- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
المصريون يقدرون الولايات المتحدة والصين بالتساوي ويبغضون إيران وإسرائيل
تدعم المواقف الشعبية في مصر كلا من الولايات المتحدة والصين، وتشير تلك المواقف إلى وجود حالة من الاستقرار النسبي على صعيد القضايا الداخلية.
أظهر استطلاع رأي جديد نادر أجرته شركة أبحاث استقصائية إقليمية مستقلة في صفوف المصريين في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، بتكليف من معهد واشنطن، شبه تعادل بين الولايات المتحدة والصين كشريكَين محتملَين لمصر. ووصفت الأكثرية الضيقة العلاقات مع القوتين بأنها "مهمة".
وعلى النقيض من ذلك تمامًا، أعربت أقليات صغيرة ليس إلا عن وجهات نظر مؤيدة للعلاقات مع إسرائيل أو إيران. وفي ما يتعلق بالقضايا المحلية، أفاد نصف المستطلعين عن عدم رضاهم سرًا عن جهود الحكومة بشأن المحسوبية أو الحريات الفردية أو الإدارة الاقتصادية اليومية - وتعاطف النصف تقريبًا إلى حد ما على الأقل مع الاحتجاجات العامة ضد الفساد.
المواقف المصرية لا تظهر تغيرات تُذَكر على صعيد القضايا الداخلية والخارجية على حد سواء.
لم تتغير هذه الآراء كثيرًا عما كانت عليه في السنوات الأخيرة، ودحض ذلك الانطباعات السردية أو النخبوية المختلفة عن التحولات الكبيرة في الشارع المصري. ولم يُترجَم نمو الاقتصاد الكلي إلى زيادة في الرضى الشعبي ولم يسفر المشهد الاقتصادي الثنائي القطب أيضًا عن نزعة شعبية أكبر نحو الاحتجاج الجماهيري.
ولوضع هذا الأمر في نصابه الصحيح، أظهرت استطلاعات الرأي الموازية التي أُجريت في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 الأرقام عينها تقريبًا في الأردن - ولكن نسبة عدم الرضى ودعم الاحتجاجات في لبنان الذي يمر بأزمة اقتصادية كارثية، بلغت الضعف تقريبًا. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاستطلاع يقدّم أيضًا دليلاً على أن الأقلية المسيحية في مصر، التي تنخفض نسبتها قليلاً عن عشرة في المئة من إجمالي السكان البالغ عددهم أكثر من 100 مليون نسمة، تشعر بنسبة أقل من عدم الرضى من السياسات الرسمية للقاهرة وبميل أقل لدعم الاحتجاجات العامة.
وعلى الصعيد الخارجي، لم يؤد تحسين التعاملات الاقتصادية والدبلوماسية مع إسرائيل، والمشاركة العربية الأوسع نطاقًا فيها، إلى تعزيز صورة إسرائيل على الصعيد الشعبي في مصر. ولم يصل موضوع "الانسحاب الأمريكي" المنتشر على وسائل الإعلام من المنطقة إلى مستوى الشارع. ولم يُسجَّل أي تغيير في نسبة الجمهور التي تقدّر العلاقات مع واشنطن. ويبدو بالتالي المناخ السياسي العام مستقرًا - وربما يوفّر للحكومة المصرية أرضية مألوفة، في كل من السياسة الداخلية والخارجية.
الأغلبية تصف العلاقات الأمريكية بالـ"هامة" - وتقول إن الصين لا تستطيع الحلول محلها
وفي الإجابة عن سؤال حول القوى الأجنبية، وصف 57% من المصريين الذين شملهم الاستطلاع العلاقات الطيبة مع الصين بأنها "مهمة" لبلادهم. وعادلهم من الناحية الإحصائية 55% ممن قالوا الشيء نفسه عن الولايات المتحدة. وفي السياق عينه، احتلت روسيا مرتبة أقل بكثير مع نسبة تصل إلى 43%. وتؤكد بوضوح الإجابات على سؤال مقارنة صريح على هذه الرسالة. ولم توافق أغلبية المصريين المستطلعين (58%) على هذا التصريح: "لا يمكن لبلادنا الاعتماد على الولايات المتحدة هذه الأيام، لذلك يجب أن نتطلّع أكثر إلى روسيا أو الصين كشريكتيْن." وفي ما يتعلق بهذه القضية وغيرها من القضايا التي تم السؤال عنها، لم تُظهر البيانات سوى اختلافات متواضعة جدًا بين الأجيال في المواقف بين من هم دون وفوق سن الثلاثين.
بالإضافة إلى ذلك، حصلت بعض السياسات الروسية أو الصينية على ردود فعل فاترة أو حتى سلبية. وعلى نحو مفاجئ، قال نصف المصريين فقط إن "تنامي الاستثمار الصيني في عدة دول عربية" من شأنه أن يسفر عن نتائج إيجابية للمنطقة. والمفاجأة الأكبر بعد هي أن الثلث فقط لديهم رأيًا إيجابيًا تجاه "زيادة مبيعات الأسلحة الروسية إلى الكثير من الدول العربية". وفي الحالتين، أعرب معظم المصريين المستطلعين سرًا عن آراء تتناقض مع "الخط الحزبي" الحالي للقاهرة – وهذا ما يدعم المصداقية العامة للاستطلاع.
الجيش الأمريكي يحصل على ردود فعل متباينة؛ الديمقراطية وفلسطين على رأس الأولويات.
نتجت أيضًا عن الأسئلة المتعلقة بسياسات أمريكية محددة إجابات متباينة. وفي هذا السياق، قال نصف المصريين المستطلعين إن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان سينعكس إيجابًا على المنطقة. ولكن ما يقرب من النصف (45%) قال العكس. وتعلق رد الفعل الأكثر وضوحًا بـ"موافقة الولايات المتحدة على الإبقاء على بضعة آلاف من المستشارين العسكريين في العراق". فثلاثة أرباع المستطلعين توقعت نتائج سلبية من هذا القرار، في حين توقع 17% فقط حدوث آثار إيجابية. ونبعت هذه النتيجة غير المتوازنة بشكل شبه مؤكد من الاستياء المتواصل من الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق في المقام الأول، والذي يعود تاريخه إلى عام 2003.
وبالنسبة إلى المستقبل، أعرب الشعب المصري عن تفضيلات متنوعة بشكل غير متوقع لسياسة الشرق الأوسط الأمريكية. فقد احتل مركز الصدارة "الضغط من أجل حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي" (36%) مع نسبة شبه متعادلة مع المركز الثاني "تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في الدول العربية" (32%). وبعيدًا في المركز الثالث "بذل المزيد من الجهود لحل النزاعات في اليمن وليبيا (15%)، أو "العمل على احتواء نفوذ إيران وأنشطتها في المنطقة" (14%). ولغرض المقارنة، أظهر استطلاع موازٍ أجري في تشرين الثاني/نوفمبر في المملكة العربية السعودية ترتيبًا مختلفًا تمامًا، إذ تعادلت إيران أو اليمن وليبيا مع فلسطين أو الديمقراطية، كأولويات مرجوة للسياسة الأمريكية في المنطقة.
الغالبية الساحقة تقول إن إيران لا تساعد الفلسطينيين وتؤذي العرب الآخرين
وفي تناقض صارخ، أفاد 12% فقط من المصريين المستطلعين أن العلاقات الطيبة مع إيران مهمة بالنسبة إليهم. علاوة على ذلك، وافق ما يقرب من ثلثي المصريين المستطلعين (63%) على التصريح الحازم التالي: "أينما تتدخل إيران، تضر بالعرب المحليين ولا تساعد الفلسطينيين". وتوقّع الثلثان أن انتخاب إبراهيم رئيسي رئيسًا لإيران في حزيران/يونيو الماضي سيخلّف تأثيرًا سلبيًا على المنطقة.
وعلى المستوى الإقليمي، تطغى السلبية على التقارب مع إيران أو حلفائها. لم توافق أغلبية المصريين المستطلعين (58%) على "المحادثات الدبلوماسية السعودية الإيرانية حول بعض التفاهمات بينهما". وعلى نحو مماثل، توقعت أغلبية أكبر (65%) – التي تتحدى سرًا الموقف الرسمي الأخير للحكومة المصرية - تأثيرات سلبية من "تحركات بعض الحكومات العربية لإعادة العلاقات مع (الرئيس السوري) الأسد". وبالمقارنة، توقعت أغلبية ضئيلة (49%) من المصريين المستطلعين أن "الخطوات التدريجية لتحسين العلاقات العربية مع تركيا" سيكون لها تأثيرًا إقليميًا إيجابيًا. وعارض ذلك عدد أقل من المستطلعين (40%).
التطبيع مع إسرائيل لم يحظ بدعم يذكر، ولكن سُجِّلت بعض التغييرات
تجدر الإشارة إلى أن النسبة المئوية للنظرة الإيجابية تجاه اتفاقات السلام الجديدة التي أبرمتها إسرائيل مع الدول العربية الأخرى قد تراجعت في العام الماضي من 25% في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 إلى 12% اليوم. وقد يعزى ذلك إلى التأثير المستمر لحرب أيار/مايو 2021 بين إسرائيل وحماس في غزة وما ترافق مع ذلك من أعمال عنف حول الأماكن المقدسة في القدس، إذ حظي كلاهما بتغطية قاسية في وسائل الإعلام المصرية. وتنطبق هذه النسبة المنخفضة جدًا من الدعم أيضًا على أسئلة أخرى حول التطبيع مع إسرائيل: "الاتصالات لإقامة علاقات رياضية أو تجارية مع الإسرائيليين" (12%)، و"المؤتمر الأخير في أربيل في العراق الذي دعا إلى السلام مع إسرائيل (13%).
وفي جانب إيجابي، أعرب حوالي ربع المصريين المستطلعين عن رأي إيجابي حول "استبدال نتنياهو كرئيس وزراء لإسرائيل". وقالت النسبة عينها تقريبًا إن "الصفقات الاقتصادية الأخيرة بين إسرائيل ومصر والأردن" ستترك تأثيرًا إيجابيًا على المنطقة. ونظرًا إلى أن هذين التطوريْن سيدومان على الأرجح، لفترة زمنية محددة على الأقل، فإن هذه المؤشرات الخاصة بالتغييرات المحتملة في المواقف ستكون جديرة بالمشاهدة في العام المقبل.