- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الفلسطينيون بمعظمهم يؤيدون الأردن – ومفاجآت أخرى كشف عنها استطلاع الرأي
في استطلاعٍ مفصّل للرأي العام أجري الشهر الماضي، تبيّن أن معظم فلسطينيي الضفة الغربية وغزة يؤيدون العاهل الأردني الملك عبد الله ويلتمسون المساعدة من بلاده ويريدون من الأردن أن يضطلع بدور مهم في مستقبلهم – مع أن أقلية ضئيلة منهم فقط أيّدت قيام اتحاد كونفدرالي مع الأردن في المستقبل. أما في المسائل الأخرى، فأبدى الرأي العام الفلسطيني مرونةً مفاجئة في ما يتعلق بمسألة الأسرى ولكنه كشف عن صرامة مفاجئة بشأن القدس.
ثلاثة أرباع الفلسطينيين في الضفة الغربية وثلثي الفلسطينيين في غزة يؤيدون العاهل الأردني الملك عبد الله
حين سُئل المشاركون في الاستطلاع عن مختلف زعماء المنطقة والعالم، أبدت الغالبية الكبرى استحسانها للملك عبد الله حيث بلغت نسبة المؤيدين في غزة 68 في المائة ووصلت في الضفة الغربية إلى نسبة مذهلة هي 77 في المائة. والواقع أن هذه الأرقام المرتفعة تعادل تقريبًا الأرقام العائدة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي بات يعتبره الغرباء في غالبية الأحيان بمثابة بطلٍ للفلسطينيين. ومقارنةً به، يحظى الرئيس المصري السيسي بنسبة تأييد جيدة تصل إلى 55 في المائة من الغزاويين إنما لا تتعدى 16 في المائة من سكان الضفة الغربية.
أما ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان فحلّ متأخرًا من ناحية الآراء الإيجابية بنسبة 38 في المائة من الغزاويين و22 في المائة فقط من سكان الضفة الغربية. والمثير للاهتمام هو أن آية الله الخميني يحظى بنسبة التأييد نفسها تقريبًا بين الشعب الفلسطيني مع 38 في المائة في غزة و18 في المائة في الضفة الغربية.
وكذلك الأمر على المستوى الوطني وليس الشخصي فحسب، فقد أيّد 63 في المائة من سكان الضفة الغربية و51 في المائة من سكان غزة اضطلاع الأردن "بدورٍ مهم" في مستقبل فلسطين. في المقابل، سجّل تأييد الفلسطينيين في كلتا المنطقتين للمملكة العربية السعودية دون الأربعين في المائة. كما وأعربت أكثرية كبيرة في كل من الضفة الغربية (62 في المائة) وغزة (77 في المائة) عن إجماعها على أنه "في الوقت الحالي، يجب على الفلسطينيين التطلع أكثر إلى الحكومات العربية الأخرى كمصر أو الأردن للمساعدة في تحسين الوضع".
مع ذلك، قلةٌ منهم ترغب في اتحاد كونفدرالي مع الأردن، فيما يفضّل عددٌ أكبر قيام "دولة واحدة" مع إسرائيل
لكن هذا لا يعني أن الفلسطينيين يريدون إنشاء كيان موحّد أو حتى اتحاد كونفدرالي مع أيٍّ من الدول المجاورة لهم. فحين طُرح عليهم هذا الخيار إلى جانب خيارات الدولتين والدولة الواحدة وفلسطين كاملةً، لم يتخطَّ تأييدهم لقيام اتحاد كونفدرالي مع مصر أو الأردن "مع حكم ذاتي للفلسطينيين" الرقم الواحد (أي 9 في المائة في الضفة الغربية و5 في المائة في غزة ونسبة متدنية بشكل صاعق بلغت واحد في المائة من فلسطينيي القدس الشرقية).
بيد أن نسبة التأييد التي حشدها "حل الدولة الواحدة التي يتساوى فيها العرب واليهود في الحقوق ضمن دولة واحدة ممتدة من النهر إلى البحر" بلغت ضعفَي النسبة أعلاه مع أنها لا تزال تمثل أقلية صغيرة، مع 18 في المائة من سكان الضفة و12 في المائة من سكان غزة ونسبة مرتفعة بلغت 20 في المائة في القدس الشرقية. مع ذلك، توافق نسبة أكبر في هذه المناطق الثلاث كلها - أقله "نوعًا ما" - على هذا التأكيد المستفز جدًا وهو: «من الأفضل لنا أن نكون جزءًا من إسرائيل على أن نعيش في أراضٍ خاضعة للسلطة الفلسطينية أو حركة "حماس".» وهذا رأي عبّر عنه نصف الغزاويين، علمًا بأن ربع سكان الضفة والقدس الشرقية يؤيدونه حاليًا.
ربع السكان فقط يفضّلون انتفاضة جديدة على الخيارات الأخرى
في المناطق الثلاث التي أجري فيها الاستطلاع، يبرّر ثلثا السكان أو حتى أكثر الاعتداءات على المستوطنين والجنود ورجال الشرطة الإسرائيليين. وتصرّح أكثريات أضيق بأنها تؤيد "النزاع المسلح" بالمبدأ إذا ما خُيّروا في جوابهم بين "نعم" أم "كلا". ولكن عند إعطائهم مجموعة أكبر من الخيارات، من بينها المساعي الدبلوماسية أو التركيز الأكبر على الإصلاحات الداخلية، لم يُعرب إلا ربع سكان هذه المناطق كلها عن تفضيلهم تجدّد الانتفاضة ضد إسرائيل. وإن كانت هذه النقطة منافية للمنطق، فهي في الواقع مدعومة بإجابات بقيت ثابتة حتى عند اختلاف طريقة صياغة الأسئلة التي استخدمها الاستطلاع لقياس التفضيلات الشعبية الفعلية بدلاً من المواقف الخطابية المعتادة.
الأسرى أولويةٌ أدنى من مستواها المفترض في الغالب
في تناقض حادٍ آخر مع الاعتقادات الخاطئة السائدة أو المزاعم الحزبية، أعرب نصف الشعب تقريبًا في الضفة وغزة عن موافقته على العبارة القائلة: "يجب على السلطة الفلسطينية التوقف عن دفع الأموال الخاصة للأسرى وإعطاء عائلاتهم المنافع الاجتماعية العادية كسائر الناس". وتؤكد هذه النتيجة مرة أخرى النتائج غير المتوقعة التي تأتت عن الاستطلاعات السابقة، كما أنها تتماشى مع تراجع الأولوية المعطاة لمسألة إفراج إسرائيل عن الأسرى لإظهار حسن نيتها. وعندما طُرحت على المشاركين في الاستطلاع لائحةٌ بمثل هذه الخيارات في كل المناطق الثلاث، لم يختر إلا ربعٌ منهم هذه المسألة كأولى أولوياتهم.
في الوقت نفسه، لم يقل إلا نصف الشعب أنهم سمعوا حتى "نسبة معقولة" من المعلومات عن قانون تايلور فورس الأمريكي القاضي "بقطع المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية بسبب دفعاتها للأسرى". وهذا يوحي بأن الكثير من الفلسطينيين لا يعزون مأساتهم الاقتصادية إلى الضغوط الأمريكية أو إلى سياسة حكومتهم المتشددة بشأن علاوات الأسرى.
لكن تقاسم القدس يشكل عائقًا أكبر مما يعتقده الكثيرون
كشفت هذه النتائج عن موقف اتّصف بتشدد غير متوقع في ما يتعلق بالقدس. فنحو نصف سكان الضفة وغزة أعربوا عن "موافقتهم بشدة" على العبارة القائلة: "يجب أن نطالب بالحكم الفلسطيني على القدس كاملةً، الشرقية منها والغربية، بدلاً من الموافقة على تقاسمها أو تقسيم أي جزء منها مع إسرائيل". ووافقت نسبة إضافية تراوحت بين 25 و30 في المائة مع هذا الموقف "نوعًا ما". وتأتي هذه النتائج الجديدة المفاجئة لتؤكد النتائج التي توصل إليها استطلاعٌ للرأي أجري عام 2017 إنما لم يتم إصداره باعتباره "ناشزًا" أو شذوذًا إحصائيًا آنذاك.
بالنسبة لبعض هؤلاء الفلسطينيين، من الممكن أن يعني هذا الموقف المتشدد بظاهره أن القدس تمثّل رمزًا سياسيًا أو دينيًا أكثر مما هي واقع مُعاش. لكن هذه النسب تكاد تكون مماثلة بالنسبة لفلسطينيي القدس الشرقية الذين يعملون ويتنقلون بحرية في غالبية القسم اليهودي من المدينة الواقع غرب حدود 1967. مع ذلك، أظهرت الاستطلاعات السابقة أنه عند طرح سؤال مماثل ضمن صفقة كاملة تؤدي إلى حل الدولتين، أبدى نصف الشعب الفلسطيني عمومًا أو أكثر استعداده للقبول بتقسيم السلطة على المدينة.
ملاحظة حول المنهجية
تولّى المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي في الضفة الغربية إجراء هذا الاستطلاع بين 27 حزيران/يونيو و15 تموز/يوليو 2019، باستخدام المقابلات الشخصية والتقنيات النموذجية للاختيار الجغرافي العشوائي من أجل توفير عينات تمثيلية دقيقة. تألفت العينة من 500 شخص في كل من الضفة الغربية وغزة وبلغ فيها هامش الخطأ الإحصائي قرابة الأربعة في المائة في كل عينة ثانوية، بينما تألفت من 200 شخص في القدس الشرقية. كما أن كاتب هذا المقال أشرف شخصيًا على الاستطلاعات السابقة التي أجراها المركز وصادق على ما يعتمده من أطر وأساليب لاختيار العينات وعلى قواعد الميدان ومراقبة الجودة وترجمة الاستبيانات والضمانات الصارمة بالحفاظ على الخصوصية وعدم تدخل أطراف خارجية، بالإضافة إلى كافة النواحي الإجرائية الأخرى من البحث.