أن تكون جزءاً من الحل" عن تنظيم القاعدة، ووضعها في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية ونظام بشار الأسد. الخطة تتضمن إرسال عدد كبير من القوات الأمريكية تكون جنبا إلى جنب مع الحلفاء المحليين لتحرير المناطق من سيطرة القوى المتطرفة، وبعدها سيكون للجيش الأمريكي متواجدا على الأرض في بلد كان محتكرا لعقود من الجانب الروسي. الأمر الذي يحاربه كبير الاستراتيجيين في البيت الأبيض ستيف بانون والذي يعتبر هذه الأفكار هي سعي لبدء حرب عراقية جديدة على حد وصفه.
بعد الضربة الصاروخية التي وجهها الجيش الأمريكي إلى مطار الشعيرات بدأت ملامح خطة ماك ماستر تتضح، فالجيش الأمريكي الأن يدفع إلى رفع مستوى قواعد الاشتباك للقوات الخاصة الأمريكية والسماح باستخدام الحوامات الهجومية. وحيث أن قيادة التحالف الدولي باتت تعتمد بشكل كبير على قواعد ومطارات هيئتها داخل الأراضي السورية وكردستان العراق يستقر فيها الألاف الجنود بمن فيهم الأمريكيون والألمان والإيطاليون والفنلنديون والبريطانيون فأن عملية تأهيل القواعد الجديدة يعطي انطباعا أنها لن تكون مؤقتة، حيث تم استبدال الخيام المؤقتة وقاعات الطعام ومراكز عمليات الوكالات الاستخباراتية وقوات المهام الخاصة بمباني دائمة. كما تستقبل احدى القواعد في كردستان العراق خمسة أنواع من الحوامات الحربية التي تستخدم كجسر جوي لنقل الجنود وما يلزم من دعم لوجستي لمناطق العمليات الفرعية في سوريا والعراق. منذ الأسبوع الأخير من شهر أذار/ مارس الماضي أصبح لدى قوات التحالف ما مجموعة خمس منشأة عسكرية جوية في المنطقة، وحيث أشار مسؤول أمريكي في لقاء مع "فويس أوف أمريكا"، أن المهندسين والطاقم الأمريكي يعملون على إصلاح وتجهيز المطار القريب من سد الطبقة، كما أشارت بعض التقارير الإعلامية أن الحوامات الأمريكية تقوم بنقل قادة وعناصر من "قسد" بين المناطق تجنبا لأي اصطدام مع القوات الأخرى على الأرض. الأمر الذي أكده الجنرال الأمريكي كارلتون ايفرهارت قائد قيادة الحركة الجوية للقوات الجوية ل "فويس اوف أمريكا" أن رجاله نقلوا جوا من قوات الدفاع الذاتي وراء خطوط تنظيم " داعش" للسماح لهم بشن الهجوم الذي استولى على المطار.
ليكون لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الحرية في التحرك واتخاذ القرارات التي تناسب الرؤية الأمريكية دون التعرض لمضايقات الدول المضيفة كتركيا التي تستغل قاعدة انجرليك ووجودها في أراضيها بهدف الضغط على الإدارة الأمريكية للكف عن دعمها للقوات الكردية، قامت الإدارة الأميركية بالتأكيد على دور قوات سورية الديمقراطية في المعركة من أجل الرقة. حيث أن دعم وتحالف الجيش الأمريكي لفصائل محددة كقوات سورية الديمقراطية اثبت فعالية وجدوى من ناحية التكتيك العسكري، وهو ما لا يحقق أهداف ماك ماستر كاملة، فمن خلال تجربته في العراق يدرك أن التحالف مع الأكراد فقط هو دون جدوى استراتيجية حقيقية، حيث انه من غير المنطقي استيلاء الأكراد على الأراضي العربية وحكمها مما قد يولد صراع جديد في المنطقة وهو ما لا تتمناه الإدارة الأمريكية أن يحدث.
جناح ماك ماستر لديه يقين بأهمية إيجاد قوات عربية سنية لتكون حليف لها على الأراضي السوري لتحقيق هدف تدمير تنظيم " داعش"، وتحقيق ما وعد به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال حملة الانتخابية القضاء على الجماعات الإسلامية المتطرفة، وإقامة مناطق آمنة في سوريا. لكن اختيار الشريك العربي من الفصائل السورية المقاتلة على الأرض أمر معقد جدا بالنسبة للقيادة الأمريكية، فالأولوية الأمريكية الأن هي القضاء على تنظيم "داعش"، بينما تصر القوات العربية على أولوية قتال النظام. وهذا التضارب لا يمكن التغلب عليه بسهولة، بسبب الخريطة السياسية والعسكرية المعقدة في سوريا إضافة إلى العلاقات الدولية المتوترة. كما أن أغلب المجموعات العربية السنية التي تقاتل اليوم في سوريا تعتمد تحركاتها وتوجهاتها على الارتباط بالمخابرات التابعة للدولة المعنية بالشأن السوري. وخلال سنوات الثورة، تحول دور تلك المجموعات من قوات عسكرية منظمة إلى ميليشيات وعصابات يمارس بعضها حتى عمليات الاغتيالات والتصفية لكتائب أخرى في سوريا.
واقع الأرض في سوريا يتطلب من كلا الفريقين (الولايات المتحدة الأمريكية والقوات العربية) محاولة الوصول لبعضهما. لكن خلق تحالف بين الطرفين يتوقف على امرين، الأول أنه يجب على ترامب أن يقرر ما إذا كان يريد التحرك أم لا. والأمر الثاني على ما تبقى من القوات العربية المعتدلة أن تقرر ما إذا كانت ستغتنم الفرصة للتعاون مع الإدارة الأمريكية لتصبح عنصرا فاعلا في السياسة السورية.