- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الجناح اليساري الإسرائيلي ينهار ونتنياهو يزداد قوة
الخلفية: الجناح اليميني الإسرائيلي المعصوم
في الوقت الذي تستعدّ فيه إسرائيل للانتخابات القادمة في عام ٢٠١٩، من المحتمل أن تؤدي العوامل التي تسببت في تدهور اليسار الإسرائيلي بتعطيل قدرة هذا الأخير على الحصول على الأغلبية لصالح "الليكود" اليميني. فمنذ عام ٢٠٠٩، تولى رئيس "الليكود" بنيامين نتنياهو السلطة بصفته رئيس وزراء إسرائيل. وقبل الحكومة الحالية، كان رؤساء الوزراء في معظمهم من حكومات الوحدة، ما جعل حكومة نتنياهو الأكثر يمينية. وفي الانتخابات الأخيرة للكنيست في عام ٢٠١٥، فاز حزب "الليكود" بـ ٣٠ مقعدًا وحزب الاتحاد الصهيوني الذي يتزعمه اسحق هرتزوغ بـ ٢٤ مقعدًا.
من انتخابات الكنيست الثامنة عشرة عام ٢٠٠٩ إلى انتخابات الكنيست العشرين الحالية، ارتفع عدد مقاعد "الليكود" وحلفائه تدريجيًا من ٢٧ إلى ٣٠ مقعدًا. وفي انتخابات الكنيست الأخيرة، حصل الاتحاد الصهيوني على ٢٤ مقعدًا. وفي هذا الصدد، أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت في آذار/مارس ٢٠١٨ أن حزب "الليكود" سيحصد ٣٢ من أصل ١٢٠ مقعدًا، يليه الحزب الوسطي "يش عتيد" (هناك مستقبل) مع ٢١ مقعدًا، و"القائمة العربية المشتركة" مع ١٢ مقعدًا، و"الاتحاد الصهيوني" مع ١٢ مقعدًا. وسيكون لهذه النتيجة تداعيات قوية على دور الولايات المتحدة في عملية السلام في الشرق الأوسط وقرارات التدخل في صراعات المنطقة، إذ يحتفظ الرئيس ترامب بروابط وثيقة مع نتنياهو.
مصدر قوة نتنياهو
يعتبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المرشح المنطقي للأمن القومي لإسرائيل وأداة فاعلة ذات قدرة جيوسياسية. ويرجع ذلك جزئيًا إلى نجاح طموحاته الجيوسياسية وقوة علاقته مع الولايات المتحدة. فقد أدّت الأحداث التي وقعت في نيسان/أبريل وأيار/مايو ٢٠١٨، أي العرض التقديمي الذي أعدّه بشأن "خطة العمل الشاملة المشتركة"، والضربات في سوريا، الخ، إلى صرف انتباه الناخبين الإسرائيليين عن الشائعات التي سرت بشأن لوائح الاتهام المقدّمة بحقه والتي صدرت في شباط/فبراير ٢٠١٨ وعن المتاعب الاقتصادية والتركيز فقط على نجاحات هذه المساعي. وهذا ما يعزز اعتقاد نتنياهو بعدم وجود أي نظير له في ما يتعلق بالأمن القومي. وفي حين لن يكون وقع قيادة نتنياهو سهلاً، إلاّ أنه لا رغبة في الاستعاضة عنه لأن الإسرائيليين لا يرون أحدًا سواه قادرًا على مواجهة إيران، و"حزب الله"، و"حماس".
بعد أن أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من "خطة العمل الشاملة المشتركة" المعادية لإسرائيل في ٨ أيار/مايو، كان متوقعًا أن يحصل حزب "الليكود" الذي يتزعمه نتنياهو على المزيد من المقاعد في الانتخابات. فإن القفز المتوقع من ٣٠ إلى ٤٢ مقعدًا يشير إلى أن العلاقات الوثيقة بين نتنياهو وترامب قد تزيد من ترسيخ هيمنة الجناح اليميني في السياسة الإسرائيلية. أمّا من جهته، فلم يوافق يائير لبيد، وزير المالية الإسرائيلي السابق ورئيس ومؤسس حزب الوسط الحالي "يش عتيد" على تأييد نتنياهو للانسحاب الأمريكي من "خطة العمل الشاملة المشتركة". وفي أعقاب الانسحاب، علق قائلاً: "لو كنت رئيسًا للوزراء، لجلست مع القادة الأوروبيين في منتديات مغلقة وعرضت عليهم هذه المواد". ورغم ذلك، فقد ساهمت عملية الانسحاب النهائي في تحقيق الأرقام التي حصدها نتنياهو في الانتخابات المتوقعة.
وفي الفترة التي سبقت نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس في ١٤ أيار/مايو، تبيّن أن ٦٣٪ من الإسرائيليين يرون أنها خطوة تخدم مصالح إسرائيل، وكذلك بالنسبة إلى ٦٨٪ من اليهود الإسرائيليين. وبالتالي، ساهموا في توقع نتائج نتنياهو الانتخابية. وتجدر الإشارة إلى أن المشهد الجيوسياسي قد يتغير بحلول يوم الانتخابات، نظرًا إلى وتيرة الأحداث السريعة في الشرق الأوسط.
تأثير القضايا المحلية وديمغرافيا الناخبين
بينما يواجه نتنياهو الفضائح وتهم الفساد، هل سيفقد اليمين إيمانه بزعيمه؟ يشار إلى أن الإشاعات التي صدرت في شباط/فبراير ٢٠١٨ حول اتهام نتنياهو والتحقيقات التي أجرتها الشرطة معه ستتأثر بأحكام المدعي العام: هل ارتكب نتنياهو جريمة الرشوة أو مخالفة أخرى أخفّ؟ نحن لا نعرف بعد. ففي ضوء هذه الاتهامات، قام مؤشر السلام باستطلاع رأي الإسرائيليين بحسب انتمائهم السياسي، من ١٣ إلى ١٤ آذار/مارس، حول دعمهم لرئيس الوزراء. وتبيّن أن ٥٩٪ من اليهود الإسرائيليين لا يؤمنون ببراءته، و٥٢٪ من الجناح اليميني يؤمنون بتصريحه حيث أفاد بأنه "لن يكون هناك ما [تجدونه] لأنه لا يوجد شيء". ومع ذلك، فإن نسبة ٥٥٪، أي غالبية جناحه اليميني، تستمر في دعمه على الرغم من الخطاب العام. ومن أجل مواصلة الحفاظ على الدعم السياسي مع اقتراب الانتخابات، عكس نتنياهو مسار خطته لإعادة توطين ٣٨ ألف مهاجر إفريقي في ٢ نيسان/أبريل. وذلك لاسترضاء ناخبيه والناخبين بشكل عام.
وعلى الرغم من الخلافات والادعاءات الموجهة ضد نتنياهو، من المرجح ألاّ يشكل الجناح اليساري رسالة موحدة كافية بين قادة الأحزاب، مع التغلب في نفس الوقت على نسبة الأصوات الدينية المتزايدة والتحالفات الحزبية العربية، لكسب مقاعد أكثر من اليمين في انتخابات الكنيست الحادية والعشرين. وفي نيسان/أبريل ٢٠١٧، أوضحت الأستاذة تمار هيرمان، محررة مسح مؤشر السلام المتعلق بإسرائيل أن "معدل الدعم لأي حزب لا ينتمي إلى الجناح اليميني أو اليمين الوسط ضئيل جدًا لدرجة أن [نتائج الاستطلاع] تبدو وكأنها لا تتعلق بأي حزب وإنما تتناول نظرة معينة".
يشكّل إقبال الناخبين العرب عاملًا يقلل من قوة الجناح اليساري. إذ يُستَبعد العرب من بعض الائتلافات ويتم إجبارهم على إنشاء جناحهم الخاص. ويُعرف الائتلاف الذي يهيمن عليه العرب بـ"القائمة المشتركة". في انتخابات عام ٢٠١٥، فاز حزب "الليكود" اليميني بـ ٣٠ مقعدًا، وفاز حزب "المعسكر الصهيوني" اليساري بـ ٢٤ مقعدًا، وحصلت "القائمة المشتركة" على ١٣ مقعدًا في الكنيست. وفي هذا الإطار، يتجه عدد متزايد من الناخبين اليهود المتدينين إلى الإدلاء بصوتهم في الانتخابات. ففي الانتخابات التي سبقت انتخابات الكنيست التاسعة عشرة لعام ٢٠١٣، أشار الاستطلاع إلى أن ٤١٪ من اليهود المتدينين يعتزمون التصويت لصالح نفتالي بنت رئيس حزب "البيت اليهودي" اليميني. وتبع ذلك ٢٥٪ من المترددين و١٩٪ يعتزمون التصويت لصالح "الليكود بيتنا". وفي الانتخابات، فاز "الليكود إسرائيل بيتنا" بـ ٣١ مقعدًا، وفاز الحزب الوسط "يش عتيد" برئاسة يائير لبيد بـ ١٩ مقعدًا، وفاز "حزب العمل" بـ١٥ مقعدًا فقط.
نقاط ضعف اليسار
لم يصعد اليمين إلى الصدارة فحسب، بل يستمر اليسار في انقسامه واضطرابه. عندما أعلن الرئيس ترامب قرار نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، قال زعيم "حزب العمل" آفي جاباي: "إن القدس الموحدة هي أهم حتى من السلام". وفي حين يتفق السياسيون اليساريون، زملاء جاباي، مع هدف القدس الموحدة، إلاّ أنهم يعطون الأولوية لاتفاق سلام مع الفلسطينيين. ويشكّل هذا الاختلاف الصغير والمهم في تمييز القدس مصدر خلاف بين قادة اليسار. إذ يخشى نظراؤه اليساريون، مثل رئيسة حزب "ميرتس" السابقة، زهافا جلئون، وزعيم "القائمة المشتركة"، أيمن عودة، من تداعيات نقل السفارة والتغيير في تمييز القدس على الصعيد العالمي. فإنهم قلقون من أن اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل قد يمنع حدوث أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين، ويحول دون قدس موحدة ومشتركة.
وفي هذا الإطار، أوجز الأستاذ بجامعة تل أبيب أفيعاد كلاينبرغ، وهو ينتمي إلى اليسار الوسط، مشاعر اليهود الإسرائيليين اليساريين حول اليسار في تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٧: "إذا كان هذا هو زعيم اليسار، فلمَ لا نصوت لصالح اليمين؟ آمل ألا يكون جاباي يمينيًا. آمل أن يدرك أنه ليس بإمكانه أن يصل إلى السلطة عن طريق تدمير المعسكر إيديولوجيًا. سننتظر ونرى". لقد انتقل جاباي إلى اليمين، متوخيًا الحذر إزاء المشهد السياسي. ففي تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٧، في خطاب ألقاه في جامعة بن غوريون، قال: "لم أنتقل إلى اليمين، هذا غير صحيح". وعلّق أيضًا أن "اليسار نسي ماذا يعني أن نكون يهودًا". والجدير بالذكر أن جاباي ليس أول سياسي يساري يتباعد عن الحزب ويربك الإسرائيليين اليساريين. في شباط/فبراير ٢٠١٦، شدّد اليساري اسحق هرتزوغ على دعم خطة الانفصال الإسرائيلية الأحادية الجانب عن الضفة الغربية. في حين أن الخطة، التي تهدف إلى تعزيز السلام والتعايش مع الفلسطينيين، هي طموح يساري، إلا أنها تتمتع بجذور يمينية. في كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٧، تم استطلاع آراء الإسرائيليين حول ثقتهم في نتنياهو أو جاباي كرئيس وزراء لإسرائيل، فاختار ٣٩٪ نتنياهو و١٩٪ جاباي كمرشح لرئاسة الوزراء.
طريقة للتغلّب على اليمينيين؟
يكمن الحلّ في إبعاد هيمنة الجناح اليميني في إنشاء ائتلاف يساري مع أحزاب أخرى - ويبدو الوسطيون الحلّ الأكثر واقعية. وفي عام ٢٠١٧، رفض رئيس حزب العمل، جاباي، مفهوم الائتلاف مع "القائمة المشتركة": "لا أرى شيئًا يربطنا بهم أو يسمح لنا بأن نكون في الحكومة نفسها معهم". وبدلًا من ذلك، سيقوم ائتلاف مجدٍ بين الجناح اليساري والوسطيين بتوفير قوة هائلة ضد الجناح اليميني. وأظهر استطلاع للرأي أُجري في ٩ أيار/مايو أنّ "الليكود" سيحصل على ٣٦ مقعدًا، في حين سينال "يش عتيد" ١٧ مقعدًا، و"القائمة المشتركة" ١٢ مقعدًا و"الاتحاد الصهيوني" ١٠ مقاعد. أي سيحصل الائتلاف الافتراضي بين "يش عتيد" و"الاتحاد الصهيوني" على ٢٧ مقعدًا، وهو عدد غير كافٍ للتغلّب على حزب "الليكود" الذي يتزعّمه نتنياهو، إنما سيوفّر منافسة قوية.
في المقابل، يمكن أن يسعى حزب "يش عتيد" إلى إجراء تحالفات محتملة مع حزب "الليكود" الذي يتزعّمه نتنياهو، والتي لن تتغلب على الجناح اليميني بالكامل، بل ستبدأ بإضعاف أيديولوجياته الثابتة. حتى أنّ حزب "الاتحاد الصهيوني" ادّعى أنّ "يش عتيد" قد ينشئ ائتلافًا مستقبليًا مع نتنياهو بالرغم من التهم الموجّهة ضدّه. وقد ردّ لبيد على هذه التصريحات عبر تويتر: "لكلّ من لم يفهم، ولا سيما من يصرّ على عدم الفهم: لن يكون "يش عتيد" جزءًا من أيّ حكومة يكون رئيسها متّهمًا."
وعلاوة على ذلك، فإنّ شروط أحزاب اليسار والوسط واليمين في إسرائيل سلسة نوعًا ما في ضوء غياب خيار واضح لمعاهدة سلام مع الفلسطينيين. ونتيجة لذلك، تكبّد اليسار خسائر كبيرة، ولا سيّما أنّه الطرف المعيّن لإجراء المفاوضات التي لم تسفر عن أيّ نجاح حتى الآن. ويضرّ ذلك أكثر بالجناح اليساري إذ سيُضطرّ الإسرائيليون إلى أن يسألوا أنفسهم: هل يجب أن نحافظ على إمكانية بقاء دولتين في المستقبل إذا لم يستطع القادة التوصل إلى اتفاق حول هذه المسألة اليوم؟
يواجه الجناح اليساري في السياسة الإسرائيلية صعوبات مستمرّة في هزيمة الجناح اليميني. وستبقى الأمور على حالها ما لم يتمكّن الحزب اليساري من تشكيل ائتلاف ناجح لهزيمة "الليكود". ولكن نظرًا إلى انحدار اليسار السياسي، وعدم قدرة الأحزاب الإسرائيلية العربية على تشكيل ائتلافات أو عدم رغبتها في ذلك، يحاول "يش عتيد" و"حزب العمل" اليساريين كسب الناخبين اليمينيين المتردّدين. فهل يمكن أن يعزّز موشيه "بوغي" يعلون مؤهلات لبيد لجذب الناخبين اليمينيين المتردّدين؟ في كانون الثاني/يناير ٢٠١٨، أوضح أنّه يريد شغل المنصب الأعلى في السلطة، رئاسة الوزراء، لإفادة المصالح الوطنية الإسرائيلية. وأضاف: "إنّ جزءًا مما أفعله هذه الأيام، بالإضافة إلى جولتي في البلاد ليتمكّن الناس من التعرف إليّ، هو الاجتماع برؤساء الحركات السياسية وقادة الأحزاب، لاكتشاف القاسم المشترك". وعند مقارنته بالإقناع السياسي مع جاباي ولبيد، أظهر يعلون ثقة كبيرة بالنفس وقال إنّهما يتنافسان مع بعضهما البعض حول صاحب الخبرة الأكبر، ولكن ليس معه. وعلى الرغم من أنّ هذه مهمة شاقة، إلا أنّ تشكيل ائتلاف قوي، مثل الائتلاف بين يعلون ولبيد بين الأحزاب اليسارية والوسطية، يتمتّع بقدرة قوية على تحدّي هيمنة نتنياهو. وبالتالي، سيخلق فرصًا لتحوّلات كبيرة ضمن العلاقات الإسرائيلية على الصعيدين الداخلي والخارجي.