- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
المليشيات العراقية تطور مصادر محلية لتمويل انشطتها الاجتماعية
توظف الميليشيات المدعومة من إيران في العراق القروض الاحتيالية لتمويل أنشطتها المجتمعية، مما يثير الشكوك حول التزامها بالقوانين والأعراف الإسلامية.
بعد انقطاع التمويل الإيراني المخصص للأنشطة المجتمعية والدينية والإنفاق على عوائل أعضاء الميليشيات الذين لقوا حتفهم أثناء القتال مع تنظيم "داعش"، تحاول الميليشيات المدعومة من إيران في العراق تغطية خسائرها المالية من خلال الإقراض الاحتيالي والربوي.
على مدى أعوام، عملت الميليشيات المدعومة من قبل إيران في العراق على تمويل التجمعات المجتمعية الشيعية وقدمت الدعم لعائلات لأعضاء الميليشيات الذين لقوا حتفهم في الحرب ضد تنظيم "داعش". ومن الجدير بالذكر أن تلك الأنشطة المجتمعية والدينية تلعب دورا أساسيا في استمرار عملية الاستقطاب الدوغمائي، حيث تعتمد الميليشيات عليها في تحسين صورتها داخل المجتمع الشيعي في العراق.
على هذا النحو، وبعد انقطاع التمويل الإيراني لهذه الأنشطة، صارت الميليشيات المدعومة من إيران في العراق تعتمد على مصادر مالية محلية جديدة، حيث قامت بعض المليشيات مثل حزب الله النجباء وسرايا السلام بافتتاح مكاتب لمنح القروض المالية للموظفين والمتقاعدين ممن يحملون بطاقات الدفع الإلكتروني. وغالبًا ما تكون هذه القروض ضارة بالنسبة للمقترضين، حيث تكشف عن وجود شبكة راسخة من الإقراض الربوي بتواطؤ مع بنوك وطنية وشركة مالية واحدة على الأقل في العراق. علاوة على ذلك، تمثل تلك القروض انتهاكا صارخا للشريعة الإسلامية، كما تشكك في الشرعية الأيديولوجية لهذه الميليشيات وتسلط الضوء على سعيها في الاستيلاء على السلطة.
الأنشطة الدينية والاجتماعية
قبل عام تقريبا، أبلغت طهران قادة المليشيات الكبرى مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق والنجباء وسيد الشهداء بأنها ستوقف دعم الأنشطة الاجتماعية والدينية لأعضاء المليشيات. كما زعم المسؤولون الإيرانيون أن توقف هذا الإنفاق يعود الى تراجع الإنفاق على العمليات الحربية ضد تنظيم "داعش".
ونظراً لأهمية هذه الأحداث وارتباطها الوثيق بشعبية الميليشيات الشيعية في العراق، أبدى قادة هذه المليشيات تخوفهم بأن إيقاف هذه الأنشطة الاستقطابية المغلفة بأبعاد إنسانية وعقائدية قد يؤثر على شعبيتهم في الشارع ويقلل من الاستقطاب الدوغمائي المنشود.
كما يخشى قادة المليشيات من أن توقف تمويل الأنشطة الاجتماعية والدينية قد يخفض من المشاعر الدينية التي يلهبونها بين فترة وأخرى وخصوصا عبر افتعال أزمات طائفية أثناء الزيارات الكبيرة كالأربعينية الحسينية التي طالما شهدت استفزازا للسنة من خلال استهداف رموزهم الأساسية كالخليفة عمر بن الخطاب وعائشة زوجة الرسول محمد.
القروض الاحتيالية
بالنظر إلى أهمية هذه الأنشطة للميليشيات المدعومة من قبل إيران في العراق، بدأت الميليشيات في البحث عن مصادر بديلة للتمويل، مما تجلى في النهاية في إنشاء مكاتب إقراض غير شرعية تديرها هذه الميليشيات. وحتى يتسنى لنا فهم أهمية هذه الممارسة، فمن الضروري استكشاف العملية التي يتم من خلالها صرف هذه القروض، وكيفية استفادة الميليشيات منها.
تبدأ قصة القروض المالية التي تتربح منها المليشيات من إعلانات على شبكات التواصل الاجتماعي وتتضمن دعوة عامة للاقتراض خارج السياقات الإدارية للمصارف الحكومية وتسمى "القروض الفورية"، أي يستلم طالب القرض المبلغ الذي يطلبه حسب راتبه في نفس يوم طلب القرض وهذا الأمر مغري جدا لمن يحتاج هذا القرض المالي.
وترشد هذه الإعلانات طالبي القروض عبر الفيسبوك الى أرقام هواتف، وفي بعض الأحيان ترشدهم الى أسماء شركات لبيع المواد المنزلية بالتقسيط المريح كغطاء للعملية الاحتيالية.
عندما طالب القرض بالاتصال بالأرقام الموجودة في الإعلان، يقوم مسؤولي المليشيا بإعطائهم عنوان موقعهم أو مكان إجراء المعاملة الاقتراضية، وتجري العملية داخل مكتب في احدى البنايات أو العمارات المشهورة، ويأخذون من طالب القرض بطاقة الكي كارد ويرسلونه الى مكان أخر فيه سجل للموظفين والمتقاعدين المواطنة رواتبهم وفيه جهاز البصمة. وتستمر هذه العملية أكثر من خمس ساعات، ثم يرسلونه الى أحد المصارف الأهلية ليستلم المبلغ.
ولاستكمال العملية، هناك شركة مشهورة تتعامل المليشيات معها موقعها في ساحة كهرمانة مقابل مدخل السفارة الفرنسية في بغداد، وهي الشركة التي تمنح المبالغ بالدولار ، ويستقطع مبلغ كبير في نفس اليوم من مبلغ القرض الممنوح للموظف أو المتقاعد، وكذلك استقطاع مبلغ مالي مرتفع جدا شهريا ، وبحساب بسيط وللتوضيح فقط ، المقترض الذي راتبه 800 الف دينار عراقي يمنح عشرون ورقة أي 2000 دولار ، يستقطع منه ثلاث أوراق أي 300 دولار في نفس اليوم ، ثم يؤخذ منه شهريا 400 الف دينار عراقي لمدة سنة كاملة، أي مجموع القرض خمس ملايين تقريبا وهذا مبلغ باهظ جدا.
خلال شهر حزيران/ يونيو، وتموز/يوليو من العام الماضي حصلت مشكلة تقنية أو فنية في عمل هذه المكاتب لسببين جاءا مع بعضهما خلال هذه الفترة، أولهما: منح الرواتب التقاعدية كل شهر وليس كل شهرين كما كان معمولا به لسنوات طويلة، فأثر هذا الإجراء على المعادلة الحسابية للاستقطاع.
أما السبب الثاني فيتمثل في تغيير الكثير من المتقاعدين بطاقاتهم للدفع الإلكتروني من الكي كارد الى الماستر كارد ونحو ذلك، فلم يستقطع من المتقاعدين مما دفع هذه المكاتب الى إرسال رسائل تهديد مبطن للمتعاملين معها بضرورة التسديد مباشرة (كاش) أي إعطاء القسط نقدا للمكتب فذهب بعض المقترضين وسلموا الاستقطاع الشهري نقدا، بعد ذلك جاءت رسالة ثانية الى المقترضين تبلغهم بأخذ القسط غير المدفوع مع أخر شهر من السنة مع غرامة عن التأخير ، ثم جاءت رسالة أخرى مع صرف راتب شهر أغسطس تبلغ المقترضين بأخذ قسطين مزدوجين من راتب شهر آب / اغسطس ، وهذا بالفعل ما حصل مما تسبب بمشاكل مالية للمقترضين .
شبكة احتيالية
بعد التحقيق مع المقرضين المتورطين في هذه المعاملات الاستغلالية، اتضح أنهم ينتمون إلى جهات مليشياوية. وغالبا ما تخضع المصارف الحكومية وشركات البطاقات الإلكترونية لمطالب تلك المليشيات نظرا لقونها الهائلة. وفي حين قد يتم القبض على المجرمين العاديين غير المنتسبين الذين قد يشاركون في مثل هذا النشاط عند اكتشافهم، فإن جهات الإقراض المدعومة من قبل الميليشيات غالبا ما تفلت من العقاب بسبب القوة السياسية التي تتمتع بها منظماتهم وسمعنها السيئة.
وفي حين تعتبر الميليشيات هي الجهات الفاعلة المركزية وراء هذه العمليات، فمن الواضح أن المؤسسات المالية الأخرى أيضا متواطئة في هذه العملية. على سبيل المثال، يتم دعم هذه العملية الاحتيالية من خلال الإعلانات التي يتم إرسالها من وقت لآخر من قبل مصرفي الرشيد والرافدين بإيقاف السلف المالية الى إشعار أخر، أو لمدة شهرين، أو ثلاثة شهور، أو نشر إشاعات عن هذا الموضوع عن طريق وسائل الإعلام الخاصة بالمليشيات كقنوات العهد والنجباء والاتجاه وكذلك عبر صفحات الجيوش الإلكترونية الخاصة بهذه الجهات المليشياوية.
ويبدو واضحا جليا أن مصرفي الرشيد والرافدين يلبيان ما تريده هذه المكاتب المشبوهة ويقومان باستقطاعات لصالح هذه المكاتب على حساب الموظفين والمتقاعدين المساكين، رغم الإعلانات التحذيرية التي يصدرها المصرفان بين فترة وأخرى والتي تدعو الى عدم التعامل مع هذه الشركات وتصف المعاملة القرضية بالاحتيالية إلا انهما لم يقوما باي إجراء حقيقي كإيقاف الاستقطاع.
النفاق العقائدي
ولعل أكثر ما يكشف عن هذه القروض ليس عدم شرعيتها المدنية، بل عدم شرعيتها الدينية. وفضلا عن مخالفة هذه التعاملات الإقراضية للقانون فإنها تعتبر عملية ربوية غير شرعية لا سيما بان هذه المليشيات تستند الى مبدأ شرعي عقائدي يحرم هذه العمليات الاحتيالية ويعتبرها من الكبائر حسب الثقافة الإسلامية ومن يتعامل بها يعتبر فاسقا لا تقبل منه شهادة ولا يحق له رعاية أمور المسلمين.
فكيف بمن يقوم بهذه العمليات المخالفة للقانون والشرع يصور نفسه حاميا للمذهب وقائدا اجتماعيا هدفه الإصلاح والمقاومة؟!