- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
المزاحمة بين الإصلاحيين والمتشددين تُطفئ زخم الانتخابات البرلمانية في إيران
في 21 شباط/فبراير، ستُجري إيران انتخابات برلمانها المكون من 290 مقعدًا، أي "مجلس الشورى الإسلامي". وقد تراجع معظم المرشّحين الإصلاحيين عن محاولة التنافس في هذه الانتخابات، في مواجهة حملةٍ أطلقتها الدولة بقيادة المتشددين من أجل تنحيتهم عن التماس المقاعد. ويحاول المتشددون الإيرانيون الواثقون من نصرهم الخاص إظهارَ الوحدة كبديلٍ رنّانٍ عن المعسكر الإصلاحي. لكن ما زال الإصلاحيين يحاربون للحفاظ على وجودهم في الانتخابات، فيما يواجه المتشددون الانقسام ضمن صفوفهم.
تَقرَّر الإعلان عن اللائحة النهائية للمرشّحين الذين سيتقدّمون إلى الانتخابات البرلمانية في ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في إيران تقريبًا، من أجل توليد بعض الزخم حول العملية الانتخابية. إلا أنّ الدعم الشعبي للانتخابات ما زال منخفضا حتى الآن على ما يبدو. وبغض النظر عن نسبة المشاركة، فمن المرجح أن تشكل نتيجة الانتخابات البرلمانية الاتجاهات الرئيسية التي قد تظهر بالفعل في كلا المعسكرين الإصلاحي والمتشدد.
معسكر الإصلاحيين: قرار خوض الانتخابات من عدمه
يواجه الإصلاحيون في هذه الانتخابات عدة عقبات كبيرة، منها الإقصاء الجماعي للعديد من مرشحيهم عن الترشح في الانتخابات. كما تشير الخطوة التي اتخذها مجلس صيانة الدستور المتشدد - المسؤول عن فحص المرشحين - إلى وجود حملة بقيادة المتشددين الساعين إلى الاستيلاء على البرلمان. ومقارنةً بالانتخابات البرلمانية الماضية قبل أربعة أعوام، بلغ عدد الأشخاص الذين تمت تنحيتهم عن الترشح للمقاعد البرلمانية ثلاثة أضعافٍ تقريبًا.
نحّى "مجلس صيانة الدستور" المتشدد، الذي يفرز المرشّحين، 90 عضوًا حاليًّا في البرلمان، أي ما يقارب ثلث صفوفه، وكان معظمهم من الإصلاحيين. لكنّ المجلس نفى التهم بأنه نحّى المرشّحين بناءً على توجههم السياسي. وبدلًا من ذلك، زعم أنّ معظم الذين تمت تنحيتهم يواجهون تهمًا عالقةً مرتبطةً بالفساد المالي، وقد أعلِموا عنها في رسائل وجّهها إليهم المجلس.
وكجزء من عمليات الإقصاء هذه ، يواجه الإصلاحيون معركةً شاقةً للحفاظ على ثقة الناخبين، خاصة بعد تهم الفساد والمحسوبية التي وجهت إليهم. ومن بين المرشحين الإصلاحيين الذين تمت تنحيتهم صهر الرئيس حسن روحاني، كامبيز مهدي زاده، الذى وجهت إليه تهمة المحسوبية نتيجة تعاملاته التجارية وعلاقته العائلية بروحاني. ونتيجة لذلك، طعن روحاني بشكل غير مباشر في تلك العملية الإقصائية دون تسمية مهدي زاده شخصيا، مما أدى إلى قيام مجلس صيانة الدستور بانتقاد الرئيس لمعارضته هذا الإلغاء وغيره من الإجراءات المماثلة ضد الإصلاحيين الآخرين. ومع ذلك، سخر روحاني من قرار "مجلس صيانة الدستور" ، ودعا الانتخابات القادمة إجراءً شكليًّا، وحاول إقرار مشروع قانون استفتاء في شهر شباط/فبراير من أجل تعديل التشريع الذي يسمح للمجلس بفرز المرشحين بشكلٍ انتقائي، لكن دون تحقيق أي نجاح يذُكر .
يرفض الإصلاحيون تهم الفساد الموجهة إليهم وينكرون تأثيرها على قاعدتهم الانتخابية. وبدلًا من ذلك، تحدّوا تنحية المرشّحين في وزارة الداخلية الإيرانية. لكن ذلك لم يساهم في حل مشكلة نقص المرشحين لخوض الانتخابات، خاصة مع انتهاء الموعد النهائي للطعن للطعون، وإعلان مجلس الوصاية انه لم يقبل طعون المرشحين الذين تم فحصهم.
وفى حين رفع 80 إصلاحيًّا الشكاوى إلى المجلس للاعتراض على تنحيتهم. إلا أن أهم رموز الإصلاح مثل محمد رضا عارف، الذي يرأس فصيلة "الأمل" في البرلمان، اختاروا عدم الترشح للانتخابات. ويُقال إن "المجلس الأعلى لواضعي السياسات الإصلاحيين"، الذي يضمّ على الأقل 10 فصائل، لم يعد مهتمًّا بالانتخابات برمّتها، وما زال عليه تقديم لائحة من المرشحين من أجل التنافس في السباق الانتخابي، وهذا ما دفع بعض فصائل الإصلاح إلى تقديم لائحتها الخاصة من المرشّحين للانتخابات.
يصرّ عددٌ من الإصلاحيين البارزين على المشاركة في الانتخابات، من بينهم زعيم حزب "مديري البناء" ورئيس بلدية طهران السابق غلام حسين كرباسي، وقائد فصيلة "الثقة الوطنية" الياس هزراتي، وقائد "الجمعية الإسلامية للمعلّمين" داوود محمدي. وتحاول فصائل الإصلاح الشعبية التي برزت مؤخرًا في معركة الانتخابات الترشح، وهي تشمل "جمعية المضحّين" بقيادة جواد إمام، ومجموعات نسائية، ومجموعات مهنية مثل "جمعية العلوم الطبّيّة" و"جمعية أساتذة الجامعات".
يُعتبَر المرشّحون الإصلاحيون الأوفر حظًّا للفوز في الانتخابات القادمة بمثابة وسطاء، حيث انهم يهدفون إلى بناء تحالفات مستقبلية مع المتشددين. وهم يشملون قائد "جبهة حكم الشعب" مصطفى كواكبيان، وقائد "دار العمّال" علي رضا محجوب، وقائد "صوت الإيرانيين" صادق خرازي. وسيدعم الكثيرون من هؤلاء الإصلاحيين شخصيات حزبية مثل مجيد أنصاري، وهو نائبٌ للشؤون البرلمانية خدمَ روحاني، لكنه يتمتع بخبرة العمل مع المتشددين كعضو في "مجلس تشخيص مصلحة النظام" في إيران الذي تديره الدولة.
لا يزال الإصلاحيون الآخرون يرفضون فكرة بناء تحالفات مع الفصائل المتشددة. إحدى هذه المجموعات ، "التحالف من أجل إيران "، تفضل بناء تحالفات داخل الأحزاب. فمع المضي قدمًا، يعتبر عدة إصلاحيين متزمّتين أنّ عليهم إعادة إحياء معسكرهم بمساعدة الجيل الأصغر والجريء الذي يشمل بعض الشخصيات مثل عماد بهاور الذي رشح نفسه للانتخابات لكنه سبق أن نفّذ حكمًا بالسجن لخمس سنوات أصدره المتشددون ضده بعد مشاركته في الاحتجاجات التي تلت انتخابات في عام 2009 وبتهمة الانضمام إلى حركة الحرية ورئاسة جناح الشباب. وقد هدد بهاور هو وغيره من الإصلاحيين بسحب قائمة مرشحيهم الحزبيين من العملية الانتخابية ، حتى لو كانوا مؤهلين. كل ذلك يعكس السياسة المعقدة التي يتبناها الإصلاحيين والتي قد تنعكس عليهم في تلك الانتخابات.
يخشى عدد من الإصلاحيين- وهو تيار لا يمثّل سوى 15 في المئة من المجتمع الإيراني- من أن يهمّشهم المتشددون في البرلمان. وفى حين يتهم المتشددين الكتلة الإصلاحية بمسئوليتها عن الاحتجاجات الأخيرة في إيران، يصرّ خبيرٌ استراتيجيٌّ إصلاحيٌّ بارزٌ يُدعى علي شكوري راد على أنّ الاحتجاجات المتواترة على امتداد الأمّة في إيران ضد الحكومة تقودها مجموعاتٌ مهمّشةٌ اقتصاديًّا تشكّل قاعدة الناخبين الخاصة بالمتشددين، ولا يقودها الإيرانيون المنتمون إلى الطبقات الوسطى والمتوسطة العليا، الذين يدعم الكثيرون منهم الإصلاحيين. كمل يرى بعض الخبراء الاستراتيجيين الإصلاحيين إن مستقبلهم سيعتمد على مدى سرعتهم في التمكن من مغادرة الصفوف الحزبية وضمّ قوّتهم إلى قوّة شعب إيران لإنشاء حركة تغيير عبر البلاد وخارج حدود الانتخابات البرلمانية.
معسكر المتشددين
وعلى عكس إحباطات الإصلاحيين من الانتخابات هذا العام، يتّحد المتشددون في اعتقاد أنّ الاحتجاجات المتواترة المناهضة للحكومة في إيران ناتجة عن فشل روحاني في توسيع الفرص الاقتصادية للجماهير، وهو ما أتاح للمتشددين السيطرة على البرلمان. يواجه المتشددين أيضا بعض العقبات التي تقف حائلا دون مشاركاتهم في العملية الانتخابية، حيث انه لم يتم سوى تنحية 4 من أصل 64 أصوليًّا، وهم عمومًا متشددون محافظون. ويذكر انه قد تم استبعادهم استنادا لعدة تهم لا يمكن الكشف عنها بموجب قوانين الانتخابات الإيرانية. وشمل هذا الاستبعاد اثنان من هؤلاء الذين تمت تنحيتهم وهم أصولييْن معتدليْن هما علي مطهري ومحمود صادقي كانا مستعدّيْن للعمل مع مناصري روحاني. بما في ذلك فصيل الاعتدال والتنمية في البرلمان. ومن المتوقع أن يحدث هذا الإقصاء بسبب معارضتهم لممارسات غير العادلة للدولة.
وبالتالي، فإن الناخبين غدا لديهم العديد من الخيارات عندما يتعلق الأمر بالمرشحين المتشددين. تروّج فصيلة "ولايى" الأصولية، التي تهيمن على معسكر المتشددين، للولاء التام إلى المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي. وتتبع "جبهة ثبات الثورة الإسلامية" ("بايدارى")، التي تضمّ حوالى 24 مرشّحًا مسجّلًا، رجل الدين المحافظ جدًّا آية الله محمد تقي مصباح اليزدي كموجّهٍ روحيٍّ لها. إلا أنها غير محبوبة سياسيًّا لدى المتشددين الآخرين لأنها تصر على بمنبرٍ سياسيٍّ أقوى يشمل تسمية 60 مرشحًا للبرلمان.
يحاول أصوليون آخرون انعاش العملية الانتخابية عبر اتّباع جدول أعمالٍ سياسيٍّ يتّسم بالمزيد من التقدّميّة المحافِظة. وهم يشملون "جبهة التقدّم والرفاه والعدل" التي تدّعي تقديم رؤية مبتكرة للتغيير عن طريق تقديم مرشحين من الشباب، وبعض المرشحين الثوريين لإضفاء بعض الزخم على العملية الانتخابية. أما الفصائل الأخرى التي تتبع هذه الاستراتيجية تشمل أحزاب مثل "شباب الثورة الإسلامية" و"مجتمع التقدميين الشباب" والحزب الإسلامي "إيران زامين".
في المقابل، شهد فصيل المتشددون أيضًا عودة الزعماء السياسيين القدامى الذين يحاولون قيادة المعسكر المؤيد، من بينهم رئيس بلدية طهران السابق محمد باقر قاليباف والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. ويتطلّع الرجلان إلى الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة في إيران في عام 2021. لكن يقول بعض المتشددين إن المجتمع الإيراني، الذي يعاني من مصاعب هائلة، لن يرغب بعد الآن في اتّباع شخصيات سياسية مألوفة.
مع ذلك، سجّل قاليباف اسمه لخوض الانتخابات البرلمانية، على أمل أن يصبح الرئيس التالي للهيئة التشريعية. وذلك من خلال تقديم قائمة تضم 30 مرشحًا لفصيله المسمى “فخر إيران". كما أنه يتمتع بسجل حافل في المجال المهني ، حيث شغل منصب عمدة طهران السابق ونائب اللجنة الاقتصادية الحالية في مجلس " تشخيص مصلحة النظام "، لكنه أيضًا يواجه تهم بالفساد قدمها هذه المرة الإصلاحيون. وقد رفض قاليباف هذه الاتهامات ، قائلاً إنها ناتجة عن الكثير من الأشخاص الذين يريدون التنافس معه وحسده. وهو يدعم المحافظين التقدميين، المعروفين أيضًا بالأصوليين الجدد، الذين يهدفون إلى مساعدة المتشددين على التكيف مع حاجات الجيل الأصغر. كما أن فصيله البالغ عدده 30 عضو لديه 18 مرشحًا تقل أعمارهم عن 45 عامًا.
لن يترشح أحمدي نجاد للانتخابات البرلمانية، لكنّ هناك حوالى 24 شخصًا من الأعضاء والوزراء في حكومته السابقة، فضلًا عن المدراء المتوسطي المستوى والمحافظين، تسجّلوا لخوض الانتخابات البرلمانية وشكّلوا كتلةً جديدةً تُدعى "تحالف الشعب" للفوز بالمزيد من المقاعد.
و بالنظر إلى المنافسة الداخلية داخل المعسكر المتشدد ، ستخوص بعض الفصائل الانتخابات تحت مظلة جبهة موحدة، حيث قدّم "مجلس ائتلاف قوات الثورة الإسلامية"، وهو المجموعة الجامعة التي ترمي إلى توحيد المتشددين، اللائحة الأولى المؤلّفة من 159 مرشحًا، من بينهم 30 مرشحًا أساسيًّا للمقاعد في العاصمة طهران. لكنه يواجه مهمةً صعبةً في توحيد كافة الفصائل المتشددة. ففي أوائل شباط/فبراير، جمع المجلس حوالي 7000 عضوًا بشكلٍ وهمي لتجميع لائحة نهائية من 90 مرشّحًا أساسيًّا، و10 مرشحين آخرين أساسيين لمقاعد رئيسية من أجل ضمان النصر. كما حذّر الفصائل من عدم الشعور بالرضا الذاتي أو الانقسام في الانتخابات. ولكن الغد سوف يظهر ما إذا كان هذا التحذير قد تم الاهتمام به أم لا.
هيمنت المنافسة الشرسة للإصلاحيين المتشددين لتشكيل البرلمان المقبل على المناقشات السياسية في الداخل الإيراني، وأدت إلى تعتيم آراء الرأي العام حول الانتخابات. تاريخياً، يمكن للناخبين المحتملين الذين يواجهون الكثير من المصاعب التي تمر بها إيران الآن، أن يقاطعوا عملية التصويت عندما يتعلق الأمر بوضع آمالهم في العملية الانتخابية. ومع ذلك، فمن المتوقع أن تبلغ نسبة إقبال الناخبين حوالي 50 في المائة، أي أقل قليلاً من انتخابات عام 2016. لكن الأهم من ذلك، أنه لا يوجد أي مؤشر حتى الآن على أن البرلمان الذي يهيمن عليه المتشددون سيطرح برنامج قوي يمكنه من خلاله إجراء التغييرات التي يطمح فيها المجتمع الإيراني. وقد يحقق المتشددون انتصار أجوف ما لم يكونوا متحدين وقادرين على تقديم سياسات حقيقية قابلة للتطبيق تخفف من الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها الإيرانيين.